الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وقعة القادسيّة مع رستم
ثم إنّ عمر رضى الله عنه مدّهم بسعد بن أبى وقّاص رضى الله عنه، بعد أن همّ أن يمدّهم بنفسه، ثم بدا له أن يوجّه عبد الرحمن بن عوف، فقال له عبد الرحمن:
فداك أبى وأمّى، قال عبد الرحمن: ما فديت أحدا بأبوى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير عمر، انصرف إلى المدينة، فو الله لئن قتلت إنّى أخاف على المسلمين، ولكن ابعث يا أمير المؤمنين، قال: فمن أبعث؟ قال: ابعث الأسد على براثنه، سعد ابن أبى وقّاص! فبعثه فى أربعة آلاف فارس، فنزل القادسيّة، ثم استمدّ عمر، فمدّه بالمغيرة والأشعث بن قيس وغيرهما من فرسان العرب.
وبلغ المثنّى قدوم سعد أميرا، فوجّه إليه من يلقاه، ثم لقيه بعد ذلك، فأراه سعد كتاب عمر، فسمع وأطاع، وأعطاه الخمس، وجاءه جرير أيضا فأطاعه.
وسار سعد فى ستّة آلاف، وشنّ الغارات، فسار إليه رستم فى ستّين ألفا من أساورة العجم، وكان بينهما جسر القادسيّة، وتراسلوا، وكان (150) رسول المسلمين المغيرة بن شعبة، ثم تزاحفوا وعامّة أجنّة المسلمين التى يتترّسون بها برادع الرحال، وقد يعرّص فيه الجريد، لكن بقلوب أقوى من الحديد، فاقتتلوا وسعد فى القصر، قصر العذيب، ومعه زوجتاه، فسرّح إليه رستم خيلا، فأحدقوا بسعد، ومعه فى القصر قريب من ثلاثين رجلا، فقالت له سلمى زوجته: اخرج إلى القوم! فقال: أخاف أن ألقى بيدى إلى التّهلكة، فقالت: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة! ثم قالت: وامثنّاه، لا مثنّى اليوم، وكانت قبل ذلك عند المثنّى، فغار سعد، فلطم وجهها، فقالت: يا سعد: غيرة وجبنا.
وبلغ المسلمين خبر الخيل، فنفذوا (1) إلى سعد خيلا فيهم عمرو بن معدى كرب، فقتلوهم جميعا.
وكان أبو محجن الثقفى محبوسا فى القصر وهو مريض، فلمّا رأى ما تصنع الخيل قال لأمّ ولد سعد: أطلقينى، ولك عهد الله، أنّى إن لم أقتل رجعت إليك ولأضعنّ رجلى فى الحديد، فأطلقته، فركب فرسا لسعد، فنظر سعد فجعل ينكر فرسه ويعرفها، فلمّا فرغوا من القتال وقتل الله رستم وهزم جيشه، دخل أبو محجن القصر، ووضع رجله فى قيده، وأنزل سعد من القصر، فسأل عن فرسه فعرف ما كان من أبى محجن، فأطلقه وآلى ألا يحبسه أبدا.
دخل ابن لأبى محجن على معاوية بن أبى سفيان، فقال معاوية: يا أهل الشّام، تدرون من هذا؟ قالوا: لا، قال: هذا ابن الذى يقول:
إذا متّ فادفنّى إلى جنب كرمة
…
تروّى عظامى بعد موتى عروقها
ولا تدفننّى بالفلاة فإنّنى
…
أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها
فقال ابن أبى محجن: أما والله لو شئت لذكرت من شعره ما هو (151) أحسن من هذا، قوله:
لا تسأل الناس عن مالى وكثرته
…
وسائل النّاس عن بأسى وعن خلقى
قد أطعن الطّعنة النّجلاء عن عرض
…
وأكتم السرّ فيه ضربة العنق
وكان مع الفرس يوم القادسيّة ثمانية عشر فيلا.
وذكر الشّعبى أنّ الفرس كانوا يوم القادسيّة فى مائة ألف وعشرين ألفا، معهم ثلاثون فيلا، ولحقت الفرس بدير قرّة، ونهض سعد بالمسلمين فنزل بهم دير قرّة، وقسم بينهم سعد الأموال، وأعطاهم على قدر ما قرأوا من القرآن.