الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسيأتى ذكر ذلك فى موضعه، وبعث علىّ عليه السلام مالك الأشتر النخعى واليا إلى مصر، فسمّ فى الطريق، ومات قبل دخوله إلى مصر، وسيأتى ذكر ذلك أيضا فى مكانه اللائق به إن شاء الله تعالى.
ولمّا دخل علىّ الكوفة انحاز عنه اثنا عشر ألفا من القرّاء وغيرهم، وجعلوا عليهم شبيب بن ربعى، وعلى صلاتهم عبد الله بن الكوّاء اليشكرى، وكان اجتماعهم بقرية يقال لها حرورة فلذلك سمّوا بذلك الحرورية، وخرج إليهم علىّ، وكان له معهم مناظرات يأتى ذكر شئ من ذلك فى موضعه، إن شاء الله تعالى.
ذكر الحكمين وأمر التّحكيم
قال (1) المسعودى رحمه الله: وفى سنة ثمان وثلاثين، كان اجتماع الحكمين بدومة الجندل، فبعث على كرّم الله وجهه عبد الله بن عبّاس، وشريح بن هانئ الهمدانىّ فى أربعمائة رجل، فلمّا وصل القوم المكان الذى كان فيه الاجتماع قال ابن عبّاس لأبى موسى: إنّ عليّا لم يرض بك حكما، لفضل غيرك والمقدّمين عليك، وإن النّاس أبوا إلاّ أنت، وأظنّ ذلك لشرّ يراد بهم، وقد رموك
بداهية العرب، فمهما نسيت فلا تنس أنّ عليّا بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، وليست فيه خصلة تباعده من الخلافة، وأن ليس فى معاوية خصلة تقرّبه من الخلافة.
قال (1): ووصّى معاوية عمرا حين فارقه، فقال: يا أبا عبد الله، إنّ أهل العراق قد أكرهوا عليّا على أبى موسى الأشعرىّ، وإنّ أهل الشام راضون بك، وقد ضمّ (303) إليك رجل طويل اللسان، قصير الرأى، فلا تلقه برأيك كلّه.
فلمّا التقى أبو موسى وعمرو بن العاص بدومة الجندل، قال عمرو لأبى موسى:
خبّرنى ما رأيك (2)؟ فقال: أرى أن نخلع هذين الرجلين، وأجعل الأمر شورى بين المسلمين، يختارون لأنفسهم من يختارون، فقال عمرو الرأى ما رأيته! فأقبلا على الناس وهم مجتمعون، فقال عمرو لأبى موسى: تكلّم بما وقع الاتّفاق عليه، فإنّ رأينا جميعا قد اجتمع، وأنت أقدم وأسبق.
قال: فتكلّم أبو موسى، فقال: رأيى ورأى عمرو قد اتّفق على أمر نرجو أن يصلح الله به أمّة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال عمرو: صدق أبو موسى، تقدّم فتكلّم! قال: فتقدّم أبو موسى ليتكلّم، فدعاه ابن عبّاس، فقال: ويحك إنّى لأظنّه قد خدعك، إن كنتما اتّفقتما على أمر فقدّمه فى الكلام قبلك، ثم تكلّم أنت بعده، فإنّ عمرا رجل غدّار، ولا آمن أن يكون أعطاك الرضا فيما بينك وبينه، فإذا قمت فى الناس خالفك.
وكان أبو موسى متغفّلا (1)، فقال: لا أرضاه أن يكون المقدّم علىّ فى القول، ثم تقدّم، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على نبيّه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيّها الناس، إنّا قد نظرنا فى أمر هذه الأمّة، فلم نر أصلح لها، ولا ألمّ لشعثها من أمر قد اجتمع عليه رأيى ورأى عمرو بن العاص، وهو: أن نخلع عليّا ومعاوية جميعا، واستلقوا أمركم، وولّوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلا، ثمّ تنحى.
وأقبل عمرو بن العاص، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، وصلّى على النبى صلى الله عليه وسلم ثمّ قال: هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أيضا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبتّ صاحبى معاوية، فإنّه ولىّ ابن عفّان، والطالب بدمه، وأحقّ الناس بمقامه، فقال أبو موسى: ما لك (304) لا وفّقك الله، غدرت وفجرت، إنّما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث، فقال عمرو. إنّما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا.
قال (2): وحمل شريح على عمرو فضربه بالسوط، وحمل ولد لعمرو فضرب شريحا بالسوط، وقام الناس فحجزوا بينهما، فكان شريح بن هانئ بعد ذلك يقول: ما ندمت على شئ كندامتى على ضرب عمرو بالسوط، ألاّ أكون قد ضربته بالسيف، ثم إنّ الناس التمسوا أبا موسى الأشعرى، فركب راحلته وأتى مكّة شرّفها الله تعالى وقال لابن عبّاس: غدرنى الفاسق، ولكنّى [اطمأننت](3) إليه، ولا ظننت أنّه يؤثر شيئا على نصيحة المسلمين، ثم انصرف عمرو وأهل
الشام إلى معاوية، فسلّموا عليه بالخلافة، ورجع ابن هانئ وابن عبّاس إلى علىّ عليه السلام فأخبروه بذلك، هذا من رواية المسعودىّ (1)، رحمه الله.
وقال الطّبرىّ رحمه الله: إنّ أبا موسى الأشعرى وعمرو بن العاص لمّا اجتمعا بدومة الجندل، لم يزل عمرو بأبى موسى إلى أن أجابه بأنّ عثمان قتل مظلوما، وأنّ أولى الناس بالأمر وليّه [الطالب بدمه](2)، وكتب بذلك بينهما صحيفة، وقال الطبرى (3): إنّ عمرا لمّا رجع إلى معاوية، لم يأته، ولا عبأ به، وأتى منزله وقال: قد كنت آتيه وأحتفل بأمره إذ كانت لى إليه حاجة، فأمّا إذا كان الأمر قد صار بيدى، أولّى فيه من شئت.
فلمّا بلغ معاوية ذلك عمل الحيلة على عمرو، وأمر بطعام فصنع، ثم دعا بخاصّته وأهله ومواليه، وقال: دعوا قوم عمرو، فليجلسوا قبلكم، فكلّما قام رجل منهم فليجلس رجل منكم مكانه، فإذا خرجوا ولم يبق فى الدار منهم أحد، فامنعوهم من الدخول إلى الدار، وأغلقوا الباب (305) دونهم، ثم غدا معاوية إلى عمرو ابن العاص، فدخل عليه وعمرو جالس على فرشه، فلم يقم عنها، فجاءه معاوية فجلس دون الفرش، واتّكأ على جنبه، وكان عمرو قد أعدّ فى نفسه أنّ الأمر قد صار فى يده، يندب إليه من يشاء، ويضعها فيمن يريد، قال: فحادثه معاوية
ساعة، وضاحكه، ثمّ قال: يا أبا عبد الله، ثمّ غداء قد راح (1)، هل لك فيه؟ فقال عمرو: نعم.
فدعا معاوية بالطّعام المستعدّ، فوضع، فقيل لأصحاب معاوية: هلموا إلى الغداء، فقال معاوية: أصحابك يا أبا عبد الله الأولى بالتقدّم على أصحابى، فأعجب بذلك عمرو، فعاد كلّما قام رجل من أصحاب عمرو، جلس رجل من أصحاب معاوية، وقام الموكّلون بالباب، فمنعوا أصحاب عمرو من العود، وغلقوا الباب دونهم، فلمّا عاين عمرو أن لا ثمّ عنده أحد من أصحابه، علم قصد معاوية، فقال عمرو: فعلتها أبا يزيد؟ فقال: نعم، فإنّما بينى وبينك أمران، اختر أيّهما شئت: البيعة لى، أو القتل لك، فليس والله غيرهما، فحينئذ بايعه على رغم منه، فى محضر من مشايخ الشام، ثم انصرف معاوية إلى منزله.
ولما بلغ عليّا عليه السلام ما كان من أمر أبى موسى وعمرو، قال: إنّى كنت تقدّمت إليكم فى هذه الحكومة، ونهيتكم عنها فأبيتم إلاّ عصيانى، فكيف رأيتم عاقبة أمركم؟ والله إنّى لأعلم من جهلكم على خلافى والترك لأمرى ما يوهيكم، ولو أشاء أخذه لفعلت، لكنّ الله يفعل ما يريد.
قال الطبرى رحمه الله (2): ثم إنّ الخوارج اجتمعوا فى أربعة آلاف رجل، فبايعوا عبد الله بن وهب الراسبى، ولحقوا بالمدائن فقتلوا عبد الله بن [حبّاب](3)