الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدّم علينا، فقال المقوقس بعد كلام طويل: تقدّم وقل برفق، فإنّى أهابك، وإن اشتدّ كلامك كان أهيب، فقال عبادة: قد سمعت كلامك، وإنّ فيمن خلفت ورائى من أصحابى ألف رجل أسود، كلّهم أفظع منظرا منّى، فى كلام طويل هذا آخره.
ثمّ تناظروا مناظرات (175) كثيرة، آخرها أنّ عبادة قال: لا نرضى منكم بغير ثلاث خصال: إمّا أن تدخلوا فى ديننا، أو تؤدّوا الجزية، أو يحكم السّيف بيننا، فارتضوا بعد مشاجرات كثيرة بالجزية، والله أعلم.
ذكر بعض شئ ممّا ورد
فى صفة مصر
قال (1): حدّثنا علىّ، قال: حدّثنا عبد الرحمن، قال: حدّثنا عبد الله بن صالح، عن ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، وبكر بن عمرو الخولانى، يرفعان الحديث إلى عبد الله بن [عمرو](2) رضى الله عنه، قال: قبط مصر أكرم الأعاجم كلّها، وأسمحهم يدا، وأفضلهم عنصرا، وأقربهم رحما بالعرب عامة، وبقريش خاصة، ومن أراد أن يذكر الفردوس، أو ينظر إلى مثلها، فلينظر إلى مصر وأراضيها، حين يخضرّ زرعها وتنوّر ثمارها.
قال: حدّثنا علىّ، قال: حدّثنا عبد الرحمن، قال: حدّثنا أبو الأسود النضر بن عبد الله، أو ابن عبد الجبّار، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن يزيد
ابن عمرو المعافرى، عن كعب الأحبار، قال: من أراد أن ينظر إلى [شبه](1) الجنّة فلينظر إلى مصر إذا أزهرت.
وقال ابن لهيعة: كان منهم السحرة آمنوا كلّهم فى ساعة واحدة، ولا يعلم جماعة أسلمت فى ساعة واحدة أكثر من جماعة القبط.
وعن ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة السبئى (2)، وبكر بن عمرو الخولانى ويزيد بن أبى حبيب المالكى، يزيد بعضهم على بعض فى الحديث، أنّ سحرة مصر كانوا اثنى عشر ساحرا رؤساء، تحت يد كلّ ساحر منهم عشرون عرّيفا، تحت يد كلّ عرّيف منهم ألف من السحرة، فكان جميع السحرة مائتى ألف وأربعين ألفا ومائتين [واثنين](3) وخمسين إنسانا، بالرؤساء والعرفاء، فلمّا عاينوا ما عاينوا تحقّقوا أنّ ذلك من السماء، وأنّ السحر لا يقوم لأمر الله، فخرّ الرؤساء الاثنا عشر (176) عند ذلك سجّدا، فاتّبعهم العرفاء، واتبع العرفاء الباقون، وقالوا: آمنّا بربّ العالمين، ربّ موسى وهارون.
قال: حدّثنا علىّ، قال: حدّثنا عبد الرحمن، قال: وكانت مصر كما حدّثنا عبد الله بن صالح، وعثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن عبد الرحمن بن شماسة (4) المهرى، عن أبى رهم (5) السماعى، قال: كانت
مصر لها قناطرو جسور بتقدير وتدبير، حتى إنّ الماء ليجرى تحت منازلها وأفنيتها، فيحبسونه كيف شاءوا، ويرسلونه كيف شاءوا، فذلك قوله تعالى فيما حكاه من قول فرعون:{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ»} (1). ولم يكن فى الأرض يومئذ ملك أعظم من ملك مصر، وكانت الجنّات [بحافتى (2)] النيل، من أولّه إلى آخره، فى الجانبين جميعا، من أسوان إلى رشيد، وبها سبع خلج؛ وهم: خليج الإسكندريّة، وخليج سخا، وخليج دمياط، وخليج منف، وخليج الفيّوم وخليج [المنهى (3)]، وخليج السردوس، ذات جنّات متّصلة، لا ينقطع منها شئ عن شئ، والزرع ما بين الجبلين، من أولّ حدود مصر إلى آخرها، ممّا يبلغه الماء.
وكان جميع أرض مصر كلّها تروى من ستّة عشر ذراعا، لما قدّروا ودبّروا من قناطرها وخلجانها وجسورها، فلذلك قوله تعالى:{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ»} (4)، قالوا: والمقام الكريم: المنابر، التى كان بها ألف منبر.
وأمّا خليج الفيّوم والمنهى فحفرهما يوسف عليه السلام، والسّردوس حفره هامان وزير فرعون، والله أعلم.