المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر نبذ مما جرى فى هذه الغزاة - كنز الدرر وجامع الغرر - جـ ٣

[ابن الدواداري]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌ذكر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلمونسبه ومولده ومبعثه وما لخّص من معجزاته وآياته وسيرته

- ‌ذكر ما لخّص من ذكره صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر المؤذين له صلى الله عليه وسلممن قريش

- ‌ذكر المستهزئين به صلى الله عليه وسلممن قريش

- ‌ذكر المؤلّفة قلوبهممن قريش وغيرها

- ‌ذكر أصول قريش وفروعهاوشعوبها وقبائلها

- ‌ذكر الأعياص من بنى أميّةابن عبد شمس

- ‌ذكر شئ من بعض كلامه صلى الله عليه وسلمممّا لم يسبق إليه

- ‌ذكر للشبّهين به صلى الله عليه وسلممن قريش وغيرها

- ‌ذكر زوجاته أسماءمن غير نسبة

- ‌ذكر أولاده الذكور والإناثجملة من غير تفصيل لما يأتى بعد ذلك

- ‌ذكر ابتداء سياقة ذكر النيل المباركفى أوّل كلّ عام من أوّل الهجرة

- ‌ذكر فصل لطيف فى نيل مصريليق بهذا المكان ذكره

- ‌ذكرالسنة الأولى من الهجرة النبويّة

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة اثنتين للهجرة النبويّةالنّيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاث للهجرة النّبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌[ما لخّص من الحوادث]

- ‌ذكر سنة أربع للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة خمس للهجرة النبويّةالنيّل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌[ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ستّ للهجرة النبويّةالنيّل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة سبع للهجرة النّبويّةالنّيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثمان للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر فتح مكّة-شرّفها الله تعالى-فى هذه السّنة

- ‌المعجزة فى سقوط الأصنام

- ‌ذكر سنة تسع للهجرة النّبويّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة عشر للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر حجّة رسول الله صلى الله عليه وسلموهى حجّة الوداع

- ‌ذكر سنة إحدى عشرةللهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر صفته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر صفاته المعنويّة صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر ما لخّص من كتاب الشفاءمن معجزاته صلى الله عليه وسلموعظّم وكرّم

- ‌ذكر أزواجه وأنسابهنّ وعدّتهنّرضوان الله عليهنّ أجمعين

- ‌(94) ذكر أولاده الذكور والإناث ومن تزوّج بهن

- ‌ذكر من تزوّج ببناته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أعمامه وعمّاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شئ من ابتداء أمرهولمع من خبره

- ‌تفسير كلمات من هذا الرجز

- ‌مخيلة ما ليس فيها لىتفسير ذلك

- ‌ذكر عمّاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر مواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر الإناث من مواليه ومن اصطفى منهنّ لنفسه

- ‌ذكر من خدمه من الأحرار صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر من كان يحرسه فى غزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رسله إلى الملوك والقبائل

- ‌ذكر كتّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رفقائه النجباء رضوان الله عليهم أجمعين

- ‌ذكر دوابّه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر نعمه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر سلاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أثوابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خلافةالإمام أبى بكر الصدّيق رضى الله عنهونسبه وبعض سيرته

- ‌تفسير كلمات من هذا الخبر

- ‌ذكر شئ من أمر الرّدّة ومنع الزّكاة

- ‌ذكر سنة اثنتى عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر لمع من خبر مسيلمة وسجاح

- ‌ذكر ابتداء فتح الشام وما لخّص عنه

- ‌ذكر سنة ثلاث عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ومن كلام عائشة رضى الله عنها فى أبيها بعد وفاته

- ‌صفة الإمام أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه

- ‌(126) ومن كلامه رضى الله عنه

- ‌أسماء كتّابه رضى الله عنه

- ‌أسماء حجابه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه رضى الله عنه

- ‌ذكر خلافةالإمام الفاروق عمر بن الخطّابونسبه وبعض سيرته رضى الله عنه

- ‌ذكر إسلام عمر بن الخطّاب رضى الله عنه

- ‌ومما يستحسن من عدله وإنصافه

- ‌ذكر سنة أربع عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر فتح دمشق وحمص وما معهما ملخّصا

- ‌ذكر وقعة اليرموك

- ‌ذكر سنة خمس عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ستّ عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر فتح إيلياء

- ‌ذكر ابتداء دخول المسلمين العراق

- ‌ذكر وقعة القادسيّة مع رستم

- ‌ذكر سنة سبع عشرةللهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر وقعة جلولا بين الفرس والمسلمين

- ‌(156) ذكر سنة ثمانى عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة تسع عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة عشرين للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر عمر بن العاصولمعا من خبره رضى الله عنه

- ‌تفسير كلم من هذا الحديث

- ‌ذكر مصر ومبتدئهاملخّصا من وجه

- ‌ذكر سبب دخول عمرو بن العاص مصرفى الجاهليّة

- ‌ذكر فتح مصر على يد عمرو بن العاصرضى الله عنه

- ‌ذكر بعض شئ ممّا وردفى صفة مصر

- ‌ذكر شئ مما ورد من الحديثفى الوصيّة بقبط مصر

- ‌ولنعد إلى سياقة التّاريخ

- ‌ذكر سنة إحدى وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة اثنتين وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاث وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر وفاة الإمام عمر رضى الله عنه

- ‌ذكر أولاد عمر بن الخطابرضى الله عنه

- ‌ومن كلامه رضى الله عنه

- ‌ومن أولاد عمر رضى الله عنه

- ‌صفته رضى الله عنه

- ‌كتّابه رضى الله عنه

- ‌حاجبه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه رضى الله عنه

- ‌(198) ذكر سنة أربع وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ذكر خلافة الإمام ذى النورينعثمان رضى الله عنه ونسبه وبعض سيرته

- ‌ذكر نبذ مما جرى فى هذه الغزاة

- ‌ومن مناقب عثمان رضى الله عنه

- ‌ذكر أمر الشورىوبيعة عثمان رضى الله عنه

- ‌أوّل خطبة خطبها عثمانرضى الله عنه

- ‌ذكر خطبة عثمانبعد تلك الأولى

- ‌ذكر سنة خمس وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ستّ وعشرينالنّيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة سبع وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثمان وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة تسع وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاثينللهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة إحدى وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة اثنتين وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاث وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر سنة أربع وثلاثونالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ذكر سنة خمس وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ذكر مقتل عثمان بن عفّان رضى الله عنه

- ‌نبذ من أخبار بنى عثمانرضى الله عنه

- ‌صفة الإمام عثمان رضى الله عنه

- ‌كاتبه رضى الله عنه

- ‌حاجبه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه رضى الله عنه

- ‌ذكر خلافة الإمام الأنزع والبطل السميدععلىّ بن أبى طالبكرّم الله وجهه ونسبه وما لخّص من أخباره

- ‌تفسير كلمات من هذا الخبر

- ‌تفسير ألفاظ من هذا الخبر

- ‌ذكر أول خطبة خطبها كرّم الله وجهه

- ‌ومن خطبه عليه السلام

- ‌ذكر سنة ست وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر نبذ ممّا جرى فى وقعة الجمل

- ‌ذكر طلحة بن عبيد الله وأخباره ومقتله

- ‌ذكر الزّبير وأخباره ومقتله

- ‌وكتب جوابه:

- ‌ذكر حرب صفّين بين علىّ ومعاوية رضى الله عنهما

- ‌ذكر سبب قدوم عمرو بن العاص على معاوية

- ‌ذكر سنة سبع وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثمان وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر الحكمين وأمر التّحكيم

- ‌ذكر وقعة الخوارج بالنّهروان

- ‌ذكر قتلة محمّد بن أبى بكر الصّدّيقرضى الله عنه

- ‌ذكر سنة تسع وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة أربعين هجريّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌(313) ذكر مقتل الإمام علىّ كرّم الله وجهه

- ‌ذكر شئ من أحكام علىّ رضى الله عنه وقضاياهوبعض سيرته

- ‌ذكر أزواجه وأولاده رضوان الله عليهم

- ‌ذكر صفته كرّم الله وجهه

- ‌ذكر كتّابه عليه السلام

- ‌ذكر حاجبه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه عليه السلام

- ‌ذكر خلافة أحد شباب أهل الجنّةالحسن بن علىّ صلوات الله عليه

- ‌ذكر سنة إحدى وأربعينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر صفته عليه السلام

- ‌نقش خاتمه عليه السلام

- ‌فصل يتضمّن ذكر بقيّة الشعراءالمخضرمين

- ‌(329) حسّان بن ثابت الأنصارىرضى الله عنه

- ‌لبيد بن ربيعةوقد تقدم ذكره فى الجاهليّة

- ‌(330) النّابغة الجعدىّ

- ‌الحطيئة فى المشبّهات من العقم

- ‌عمرو بن شأس

- ‌الشمّاخ

- ‌عبدة بن الطبيب

- ‌(331) متمّم بن نويرة

- ‌كعب بن زهير

- ‌عمرو بن معد كرب

- ‌العبّاس بن مرداس

- ‌الخنساءوقد تقدّمت

- ‌(332) الزّبربان

- ‌عمرو بن الأهتم

- ‌أوس بن [مغراء]

- ‌أبو ذؤيب الهذلى

- ‌الوليد بن عقبة

- ‌وبتمام ذكر هذه الطبقة من الشعراء، وهو الجزء الثالثتمّ الجزء ولله الحمد والمنّة

- ‌الختام

- ‌استدراكات

- ‌تصويبات

الفصل: ‌ذكر نبذ مما جرى فى هذه الغزاة

ليومين، فلمّا رأى اليهودىّ قال: أفسدت علىّ ركيّتى، فاشترى النصف الآخر بثمانية آلاف وجعلها للمسلمين.

وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «من يزيد فى المسجد؟» فاشترى عثمان موضع خمس سوار، فزاده فى المسجد، وجهّز جيش العسرة فى غزاة تبوك.

وروى أنّ عثمان رضى الله عنه حمل فى جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا، وأنفق فى جيش العسرة ألف دينار، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:«اللهمّ لا تنس هذا اليوم لعثمان، اللهمّ إنّى راض عن عثمان فارض عنه» ، وكانت هذه الغزاة -وهى غزوة تبوك-فى رجب سنة تسع للجرة.

‌ذكر نبذ مما جرى فى هذه الغزاة

كان عليه السلام قلمّا يخرج فى غزوة إلاّ كنى عنها، وأخبر أنّه يريد غيرها، إلاّ فى هذه الغزوة-وهى غزوة تبوك-فإنّه بيّنها لبعد المسافة، وشدّة الزّمان، وكثرة الروم، وأخبرهم أنّه يريد الروم (201) ليتأهّب الناس، وحضّ أهل الغنى واليسار على النفقة، فلم ينفق أحد من المسلمين ما أنفق عثمان رضى الله عنه، واعتذر إليه ناس من الأعراب، وفيهم أنزل الله تعالى:{وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ»} الآية (1) ولم يعذرهم الله، وتخلّف رجال من المسلمين من غير شكّ ولا نفاق، وعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثنيّة الوداع، وعسكر عبد الله بن أبىّ عسكره، أسفل منه، وكان عسكره ليس بأقلّ العسكرين، ثم تخلّف عنه عبد الله ابن أبىّ فيمن تخلّف من المنافقين.

ص: 257

وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب كرّم الله وجهه على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فقال المنافقون: ما خلّفه إلاّ استثقالا له، وفى هذه الغزاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألا ترضى يا علىّ أن تكون منّى بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبىّ بعدى» ، وذلك أنّ عليّا عليه السلام لمّا بلغه أنّ المنافقين قالوا فى شأنه أنّ ما خلّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة إلاّ استثقالا له، أخذ سلاحه ثم خرج إليه وهو نازل بالجرف (1)، فقال: يا نبىّ الله، زعم المنافقون أنّك إنّما خلّفتنى استثقالا لى، فقال:«كذبوا، ولكنّى خلفتك لما تركت ورائى، فاخلفنى فى أهلى وأهلك» ، ثم قال له ما قال.

وتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس، فيقول أصحابه: يا رسول الله تخلّف فلان، فيقول عليه السلام: «دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه.

وتأخّر أبو ذرّ على بعير له، فلمّا أبطأ به أخذ متاعه فحعله على ظهره، ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا، فنظر رجل من المسلمين فقال: يا رسول الله، هذا رجل يمشى على الطريق، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:«كن أبا ذرّ» ، فلمّا تأمله القوم قالوا:

هو والله أبو ذرّ، فقال عليه السلام:«رحم الله أبا ذرّ، يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده» .

وفى هذه الغزاة تخلّف ثلاثة من المسلمين، ولم يكونوا أهل نفاق، وهم:

كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال ابن أميّة، قال كعب بن مالك:

ص: 258

لما تجهّز المسلمون جعلت أغدو وأروح ولا أتجهّز معهم وأقول: أنا قادر على الجهاد أىّ وقت شئت، ولمّا سار المسلمون غدوت لأتجهّز، وألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: فلم يزل ذلك دأبى حتى فرط الغزو، وكنت إذا مشيت فى النّاس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أرى إلاّ رجلا مغموصا عليه فى النّفاق، أو معذورا بضعف أو زمانة، قال كعب: فلمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك قال: «ما فعل كعب؟» فقال رجل: حبسه برداه، والنظر فى عطفيه، فقال معاذ بن جبل:

بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلاّ خيرا، فسكت النبى صلى الله عليه وسلم قال: فلمّا قفل عليه السلام حضرنى شئ، فبقيت أتذكّر الكذب، وأقول ماذا يخرجنى من سخط رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم، فلمّا أطلّ قادما راح عنّى الباطل، وعرفت أنّه لا ينجينى إلاّ الصدق، فلمّا دخل المسجد، وصلّى ركعتين جلس للناس، وجاء المخلّفون يعتذرون إليه، فقبل عذرهم وعلانيتهم وأيمانهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، واستغفر لهم.

قال كعب: فجئت فسلّمت عليه، فتبسّم تبسّم المغضب، ثم قال:

«ما خلّفك؟ ألم تكن ابتعت ظهرك؟» فقلت: يا رسول الله، لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أنّى سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكنّى إن حدّثتك كذبا لترضينّ عنّى، وليوشكنّ الله أن يسخطك علىّ، ولئن حدّثتك الصدق لتجدنّ (1) علىّ، وإنّى [لأرجونّ [(2) الله وعقباى منه

ص: 259

(203)

رضاك علىّ، لا والله، ما لى من عذر، وما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّى حين تخلّفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أمّا هذا فقد صدقت فيه، فقم حتى يحكم الله فيك» ، فقمت، وسار معى رجال من قومى، فقالوا لى: لقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إليه بما اعتذر المخلّفون، قال: فأردت أن أرجع فأكذّب نفسى، ثم قيل لى: إنّه قد قال رجلان من خيار المسلمين مثل مقالتك، وهما مرارة بن الربيع، وهلال بن أميّة، فتأسّيت بهما لصلاحهما، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيّها الثلاثة دون غيرنا، فاجتنبنا الناس وتغيّروا لنا، فأقمنا خمسين ليلة.

قال كعب: فكنت أصلّى الصلوات مع المسلمين، وأطوف الأسواق، ولا يكلّمنى أحد، وأسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقول فى نفسى: هل حرّك شفتيه بردّ السلام أم لا؟ وأسارقه النظر، فينظر إلىّ إذا صلّيت، وإذا نظرت إليه أعرض عنّى، قال: فلمّا طال ذلك علىّ من جفوة المسلمين، كنت أغدو إلى السوق، فبينا أنا أمشى بالسوق إذا نبطىّ يسأل عنّى من نبط الشام، ممّن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلّ على كعب، فأشاروا إلىّ، فأتانى، فأعطانى كتابا من ملك غسّان، وكتبه فى سرقة حرير، يقول فيه: إنّ صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، فقلت:

هذا والله أشدّ طمع فىّ رجل مشرك، فعمدت إلى تنّور فسجرته.

فلمّا مضت علىّ أربعون ليلة، أتانى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعتزل امرأتى، قال: فقلت: أطلّقها، قال: لا، بل لا يقربها، وأرسل إلى صاحبىّ بمثل ذلك، فقلت لا مرأتى: الحقى بأهلك، واستأذنت امرأة (204) هلال رسول الله صلّى الله عليه وسلم

ص: 260

فى هلال، وقالت: إنّه شيخ كبير ضائع، لا خادم له، أفأخدمه؟ فأذن لها، قال:

فقيل لى: لو استأذنت أيضا فى امرأتك، فقلت: إنّ هلالا شيخ كبير، وأنا شابّ، فلمّا مضت خمسون ليلة صلّيت الصبح على ظهر بيت من بيوتنا، على الحال التى ذكر الله منّا، وهو قوله تعالى:{ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ»} (1) إذ سمعت صوتا يقول: يا كعب، أبشر! قال: فخررت ساجدا، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم النّاس بتوبة الله عز وجل علينا حين صلّى الفجر، فذهب النّاس يبشروننا، وركض رجل إلى فرسه، وسعى آخر حتى أوفى على الخيل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فنزعت ثوبىّ، وكسوتهما لمن بشّرنى، وو الله لا أملك غيرهما، واستعرت غيرهما، فأتيت رسول الله، وتلقّانى الناس يبشّروننى بالتوبة، قال: فدخلت المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، وحوله النّاس، فقام لى طلحة بن عبيد الله، فهنّأنى، فو الله ما قام إلىّ من المهاجرين رجل غيره.

قال كعب: فقال لى رسول الله ووجهه يبرق من السرور: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» ، قال، فقلت: يا رسول الله، أمن عندك، أم من عند الله؟ فقال:«بل من عند الله» ! قال كعب: فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إنّ من توبتى أن أنخلع من مالى صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال:«أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك» ، قلت: إنّى ممسك سهمى

ص: 261