الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودفعه إلى أبى مسلم الخولانى، فلمّا وصل إلى علىّ كرّم الله وجهه جمع الناس فى المسجد، وقرأه عليهم.
وكتب جوابه:
بسم الله الرّحمن الرّحيم، من أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب، إلى معاوية ابن أبى سفيان، أمّا بعد: فإنّ أخا خولان قدم بكتاب منك تذكر فيه محمّدا صلى الله عليه وسلم وما أكرمه الله عز وجل به من الهدى والوحى، فالحمد لله الّذى صدقه الوعد، ومكّن له فى البلاد، وأظهره على الدين كلّه، ولو كره المشركون، وقمع به أهل العداوة والشنآن من قومه، الذين شنفوا له، وكذّبوه، وظاهروا عليه، وعلى إخراج أصحابه، وقلبوا له الأمور، حتى ظهر أمر الله وهم كارهون، فكان أشدّ عليه الأدنى فالأدنى من قومه، إلاّ من عصمه الله تعالى.
وذكرت أنّ الله جلّ ثناؤه، وتباركت أسماؤه اختار له من المؤمنين أعوانا أيّده بهم، فكانوا فى منازلهم عنده على قدر فضائلهم فى الإسلام، فكان أفضلهم خليفته، ثم خليفته من بعده، ولعمرى إنّ مكانهما من الإسلام لعظيم، (281) وإنّ المصاب بهما لرزء جليل، وذكرت ابن عفّان كان فى الفضل ثالثا، فإن يكن عثمان محسنا، فسيلقى ربّا شكورا، يضاعف له الحسنات، ويجزى بها، وإن كان مسيئا فسيلقى ربّا غفورا، لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، وإنّى لأرجو، إذا أعطى الله المؤمنين على قدر أعمالهم أن يكون قسمنا أوفر قسم أهل بيت من المسلمين.
وإنّ الله سبحانه بعث محمّدا صلى الله عليه وسلم فدعا للإيمان بالله، والتوحيد له، فكنّا
أهل بيت أوّل من آمن وأناب، فبغى لنا قومنا الغوائل، وهمّوا بنا الهموم، وألحقوا بنا الوشائط، واضطرّونا إلى شعب ضيّق، وضعوا علينا فيه المراصد، ومنعونا من الطعام والشراب، وكتبوا بيننا وبينهم كتابا، ألاّ يؤاكلونا، ولا يشاربونا، ولا يناكحونا، ولا يكلّمونا، أو ندفع إليهم نبيّنا، فيقتلوه أو يمثّلوا به.
فعزم الله سبحانه لنا على منعه، والذبّ عنه، وسائر من أسلم من قريش، أخلياء ممّا نحن فيه، من هو من حليف ممنوع وذى عشيرة لا يبغى عليه كما بغى علينا فهم من التلف بمكان نجوة وأمن، فمكّننا بذلك ما شاء الله سبحانه.
ثم أذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم فى الهجرة، وأمره بقتال المشركين، فكان إذا حضرت الناس ودعيت نزال، قدم أهل بيته، فوقى بهم أصحابه، فقتل عبيدة وحمزة يوم أحد وجعفر يوم مؤتة، وتعرّض من لو شئت أن أسمّيه لمثل ما تعرّضوا له من الشهادة، ولكن آجالهم حضرت ومنيّتهم أخّرت.
وذكرت إبطائى عن الخلفاء، وحسدى لهم، فأمّا الحسد فمعاذ الله أن أكون أسررته أو أعلنته، وأما الإبطاء فما أعتذر فى الناس منه، ولقد أتانى أبوك وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم (282) وبايع الناس الصدّيق رضى الله عنه، فقال أبوك:
أنت أحقّ بهذا الأمر، ابسط يدك أبايعك، وعلمت ذلك من قول أبيك، فكنت الذى أبيت ذلك مخافة الفرقة، وقرب عهد الناس بالكفر والجاهليّة، فإن تعرف من حقّى ما كان أبوك يعرفه تصب رشدك، وإلاّ تفعل فسيغنينى الله عز وجل عنك.