الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوّل خطبة خطبها عثمان
رضى الله عنه
لمّا بويع رضى الله عنه صعد المنبر فقال بعد أن حمد الله وصلّى على النبى صلى الله عليه وسلم:
أيّها الناس، إنّ أوّل كلّ مركب صعب، وإنّ بعد اليوم أيّاما، وإن أعش فستأتيكم الخطبة على وجهها، فما كنّا خطباء، وسيعلّمنا الله، وكان من قضاء الله تعالى أنّ عبيد الله بن عمر أصاب الهرمزان من المسلمين، ولا وارث له إلاّ المسلمون عامّة، وأنا إمامكم، وقد عفوت عنه، فتعفون؟ قالوا: نعم، فقال علىّ:
لقد فسق، فإنّه أتى عظيما، قتل مسلما بلا ذنب. وقال لعبيد الله: يا فاسق، لئن ظفرت بك يوما لأقتلنّك بالهرمزان، (211) وروى أنه لما أعطى عثمان رضى الله عنه من العهد لعبد الرحمن ما أعطى، وبايعه عبد الرحمن، قال الزبير: نفعت الختونة يا ابن عوف، لأنّ محمّد بن عبد الرحمن بن عوف تزوّج ابنة عثمان، فقال عبد الرحمن:
كلاّ، ولكنّى وجدته أرضى فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منك.
وكان سبب قتله (1) الهرمزان أنّ عبد الرحمن بن أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه قال: مررت على قاتل عمر أبى لؤلؤة، ومعه الهرمزان وجفينة، وهم نجّى، فلمّا بغتّهم ثاروا، فسقط من بينهم خنجر له رأسان، ونصابه فى وسطه، فانظروا الخنجر الذى قتل به عمر، فنظروه على النعت الذى نعته عبد الرحمن، فانطلق عبيد الله بن عمر حين سمع ذلك، ومعه السيف، فدعا الهرمزان، فلمّا خرج إليه
قال له: انطلق معى حتى أنظر إلى فرس، وتأخّر عنه، فلمّا تقدّمه علاه بالسّيف، ووجد حرّ السيف، قال: لا والله! وقيل إنّه قال: لا إله إلاّ الله.
ثم أتى جفينة فدعاه، فلمّا جاءه علاه بالسيف، وكان جفينة نصرانيّا من نجران، وكان ظئرا لسعد بن أبى وقّاص، فأقدمه المدينة، فعلاه عبيد الله بالسيف فصلّب بين عينيه، ثم انطلق عبيد الله فقتل ابنة لأبى لؤلؤة، وأراد عبيد الله يومئذ لا يترك سبيّا بالمدينة إلا قتله، فاجتمع المهاجرون وتوعدوه، فقال: والله لأقتلنّهم وغيرهم، وعرض ببعض المهاجرين، فلم يزل عمرو بن العاص به حتى أخذ السيف منه، فلمّا أخذ منه السيف جاءه سعد بن أبى وقّاص، فأخذ كلّ واحد منهما برأس صاحبه، حتى حجز الناس بينهما، وجاء إليه عثمان بن عفّان، وذلك قبل أن يبايع له فى أيّام الشورى، فكلّمه، وأخذ كلّ واحد منهما برأس صاحبه، حتى حجز الناس بينها.
ولما تقابل عثمان رضى الله عنه وعبيد الله بن عمر قال عثمان له:
لعمرى لقد أصبحت تهذر دائبا
…
وغالت أسود الأرض عنك الغوائل
فقال عبيد الله:
وما أنا باللحم الغريض تسوغه
…
فكل من خشاش الأرض إن كنت آكلا
فلما بويع عثمان قال: أشيروا علىّ فى قتل هذا الذى فتق (212) فى الدين فتقا، فأشار المهاجرون بقتله، وشجّعوا عثمان على ذلك، وقال آخرون: أبعد الله الهرمزان وجفينة، أتريدون أن تتبعوا عبيد الله أباه، ليس بالجزاء منكم، وكثر القول، وكادت تكون فتنة، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين إنّ هذا
الأمر كان فى فترة ولم يكن فى سلطانك، فأعرض عنه، ففرّق الناس كلمة عمرو ابن العاص، وودى (1) عثمان الرجلين والجارية، وكانت حفصة ممّن شجّع عثمان على قتل أخيها عبيد الله، وكان أشدّ الناس فى أمر عبيد الله علىّ بن أبى طالب كرّم الله وجهه، قال: اقتلوه به، فإنّ الهرمزان قد كان أسلم وحجّ، وليس للولىّ أن يعفو عن القاتل، وإنّما يدعو الولى إذا رفع إليه، فإن شاء عفا.
وكان عمر قد أوصى إلى حفصة زوج النبى صلى الله عليه وسلم، فإن ماتت فإلى الأكبر من ولد عمر وآله. وكانت وصيّته بالربع، وقال لولده عبد الله: اضمن للمسلمين ما استسلفته من بيت مالهم، فلم يدفن عمر حتى أشهد بها عبد الله على نفسه أصحاب الشورى وغيرهم، ولم تمض جمعة من موت عمر حتى جعل عبد الله على المال الذى ضمنه عن عمر أبيه فى بيت المال، وأشهد على براءته منه، وسمع عمر رضى الله عنه حفصة تندبه وتقول: يا صاحب رسول الله، يا أمير المؤمنين، فقال: أى بنيّة، إنّى أجرح عليك بمالى عليك من الحقّ أن لا تندبينى بعد مجلسك هذا، فأمّا عيناك فلن تملكيهما، قالت عائشة رضى الله عنها: لمّا دفن عمر فى بيتى لم أضع خمارى عن رأسى، ولم أزل متحفّظة حتى بنيت بينى وبينه جدارا، وأوصى عمر رضى الله عنه عند موته أبا طلحة، وقال له: كن فى خمسين من أصحابك من الأنصار، مع هؤلاء النفر أهل الشورى، وقم على باب البيت الذى يجتمعون (213) فيه، ولا تترك أحدا يدخل معهم فيه، ولا يمض عليهم اليوم الثالث حتى يؤمّروا عليهم أحدهم، الّلهمّ أنت خليفتى عليهم.