الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضى الله عنه فمات أيضا، فاستخلف مكانه عمرو بن العاص رضى الله عنه.
وفيها مات الفضل بن العبّاس، ويزيد بن أبى سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وسهيل بن عمر رحمة الله عليهم أجمعين.
وفيها قدم عمر رضى الله عنه الشام، وكتب إلى سعد بن أبى وقّاص: إنّ الله عز وجل فتح الشام والعراق على المسلمين، فابعث جندا إلى الجزيرة وأمّر عليهم أحد الثلاثة: خالد بن عرفطة، أو هشام بن عتبة، أو عيّاض بن غنم! فقال سعد: ما أخّر أمير المؤمنين عيّاض بن غنم آخر القوم إلاّ أنّ له فيه هوى أن أولّيه، فولاّه، وبعث به مع جيش، وأصحبه بأبى موسى الأشعرى، وعمرو ابن سعد بن أبى وقّاص، وهو إذ ذاك غلام، فنزل عيّاض الرها، وصالح أهلها على الجزية، وكذلك حرّان.
وفيها فتحت جرجان وأذربيجان. وفيها استقضى عمر رضى الله عنه شريحا، وفيها حوّل المقام إلى موضعه الآن، وكان ملتصقا بالبيت، والله أعلم.
ذكر سنة تسع عشرة للهجرة النبويّة
النيل المبارك فى هذه السّنة:
(157)
الماء القديم ستّة أذرع واثنا عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ستّة عشر ذراعا وخمسة عشر إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
الإمام عمر بن الخطّاب رضى الله عنه أمير المؤمنين، والحجاز واليمن والشام والعراق إلى حدود بلاد فارس دور إسلام، ببركات النبى عليه السلام، وجيوش
المسلمين تفتح بلاد المشركين مؤيّدين من الله تعالى بالنصر المبين، ومصر دار حرب فى يد المقوقس عظيم القبط، وقسمين البطرخ بها، إلى حين ما يأتى ذكر فتحها فى سنة عشرين إن شاء الله تعالى.
وفى هذه السنة بعث سعد أبا موسى الأشعرى إلى نصيبين، وبعث عثمان ابن أبى العاص الثقفى إلى أرمينية، ثم صالح أهلها، ثم كان فتح قيساريّة الروم وقنّسرين، وهرب هرقل ملك الروم إلى روميّة
ثم فتحت الرىّ وإصبهان، ثم كانت وقعة أبى موسى بتستر، ثم وقعته بدست بيسان، فأرسل أبو موسى الأحنف بن قيس إلى عمر رضى الله عنه مع جماعة فأعرض عنهم عمر، وحجبهم ثلاثة أيّام، فمرّ عمر بعد ذلك بالأحنف وهو بالسوق فضربه بالدرة، ثم قال: ما عليك لو جعلت بعض ثمن ثوبيك فى المساكين، فرجع الأحنف إلى أصحابه وقال: إنّما أتينا من قبل ثيابنا، فلبسوا الأردية والأرز، ثم دخلوا عليه، فقال: كنتم أتيتمونى فى ثياب لا أعرفها.
فقدّم إليه الأحنف هديّة من أبى موسى، وهى: برذون وقارورة دهن وخمس نمرات (1) وعشرون سلة من خبيص وسوارى ابن كسرى، وقيمتها مائة ألف دينار، فدعا سراقة فألبسهما إيّاه، وحمد الله تعالى، ثم قال: ألقهما، فإنّهما ممّا أفاء الله على المسلمين، ثم قرّب الأحنف إليه الأسير وهو صاحب مقدّمة (158) كسرى، فقال عمر رضى الله عنه: الحمد لله الذى أظفرنا الله بك، فقال الأسير: بكلام الأحياء أكلّمك أم بكلام الأموات؟ قال: أو لست حيّا؟
بل بكلام الأحياء، ثم أمر بضرب عنقه، فقال: أكان فيما جاءكم به نبيّكم أن تجعلوا عهدا ثم تحقروه؟ فقال عمر: وأى عهد لك؟ فقال: ألم تقل: تكلّم بكلام الأحياء؟ فقال عمر: قاتلك الله، أخذت هذا عهدا؟ ما أعلمك! خلّوا سبيله.
ثم فتح السلال فمسّ الخبيص، ثم قال: أرى طعاما ليّنا، ثم ذاقه، وقال:
رحم الله أبا موسى، لئن كان طعاما أوسع جميع الناس من هذا القرى لقد أحسن، فقيل له: لو أنفق خراج فارس على أن يوسع على المسلمين من هذا ما بلغه، فقال عمر: فما تجعلنى أحقّ به من المسلمين؟ والله لئن أكلت قريش هذا الطعام لتنحرنّ بعضها بعضا، ثم بعث بسلاسل منها إلى أزواج النبى صلى الله عليه وسلم ودعا لبقيّته أبناء الشهداء وليس فيهم إلاّ يتيم، فأجلسهم سماطين، وقربت السلاسل فأكلوا، ولم يأكل معهم غيرهم.
ثم جاء الأحنف فى رجال إلى حفصة فاستأذن عليها فأذنت، فلمّا قرب من الستر قال: يا أمّ المؤمنين، أما يجب أن تكون ثياب أمير المؤمنين ألين ممّا يلبسه، وطعامه ألين ممّا يأكل، فيكون ذلك معينا له على ما يتعاهد من أمر المسلمين؟ وليس فيما أحلّ الله بأس، وقد وسّع الله عز وجل على المسلمين فى ولايته، فقالت: مكانكم، ثم أرسلت إليه، وكان يعظّمها لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا جاء أخبرته بما قالوا، فقال: أى بنيّة، ما فى الأرض حاجة أحبّ إلىّ من حاجتك، ولا نفس أعزّ علىّ من نفسك، يا بنيّة، أتعلمين أنّه ليس أحد أعلم بداخلة الرجل من أهله، يشهدون منه ما غاب عن غيرهم؟ (159) قالت: نعم، فقال: نشدتك الله هل أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتغدّ يوما إلاّ أضرّ بعشائه، ولم يتعشّ إلا أضرّ بغدائه؟ قالت: الّلهمّ نعم! ثم قال: فهل تعلمين أنّه صلى الله عليه وسلم أتى
بطعام على خوان فاجترّه (1) فوضعه على الأرض واستوفز على عقبه، وقال: إنّما أنا عبد آكل كما تأكل العبيد، وأجلس جلسة عبد؟ ثم بكى فقالت: حسبك يا أبتاه!
فقال: أى بنيّة: نشدتك الله هل تعلمين أنّه صلى الله عليه وسلم يرفع ثوبه ليغسله فيأتيه بلال فيدعوه إلى الصلاة الغداة فينظر فى نواحى البيت فما يجد ما يخرج فيه إلى الصلاة؟ فبكت حفصة حتى كادت نفسها تخرج، ثم قال: أى بنيّة، نشدتك الله هل تعلمين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بثوبين يتّخذان له من الحسنة، ففرغ من أحدهما، فدعاه بلال، فلبسه، وقد عقد أحد طرفيه بين كتفيه ليس عليه غيره؟
فبكت حفصة ثم قالت: نشدتك الله يا أبت ألاّ تذكر سوى ما ذكرت، فقال: أى بنيّة، أرأيت لو أنّ ثلاثة سلكوا طريقا، فسلك أوّلهم وهو سيّدهم ثم تبعه الآخر، فسلك طريقه واقتصّ أثره، ثم جاء الآخر فسلك غير طريقهما متى تظنّينه يدركهما؟ قالت: لا يدركهما أبدا، قال: فو الله لئن تبعت غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر لا أدركهما أبدا، فبكى الأحنف وأصحابه وخرجوا.
ثم سأل أهل المدينة الأحنف وأصحابه عن إخوانهم من المسلمين، فقالوا:
إنّهم يهيلون الذهب والفضّة هيلا، فنشط المسلمون إلى الجهاد.
وكان عمر، رضى الله عنه، قد جعل لجرير بن عبد الله ولقومه ربع الغنائم، يضرّيه به على الجهاد، فلما اجتمعت الغنائم أمثال الآطام (2)(160) طلب جرير