المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر وقعة جلولا بين الفرس والمسلمين - كنز الدرر وجامع الغرر - جـ ٣

[ابن الدواداري]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌ذكر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلمونسبه ومولده ومبعثه وما لخّص من معجزاته وآياته وسيرته

- ‌ذكر ما لخّص من ذكره صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر المؤذين له صلى الله عليه وسلممن قريش

- ‌ذكر المستهزئين به صلى الله عليه وسلممن قريش

- ‌ذكر المؤلّفة قلوبهممن قريش وغيرها

- ‌ذكر أصول قريش وفروعهاوشعوبها وقبائلها

- ‌ذكر الأعياص من بنى أميّةابن عبد شمس

- ‌ذكر شئ من بعض كلامه صلى الله عليه وسلمممّا لم يسبق إليه

- ‌ذكر للشبّهين به صلى الله عليه وسلممن قريش وغيرها

- ‌ذكر زوجاته أسماءمن غير نسبة

- ‌ذكر أولاده الذكور والإناثجملة من غير تفصيل لما يأتى بعد ذلك

- ‌ذكر ابتداء سياقة ذكر النيل المباركفى أوّل كلّ عام من أوّل الهجرة

- ‌ذكر فصل لطيف فى نيل مصريليق بهذا المكان ذكره

- ‌ذكرالسنة الأولى من الهجرة النبويّة

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة اثنتين للهجرة النبويّةالنّيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاث للهجرة النّبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌[ما لخّص من الحوادث]

- ‌ذكر سنة أربع للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة خمس للهجرة النبويّةالنيّل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌[ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ستّ للهجرة النبويّةالنيّل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة سبع للهجرة النّبويّةالنّيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثمان للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر فتح مكّة-شرّفها الله تعالى-فى هذه السّنة

- ‌المعجزة فى سقوط الأصنام

- ‌ذكر سنة تسع للهجرة النّبويّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة عشر للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر حجّة رسول الله صلى الله عليه وسلموهى حجّة الوداع

- ‌ذكر سنة إحدى عشرةللهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر صفته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر صفاته المعنويّة صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر ما لخّص من كتاب الشفاءمن معجزاته صلى الله عليه وسلموعظّم وكرّم

- ‌ذكر أزواجه وأنسابهنّ وعدّتهنّرضوان الله عليهنّ أجمعين

- ‌(94) ذكر أولاده الذكور والإناث ومن تزوّج بهن

- ‌ذكر من تزوّج ببناته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أعمامه وعمّاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شئ من ابتداء أمرهولمع من خبره

- ‌تفسير كلمات من هذا الرجز

- ‌مخيلة ما ليس فيها لىتفسير ذلك

- ‌ذكر عمّاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر مواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر الإناث من مواليه ومن اصطفى منهنّ لنفسه

- ‌ذكر من خدمه من الأحرار صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر من كان يحرسه فى غزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رسله إلى الملوك والقبائل

- ‌ذكر كتّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رفقائه النجباء رضوان الله عليهم أجمعين

- ‌ذكر دوابّه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر نعمه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر سلاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أثوابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خلافةالإمام أبى بكر الصدّيق رضى الله عنهونسبه وبعض سيرته

- ‌تفسير كلمات من هذا الخبر

- ‌ذكر شئ من أمر الرّدّة ومنع الزّكاة

- ‌ذكر سنة اثنتى عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر لمع من خبر مسيلمة وسجاح

- ‌ذكر ابتداء فتح الشام وما لخّص عنه

- ‌ذكر سنة ثلاث عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ومن كلام عائشة رضى الله عنها فى أبيها بعد وفاته

- ‌صفة الإمام أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه

- ‌(126) ومن كلامه رضى الله عنه

- ‌أسماء كتّابه رضى الله عنه

- ‌أسماء حجابه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه رضى الله عنه

- ‌ذكر خلافةالإمام الفاروق عمر بن الخطّابونسبه وبعض سيرته رضى الله عنه

- ‌ذكر إسلام عمر بن الخطّاب رضى الله عنه

- ‌ومما يستحسن من عدله وإنصافه

- ‌ذكر سنة أربع عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر فتح دمشق وحمص وما معهما ملخّصا

- ‌ذكر وقعة اليرموك

- ‌ذكر سنة خمس عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ستّ عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر فتح إيلياء

- ‌ذكر ابتداء دخول المسلمين العراق

- ‌ذكر وقعة القادسيّة مع رستم

- ‌ذكر سنة سبع عشرةللهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر وقعة جلولا بين الفرس والمسلمين

- ‌(156) ذكر سنة ثمانى عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة تسع عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة عشرين للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر عمر بن العاصولمعا من خبره رضى الله عنه

- ‌تفسير كلم من هذا الحديث

- ‌ذكر مصر ومبتدئهاملخّصا من وجه

- ‌ذكر سبب دخول عمرو بن العاص مصرفى الجاهليّة

- ‌ذكر فتح مصر على يد عمرو بن العاصرضى الله عنه

- ‌ذكر بعض شئ ممّا وردفى صفة مصر

- ‌ذكر شئ مما ورد من الحديثفى الوصيّة بقبط مصر

- ‌ولنعد إلى سياقة التّاريخ

- ‌ذكر سنة إحدى وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة اثنتين وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاث وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر وفاة الإمام عمر رضى الله عنه

- ‌ذكر أولاد عمر بن الخطابرضى الله عنه

- ‌ومن كلامه رضى الله عنه

- ‌ومن أولاد عمر رضى الله عنه

- ‌صفته رضى الله عنه

- ‌كتّابه رضى الله عنه

- ‌حاجبه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه رضى الله عنه

- ‌(198) ذكر سنة أربع وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ذكر خلافة الإمام ذى النورينعثمان رضى الله عنه ونسبه وبعض سيرته

- ‌ذكر نبذ مما جرى فى هذه الغزاة

- ‌ومن مناقب عثمان رضى الله عنه

- ‌ذكر أمر الشورىوبيعة عثمان رضى الله عنه

- ‌أوّل خطبة خطبها عثمانرضى الله عنه

- ‌ذكر خطبة عثمانبعد تلك الأولى

- ‌ذكر سنة خمس وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ستّ وعشرينالنّيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة سبع وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثمان وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة تسع وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاثينللهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة إحدى وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة اثنتين وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاث وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر سنة أربع وثلاثونالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ذكر سنة خمس وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ذكر مقتل عثمان بن عفّان رضى الله عنه

- ‌نبذ من أخبار بنى عثمانرضى الله عنه

- ‌صفة الإمام عثمان رضى الله عنه

- ‌كاتبه رضى الله عنه

- ‌حاجبه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه رضى الله عنه

- ‌ذكر خلافة الإمام الأنزع والبطل السميدععلىّ بن أبى طالبكرّم الله وجهه ونسبه وما لخّص من أخباره

- ‌تفسير كلمات من هذا الخبر

- ‌تفسير ألفاظ من هذا الخبر

- ‌ذكر أول خطبة خطبها كرّم الله وجهه

- ‌ومن خطبه عليه السلام

- ‌ذكر سنة ست وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر نبذ ممّا جرى فى وقعة الجمل

- ‌ذكر طلحة بن عبيد الله وأخباره ومقتله

- ‌ذكر الزّبير وأخباره ومقتله

- ‌وكتب جوابه:

- ‌ذكر حرب صفّين بين علىّ ومعاوية رضى الله عنهما

- ‌ذكر سبب قدوم عمرو بن العاص على معاوية

- ‌ذكر سنة سبع وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثمان وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر الحكمين وأمر التّحكيم

- ‌ذكر وقعة الخوارج بالنّهروان

- ‌ذكر قتلة محمّد بن أبى بكر الصّدّيقرضى الله عنه

- ‌ذكر سنة تسع وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة أربعين هجريّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌(313) ذكر مقتل الإمام علىّ كرّم الله وجهه

- ‌ذكر شئ من أحكام علىّ رضى الله عنه وقضاياهوبعض سيرته

- ‌ذكر أزواجه وأولاده رضوان الله عليهم

- ‌ذكر صفته كرّم الله وجهه

- ‌ذكر كتّابه عليه السلام

- ‌ذكر حاجبه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه عليه السلام

- ‌ذكر خلافة أحد شباب أهل الجنّةالحسن بن علىّ صلوات الله عليه

- ‌ذكر سنة إحدى وأربعينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر صفته عليه السلام

- ‌نقش خاتمه عليه السلام

- ‌فصل يتضمّن ذكر بقيّة الشعراءالمخضرمين

- ‌(329) حسّان بن ثابت الأنصارىرضى الله عنه

- ‌لبيد بن ربيعةوقد تقدم ذكره فى الجاهليّة

- ‌(330) النّابغة الجعدىّ

- ‌الحطيئة فى المشبّهات من العقم

- ‌عمرو بن شأس

- ‌الشمّاخ

- ‌عبدة بن الطبيب

- ‌(331) متمّم بن نويرة

- ‌كعب بن زهير

- ‌عمرو بن معد كرب

- ‌العبّاس بن مرداس

- ‌الخنساءوقد تقدّمت

- ‌(332) الزّبربان

- ‌عمرو بن الأهتم

- ‌أوس بن [مغراء]

- ‌أبو ذؤيب الهذلى

- ‌الوليد بن عقبة

- ‌وبتمام ذكر هذه الطبقة من الشعراء، وهو الجزء الثالثتمّ الجزء ولله الحمد والمنّة

- ‌الختام

- ‌استدراكات

- ‌تصويبات

الفصل: ‌ذكر وقعة جلولا بين الفرس والمسلمين

وفى هذه السّنة قام بأمر ملك فارس يزدجرد بن كسرى أبرويز، فأمرهم بالتّحمّل من المدائن، ثم شخص بالجنود حتى نزل حلوان، واستعمل عليهم أخا رستم صاحب القادسيّة.

‌ذكر وقعة جلولا بين الفرس والمسلمين

ولمّا ظهر المسلمون على الأعاجم، وقام فيهم يزدجرد كاتب أهل الرىّ وهمدان وقومس وإصبهان ونهاوند، وتراسلوا وتعاقدوا على أن يغزوا عمر ابن الخطّاب فى بلاده، وأن يسيروا مع ملكهم يزدجرد إلى سائر أرض المسلمين، وكتب سعد بن أبى وقّاص بذلك إلى عمر رضى الله عنه، فاشتدّ ذلك على عمر، فصعد المنبر وصرخ: يا أهل الإسلام، يا أبناء المسلمين، أين المهاجرون؟ أين الأنصار؟ فاجتمع الناس إليه يهرعون، فقال: إنّ سعدا كتب إلىّ أن الشّيطان قد جمع جموعا ليطفئ نور الله، وهم أهل همدان والرّى وقومس وإصبهان ونهاوند وغيرهم أمم مختلفة ألسنتها وأهوائها وأديانها وممالكها، وإنّهم تعاقدوا أن يخرجوكم من بلادكم، ويخرجوا إخوانكم من بلادهم، فأشيروا علىّ وأوجزوا ولا تطنبوا، فإنّ هذا يوم له ما بعده من الأيّام!

فقام طلحة رضى الله عنه فقال، بعد حمد الله تعالى والصلاة على نبيّه صلى الله عليه وسلم:

أمّا بعد، فقد حنّكتك الأمور، وجرّبتك الدّهور، وعجنتك البلايا، وأحكمتك (1) التّجارب، فأنت ولىّ ما وليت، لا ننبو فى يديك، ولا نكلّ (2) عليك، بل نقبلها منك، ونأخذها عنك، فادعنا نجبك، وقدنا نتبعك، واحملنا نركب،

ص: 199

فإنّك مبارك الأمر، لم ينكشف عن شئ من عواقب قضاء الله (153) لك إلاّ عن توفيق.

فقال عمر رضى الله عنه: تكلّموا أيّها الناس، فقام عثمان رضى الله عنه فقال بعد حمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم: أما بعد يا أمير المؤمنين، فإنّى أرى [أن] تكتب لأهل الشام فيسيروا من شامهم، وإلى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم، وتسير أنت بجيش من أهل الحرمين إلى أهل الكوفة، فيلتقى جموع المسلمين بجموع المشركين، فإنّك إن فعلت ذلك لم يبق أحد من العرب يتخلّف عنك، ثم جلس.

فقال عمر رضى الله عنه: تكلّموا أيّها النّاس! فقال علىّ كرّم الله وجهه:

أما بعد يا أمير المؤمنين، فإنّ الله لم يزل يعرفك ويعرف المسلمين، البركة فى رأيك واليمن، وإنّك إن شخصت بأهل الشام من شامهم لم تأمن مسير الروم إلى ذراريهم برّا وبحرا، وإن شخصت بأهل اليمن من يمنهم لا تأمن مسير الحبشة، وإن شخصت بأهل الحجاز لم تأمن من انتقاض سفهاء العرب وجهّالهم، حتّى تكون ما تدع من العورة خلفك أهمّ إليك ممّا بين يديك، أمّا كثرة العدوّ فإنّا لم نكن نقاتلهم بالكثرة، ولكن بحول الله وقوّته، وإن أنت سرت ونظرت إليك الأعاجم قالوا: هذا ملك العرب لم يبق خلفه أحد، فكان ذلك أشدّ لطلبهم وحربهم، ولكن اكتب إلى أهل البصرة، فليتفرّقوا ثلاث فرق: فرقة تقيم فى ذراريهم حرسا لهم، وفرقة تقيم على أهل عهدهم، وفرقة تسير إلى إخوانهم من المسلمين مددا لهم، واكتب إلى أهل الكوفة بمثل ذلك.

فاستصوب عمر ذلك، ثم كتب إلى المسلمين: إنّى استعملت عليكم النعمان

ص: 200

ابن مقرن، فإن قتل فحذيفة، فإن قتل فجرير بن عبد الله، فإن قتل فالمغيرة ابن شعبة، فإن قتل فالضحاك بن قيس الكندى، وأنفذ (1) الكتاب مع السائب ابن الأقرع (154) الثقفى، وولاّه قسمة الغنائم، وقال: يا سائب، إن هلك الجيش فاذهب فى بسيط الأرض ولا أنظرنّ إليك بواحدة من عينىّ أبدا، فإنّى متى رأيتك جدّدت لى حزنا.

وسار المسلمون حتى نزلوا بعقر نهاوند وكانوا سبعة آلاف، وتزاحف الفريقان، واقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، وبات المسلمون يعصبون جراحاتهم، وبات المشركون فى خمورهم ولذّتهم ومزاميرهم، فلمّا أصبح النعمان عبّى كتائبه، وسار يقف على كلّ راية يحضّها على القتال، فبكى المسلمون وقالوا: أيّها الأمير مرنا بأمرك، فقال: انتظر بهم زوال الشمس ومهبّ الرياح، وأن تفتح السماء لمواقيت الصلاة وينزل النصر، فإنّى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.

ثم إنّ الله تعالى أيّد المسلمين بنصره، وانهزم جيش الفرس وكفره، واستشهد النعمان رحمة الله عليه، وجمعت الغنائم إلى السائب بن الأقرع، فأتى رجل فقال:

أتؤمّننّى على أهلى ودمى ومالى وأدلّك على كنز فى غيبة، فيكون لأمير المؤمنين خاصّة، فأمّنه فأتى بهم إلى صخرة فاقتلعوها، فاستخرجوا سفطين فيهما تيجان مكلّلة بالياقوت الأحمر، قد نسج بعضها إلى بعض، فرأى السائب ما لم يره قطّ.

وقسمت الغنائم سهمين سوى السفطين، فأصاب سهم كل واحد ثلاثين ألفا، وقدم السائب بالسفطين على عمر، وبشّره بالفتح، فقال عمر: ما فعل النعمان؟

ص: 201

قال: أكرمه الله بالشهادة، فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ويحك أبدار مضيعة أصيب؟ قال: لا، وأقبل السائب يحدثه بالفتح، وعمر إنّما يسأله عن الناس، فقال: هل أصيب من المسلمين غيره، فقال: أمّا من نعرف فلا، فانتحب عمر وقال: الضعفاء الضعفاء، فترحّم عليهم، ودعا لهم ثم قال: وما عليهم ألاّ يعرفهم عمر، قد عرفهم الله الذى (155) أكرمهم بالشهادة، ثم قال عمر: هل أعطيت كل ذى حقّ حقّه؟ قال: نعم.

ثم أخرج السفطين فأخبره خبرهما، قال: من جعلنى أحقّ بهما؟ فأرسل إلى علىّ وعبد الله بن أرقم وابن مسعود، فأمرهم أن يختموا عليهما، فلمّا أصبح أرسل إلى السائب فأتاه فقال: ويلك تنازعنى دينى؟ إنّما دعوتنى إلى النار، فقال السائب: مالى ولك يا أمير المؤمنين، أقلقت فؤادى، قال: أخبرنى عن السفطين، فقال: والله لا كتمتك حرفا، فأخبره. فقال: يا سائب، لمّا أخذت مضجعى جاءتنى ملائكة من ربّى، فملأوا سفطيك نارا، وجعلوا يدفعونهما فى مجرى، وأنا أعاهد الله لأردنّهما على من أفاءهما الله سبحانه عليه، فقدم بهما العراق، فاشتراهما عمرو بن حريث بعطاء المقاتلة والذرية، فباع أحدهما بذلك وربح الثانى (1) وكان أوّل قرشى اعتقر بالكوفة دارا، فتفرّق العجم بعد ذلك فما اجتمعوا.

وفيها أصاب الناس القحط والمجاعة، حتى استسقى عمر بالعبّاس رضى الله عنه، فسقوا، وقيل بل كان ذلك فى سنة ثمانى عشرة، والله أعلم.

ص: 202