الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أملس منها، أى ذهب ولم تشعر به، وقوله: النقبة: هو مئزر يخاط طرفاه فيؤتزر به، فهو كالسراويل بغير نيفق ولا ساقين محجوزين، وقوله: وضرة، أى ذات وضر، والوضر: وسخ الدهن وما ضاهاه، وقوله: تمتهن أى تخدم، والمهنة الخدمة، والله أعلم.
ذكر مصر ومبتدئها
ملخّصا من وجه
قلت: قد تقدّم القول من العبد فى ذكر مصر ومبتدئها منذ أوّل زمان وإلى آخر وقت، فى الجزء الأوّل (1) من هذا التّاريخ. وذكرنا عجائبها وغرائبها وملوكها وكهنتها وسحرتها وكنوزها ورموزها وأعلامها وأهرامها، ولم نبخل بحمد الله وحسن إلهامه وتوفيقه بشئ من أحوالها، جهد الطاقة، وحدّ الاستطاعة، وأخّرنا هذا الفصل اللطيف ها هنا، كونه لائقا بهذا المكان مستحليا به، لئلاّ يخلو جزء من أجزاء هذا التّاريخ من نبذة (164) خفيفة وزبدة لطيفة، والله المستعان إلى هذه المعان.
ذكر القاضى ابن لهيعة، والقضاعى، وجماعة من المشائخ المصريّين؛ منهم عبد الله بن خالد، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ورشد بن سعد، كلّهم يذكر عن التابعين، رضوان الله عليهم أجمعين، فى حديث مصر أن بيصر بن حام ابن نوح عليه السلام لمّا نزل إلى الأرض التى أمّها عند خروجه من بابل سكن منف بولده وأهل بيته، وهم ثلاثون إنسانا، منهم أربعة أولاد لبيصر من صلبه
وهم: مصر، وفارق، ومناح، وباح (1)، وإنّما اسم منف مافه، ومافه لفظة قبطيّة، تفسيرها: ثلاثون، وكان مصر أكبر أولاده، وأحبّهم إليه، فاستخلفه بيصر أبوه على إخوته، فاقتطع أرض مصر لنفسه، مسيرة شهر عرضا فى شهر طولا، وهى من الشجرتين (2) إلى أسوان، ومن أيلة إلى برقة.
وكان لمصر أربعة أولاد وهم قفط (3)، وأشمن، وأترب، وصا، فقسم لهم شطّ النيل بأربعة أقسام، وجعل لكلّ واحد وولده قطعة، ولمّا هلك مصر خلفه ابنه قفط، وخلف قفط أشمن، وخلف أشمن أترب، وخلف أترب صا.
ثم صار الملك فى ولد صا، ملك منهم خمس، أوّلهم: رادس (4) بن صا، ثم ماليون بن رادس (5)، ثم أخوه ماليا، ثم لوطس بن ماليا، فلمّا حضرت لوطس الوفاة ملّك ابنته حوريا، فإنّه لم يكن له ذكر من ولده، ثم ملكت ابنة عمّها دلوكة بنت [زباء](6)، ثم ابنة عمّ لها يقال لها مانوفن، فلمّا تداولتهم النساء غزتهم العماليق، فقاتلهم الوليد بن دومغ، فصالحوه على أن يملكهم من العمالقة سبع، أوّلهم الوليد بن دومغ.
(165)
وقد ذكرت جميع هؤلاء العمالقة وسيرهم ومددهم وسبب تمليكهم مصر فى الجزء الأول (1) من هذا التّاريخ مفصّلا، مبرهنا، ما لعلّه لم يوجد فى تاريخ غيره، وإنّما استمددت ذلك من كتاب قبطى عتيق، كان قد وجدته فى الدير الأبيض الذى قبالة سوهاج من صعيد مصر، وقد ذكرت أيضا فى ذلك الجزء هذا الكتاب القبطىّ وسبب تحصيله ممّا يغنى عن إعادته هاهنا.
ولم تزل العماليق ملوك مصر من حين تغلّبوا على قبطها حسبما تقدّم من الكلام، وكان الكاهن أشمويل أوّل من بنى مقياسا الماء بمدينته المعروفة به وهى الأشمونين، فلمّا استخلف يوسف عليه السلام بنى مقياسا للماء بمنف، وكانت دلوكة بنت زباء قبل ذلك قد بنت مقياسا بأنصنا، وبنت آخر بأخميم، وقيل هى بانية البربا وحيط العجوز (2)، وكانت عالمة بأنواع السحر وبقيّة من علم الطلّسمات والعزائم، وطلبتها الأعداء فلم يقدروا عليها، وأهلكتهم فى مواطنهم حسبما تقدّم من الكلام فى ذلك الجزء عند ذكرها.
ولمّا فتحت مصر، وصارت فى أيدى المسلمين بمعونة الله تعالى وعنايته بدين الإسلام، بنى عمر بن عبد العزيز مقياسا بحلوان، وبنى أسامة بن زيد التنوخى مقياسا فى الجزيرة، وهو الذى هدمه الماء، وبنى المأمون مقياسا بالسرورات، وبنى المتوكّل هذا المقياس الذى تقاس فيه فى هذا الوقت عند وضعى لهذا التاريخ، وهو فى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، أحسن الله فيها العاقبة.
وحكت الجماعة المشائخ رضى الله عنهم أنّه وجد فى كتاب قبطىّ باللغة القبطية ما نقل إلى العربيّة أن الريّان بن الوليد كان يجبى خراج مصر أربعة وعشرين ألف ألف مرّتين، وأربع مائة ألف دينار، فكان يصرف منها فى عمارة (166) الضياع لحفر الخليج والترع وعمل الجسور، ونقوية من يحتاج إليه من التقوية من المزارعين، من غير رجوع عليه بشئ منها، لإقامة العوامل، وثمن الآلات، وأجرة من يستعان به لحمل البذار، وسائر هذه المنافع العائد مصلحتها لتحضير سائر أراضيهم، وتغليقها بالزراعة وتطبيقها بالبذار، فيصرف فى جميع ذلك من الجملة المذكورة ثمان مائة ألف دينار.
وما يصرف فى الأرزاق للأولياء ممّن يحمل السلاح من الجند المعدودين للحرب وللشاكرديّة وغيرهم من الغلمان ومن يجرى مجراهم، وعدة جميعهم مائة ألف رجل وأحد عشر ألفا مع ألف كاتب مسوّمين بالدواوين، سوى من تبعهم من الخزان ومن يجرى مجراهم ثمانية ألف ألف-مرّتين-دينار، وما يصرف للأرامل والأيتام من ذوى الحاجة فرضا لهم من بيت المال من غير حوالة أربع مائة ألف دينار.
وما يصرف فى أرزاق كهنة برابيهم، وأئمّتهم، وبيوت صلواتهم، على ما جرت به رسومهم من جملة ذلك مائتا ألف دينار، وما يصرف فى الصدقات ممّا يصبّ صبّا، وينادى مناد فى الناس: برئت الذمّة من أحد كشف وجهة لفاقة نزلت به، فليحضر فلا يردّ عنه أحد، والأمناء حضور.
فإذا رأوا رجلا لم تجر له عادة بالحضور أفرد بعد قبض ما يقبضه من صدقته.
حتى إذا فرغ وفرّق جميع ذلك المرصّد، واجتمع من هذه الطائفة من اجتمع، دخل أمناؤه إليه فهنّئوه بتفرقة المال، ودعوا له بالبقاء وداوم العزّ، وأنهوا إليه حال تلك الطائفة التى اجتمعت، فيأمر بتغيير لباسهم ولمّ شعثهم، ويأمر بالسماط (167) فتمدّ، ويحضر بنفسه الطعام، ويدعى بهم فيأكلون ويشربون بين يديه، ثم يستعلم منهم من كلّ واحد ما سبب فاقته، فإن كانت من آفات الزمان ردّ عليه مثل ما كان له، وإن كان عن سوء رأى وتدبير ضمّه إلى من يشرف عليه، بعد أن يقام له ما يصلحه، فالمرصد لذلك من الجملة مائة ألف دينار.
وما يصرف فى نفقات مطبخه وسائر رواتبه مائتا ألف دينار، ثم يحمل الباقى إلى بيت المال لنوائب الزمان ما جملته عشرة ألف ألف-مرّتين-وستمائة ألف دينار.
وذكرت الجماعة أنّ فرعون كان يجبى خراج مصر خمسين ألف ألف دينار، فيأخذ الربع من ذلك لنفسه وأهله، والربع الثانى لوزرائه وكتّابه وجنده، والربع الثالث مرصّد لحفر الخلج، وعمل الجسور والترع، وأعمال مصالح الأرض، والربع الرابع يردّه فى المدن والقرى، فإذا لحقهم فى بعض السنين ظمأ أو استبحار أو فساد فى الزرع أخرجه وردّه عليهم، وصرفه فى مصالحهم.
وتقبّلها المقوقس من [فوقاس](1) بن هروك، متملّك الروم، بتسمة عشر ألف ألف دينار، وكان يجبيها عشرين ألف ألف دينار.