المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر فتح مصر على يد عمرو بن العاصرضى الله عنه - كنز الدرر وجامع الغرر - جـ ٣

[ابن الدواداري]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌ذكر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلمونسبه ومولده ومبعثه وما لخّص من معجزاته وآياته وسيرته

- ‌ذكر ما لخّص من ذكره صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر المؤذين له صلى الله عليه وسلممن قريش

- ‌ذكر المستهزئين به صلى الله عليه وسلممن قريش

- ‌ذكر المؤلّفة قلوبهممن قريش وغيرها

- ‌ذكر أصول قريش وفروعهاوشعوبها وقبائلها

- ‌ذكر الأعياص من بنى أميّةابن عبد شمس

- ‌ذكر شئ من بعض كلامه صلى الله عليه وسلمممّا لم يسبق إليه

- ‌ذكر للشبّهين به صلى الله عليه وسلممن قريش وغيرها

- ‌ذكر زوجاته أسماءمن غير نسبة

- ‌ذكر أولاده الذكور والإناثجملة من غير تفصيل لما يأتى بعد ذلك

- ‌ذكر ابتداء سياقة ذكر النيل المباركفى أوّل كلّ عام من أوّل الهجرة

- ‌ذكر فصل لطيف فى نيل مصريليق بهذا المكان ذكره

- ‌ذكرالسنة الأولى من الهجرة النبويّة

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة اثنتين للهجرة النبويّةالنّيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاث للهجرة النّبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌[ما لخّص من الحوادث]

- ‌ذكر سنة أربع للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة خمس للهجرة النبويّةالنيّل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌[ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ستّ للهجرة النبويّةالنيّل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة سبع للهجرة النّبويّةالنّيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثمان للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر فتح مكّة-شرّفها الله تعالى-فى هذه السّنة

- ‌المعجزة فى سقوط الأصنام

- ‌ذكر سنة تسع للهجرة النّبويّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة عشر للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر حجّة رسول الله صلى الله عليه وسلموهى حجّة الوداع

- ‌ذكر سنة إحدى عشرةللهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر صفته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر صفاته المعنويّة صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر ما لخّص من كتاب الشفاءمن معجزاته صلى الله عليه وسلموعظّم وكرّم

- ‌ذكر أزواجه وأنسابهنّ وعدّتهنّرضوان الله عليهنّ أجمعين

- ‌(94) ذكر أولاده الذكور والإناث ومن تزوّج بهن

- ‌ذكر من تزوّج ببناته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أعمامه وعمّاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شئ من ابتداء أمرهولمع من خبره

- ‌تفسير كلمات من هذا الرجز

- ‌مخيلة ما ليس فيها لىتفسير ذلك

- ‌ذكر عمّاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر مواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر الإناث من مواليه ومن اصطفى منهنّ لنفسه

- ‌ذكر من خدمه من الأحرار صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر من كان يحرسه فى غزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رسله إلى الملوك والقبائل

- ‌ذكر كتّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رفقائه النجباء رضوان الله عليهم أجمعين

- ‌ذكر دوابّه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر نعمه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر سلاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أثوابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خلافةالإمام أبى بكر الصدّيق رضى الله عنهونسبه وبعض سيرته

- ‌تفسير كلمات من هذا الخبر

- ‌ذكر شئ من أمر الرّدّة ومنع الزّكاة

- ‌ذكر سنة اثنتى عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر لمع من خبر مسيلمة وسجاح

- ‌ذكر ابتداء فتح الشام وما لخّص عنه

- ‌ذكر سنة ثلاث عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ومن كلام عائشة رضى الله عنها فى أبيها بعد وفاته

- ‌صفة الإمام أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه

- ‌(126) ومن كلامه رضى الله عنه

- ‌أسماء كتّابه رضى الله عنه

- ‌أسماء حجابه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه رضى الله عنه

- ‌ذكر خلافةالإمام الفاروق عمر بن الخطّابونسبه وبعض سيرته رضى الله عنه

- ‌ذكر إسلام عمر بن الخطّاب رضى الله عنه

- ‌ومما يستحسن من عدله وإنصافه

- ‌ذكر سنة أربع عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر فتح دمشق وحمص وما معهما ملخّصا

- ‌ذكر وقعة اليرموك

- ‌ذكر سنة خمس عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ستّ عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر فتح إيلياء

- ‌ذكر ابتداء دخول المسلمين العراق

- ‌ذكر وقعة القادسيّة مع رستم

- ‌ذكر سنة سبع عشرةللهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر وقعة جلولا بين الفرس والمسلمين

- ‌(156) ذكر سنة ثمانى عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة تسع عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة عشرين للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر عمر بن العاصولمعا من خبره رضى الله عنه

- ‌تفسير كلم من هذا الحديث

- ‌ذكر مصر ومبتدئهاملخّصا من وجه

- ‌ذكر سبب دخول عمرو بن العاص مصرفى الجاهليّة

- ‌ذكر فتح مصر على يد عمرو بن العاصرضى الله عنه

- ‌ذكر بعض شئ ممّا وردفى صفة مصر

- ‌ذكر شئ مما ورد من الحديثفى الوصيّة بقبط مصر

- ‌ولنعد إلى سياقة التّاريخ

- ‌ذكر سنة إحدى وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة اثنتين وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاث وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر وفاة الإمام عمر رضى الله عنه

- ‌ذكر أولاد عمر بن الخطابرضى الله عنه

- ‌ومن كلامه رضى الله عنه

- ‌ومن أولاد عمر رضى الله عنه

- ‌صفته رضى الله عنه

- ‌كتّابه رضى الله عنه

- ‌حاجبه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه رضى الله عنه

- ‌(198) ذكر سنة أربع وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ذكر خلافة الإمام ذى النورينعثمان رضى الله عنه ونسبه وبعض سيرته

- ‌ذكر نبذ مما جرى فى هذه الغزاة

- ‌ومن مناقب عثمان رضى الله عنه

- ‌ذكر أمر الشورىوبيعة عثمان رضى الله عنه

- ‌أوّل خطبة خطبها عثمانرضى الله عنه

- ‌ذكر خطبة عثمانبعد تلك الأولى

- ‌ذكر سنة خمس وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ستّ وعشرينالنّيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة سبع وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثمان وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة تسع وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاثينللهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة إحدى وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة اثنتين وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاث وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر سنة أربع وثلاثونالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ذكر سنة خمس وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ذكر مقتل عثمان بن عفّان رضى الله عنه

- ‌نبذ من أخبار بنى عثمانرضى الله عنه

- ‌صفة الإمام عثمان رضى الله عنه

- ‌كاتبه رضى الله عنه

- ‌حاجبه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه رضى الله عنه

- ‌ذكر خلافة الإمام الأنزع والبطل السميدععلىّ بن أبى طالبكرّم الله وجهه ونسبه وما لخّص من أخباره

- ‌تفسير كلمات من هذا الخبر

- ‌تفسير ألفاظ من هذا الخبر

- ‌ذكر أول خطبة خطبها كرّم الله وجهه

- ‌ومن خطبه عليه السلام

- ‌ذكر سنة ست وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر نبذ ممّا جرى فى وقعة الجمل

- ‌ذكر طلحة بن عبيد الله وأخباره ومقتله

- ‌ذكر الزّبير وأخباره ومقتله

- ‌وكتب جوابه:

- ‌ذكر حرب صفّين بين علىّ ومعاوية رضى الله عنهما

- ‌ذكر سبب قدوم عمرو بن العاص على معاوية

- ‌ذكر سنة سبع وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثمان وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر الحكمين وأمر التّحكيم

- ‌ذكر وقعة الخوارج بالنّهروان

- ‌ذكر قتلة محمّد بن أبى بكر الصّدّيقرضى الله عنه

- ‌ذكر سنة تسع وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة أربعين هجريّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌(313) ذكر مقتل الإمام علىّ كرّم الله وجهه

- ‌ذكر شئ من أحكام علىّ رضى الله عنه وقضاياهوبعض سيرته

- ‌ذكر أزواجه وأولاده رضوان الله عليهم

- ‌ذكر صفته كرّم الله وجهه

- ‌ذكر كتّابه عليه السلام

- ‌ذكر حاجبه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه عليه السلام

- ‌ذكر خلافة أحد شباب أهل الجنّةالحسن بن علىّ صلوات الله عليه

- ‌ذكر سنة إحدى وأربعينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر صفته عليه السلام

- ‌نقش خاتمه عليه السلام

- ‌فصل يتضمّن ذكر بقيّة الشعراءالمخضرمين

- ‌(329) حسّان بن ثابت الأنصارىرضى الله عنه

- ‌لبيد بن ربيعةوقد تقدم ذكره فى الجاهليّة

- ‌(330) النّابغة الجعدىّ

- ‌الحطيئة فى المشبّهات من العقم

- ‌عمرو بن شأس

- ‌الشمّاخ

- ‌عبدة بن الطبيب

- ‌(331) متمّم بن نويرة

- ‌كعب بن زهير

- ‌عمرو بن معد كرب

- ‌العبّاس بن مرداس

- ‌الخنساءوقد تقدّمت

- ‌(332) الزّبربان

- ‌عمرو بن الأهتم

- ‌أوس بن [مغراء]

- ‌أبو ذؤيب الهذلى

- ‌الوليد بن عقبة

- ‌وبتمام ذكر هذه الطبقة من الشعراء، وهو الجزء الثالثتمّ الجزء ولله الحمد والمنّة

- ‌الختام

- ‌استدراكات

- ‌تصويبات

الفصل: ‌ذكر فتح مصر على يد عمرو بن العاصرضى الله عنه

ووافق دخول عمرو الإسكندريّة عيدا فيها عظيما، يجتمع فيه سائر ملوكهم، وأبناء ملوكهم، وأشرافهم، ولهم [أكرة](1) من ذهب مكلّلة، يترامى بها ملوكهم، ويتلقونها بأكمامهم، فمن وقعت تلك الأكرة فى كمّه واستقرّت فيه لم يمت حتى يملكهم، فلما قدم عمرو أحضره الشمّاس معه للفرجة فى ذلك المجلس، ورمى بتلك الأكرة، فأقبلت تهوى حتى وقعت فى كمّ عمرو، فعجبوا من ذلك، وقالوا: ما كذبتنا أكرتنا قطّ إلاّ هذه المرّة: أترى هذا الأعرابى يملكنا؟ هذا ما لا يكون أبدا.

ثم إنّ ذلك الشمّاس وفى لعمرو بما قال له، وأعطاه ألف دينار، وأكرمه، وسيّره مع من وصله إلى أصحابه، فوفى أيضا عمرو لأصحابه، وشاطرهم المال كما ذكر، قال عمرو: فكان ذلك أوّل مال عقدته وملكته، وهذا سببه، والله أعلم.

‌ذكر فتح مصر على يد عمرو بن العاص

رضى الله عنه

قال (2): حدّثنا عثمان بن صالح، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن [عبيد الله](3) ابن أبى جعفر، وعيّاش بن عبّاس [القتبانى](4)، وغيرهما، يزيد بعضهم على بعض، قال: لمّا قدم عمر بن الخطّاب رضى الله عنه الجابية قام إليه عمرو ابن العاص، فخلا به، فقال:(170) يا أمير المؤمنين، ائذن لى أن أسير إلى مصر،

ص: 219

وحرّضه على ذلك، وقال له: إنّك إن فتحتها كانت قوّة للمسلمين، وعونا لهم، وهى أكثر الأرض أموالا، [وأعجزها](1) عن قتال وحرب، فتخوّف عمر رضى الله عنه على المسلمين، وكره ذلك، فلم يزل به عمرو يعظّم أمرها وأموالها، ويستصغر حرب أهلها وعجزهم، ويهوّن عليه أمرها، حتّى ركن لذلك عمر رضى الله عنه، فعقد له على أربعة آلاف، كلّهم من عك، ويقال بل ثلاثة آلاف وخمسمائة.

قال (2): حدّثنا أبو الأسود النضر بن عبد الله أو ابن عبد الجبّار-وهو الصحيح-، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن [أبى حبيب](3) أنّ عمرو ابن العاص دخل مصر بثلاثة آلاف وخمسمائة، وأنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه قال له: سر وأنا مستخير الله تعالى فى سيرك، وسيأتيك كتابى سريعا إن شاء الله تعالى، فإن أدركك كتابى آمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها، أو شيئا من أرضها، فانصرف قافلا، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابى فامض لوجهك، واستعن بالله واستنصره.

فسار عمرو ولم يشعر به أحد من الناس، واستخار عمر رضى الله عنه الله تعالى، فكأنّه تخوّف على المسلمين فى وجهتهم تلك، فكتب إلى عمرو بن العاص أن ينصرف بمن معه من المسلمين، فأدرك الكتاب عمرا وهو بمنزلة رفح، فتخوّف عمرو من أخذ الكتاب إن هو أخذه من الرسول وفتحه أن يجد فيه الانصراف كما عهد إليه عمر، فلم يأخذ الكتاب من الرسول، ودافعه، وسار

ص: 220

لوجهه حتى نزل قرية فيما بين رفح والعريش، فسأل عنها، فقيل: إنّها من مصر، فدعى بالكتاب فقرأه على المسلمين، فقال عمرو لمن معه: ألستم تعلمون أنّ هذه القرية من مصر؟ قالوا: بلى، قال: فإنّ أمير المؤمنين عهد إلىّ وأمرنى (171) إن لحقنى كتابه ولم أدخل أرض مصر أن أرجع، وإن كنت دخلت أرض مصر فأمضى لما ندبنى إليه، فسيروا بنا على بركة الله.

ويقال: بل كان عمرو بفلطسين، فتقدّم بأصحابه إلى مصر، بغير إذن عمر رضى الله عنه، فكتب إليه وهو دون العريش، فحبس الكتاب ولم يقرأه حتى بلغ العريش، فقرأه فإذا فيه: من عمر بن الخطاب إلى العاصى بن العاصى. أما بعد، فإنّك سرت بالمسلمين إلى مصر، وبها جموع الروم، وإنّما معك نفر يسير، ولعمرى لو كانوا [ثكل أمّك](1) ما سرت بهم، فإن لم تكن بلغت مصر فارجع، فقال عمرو: الحمد لله، أيّة أرض هذه؟ قالوا: مصر، فتقدّم على ما كان عليه، واتّفقت أكثر الروايات على مثل هذا الكلام وأنظاره.

وكان صفة عمرو بن العاص كما حدّث سعد بن عفير، عن الليث بن سعد، قصيرا، عظيم الهامة، ناتئ الجبهة، واسع الفم، عظيم اللحية، عريض ما بين المنكبين والقدمين، قال الليث بن سعد: يملأ هذا المسجد.

فلمّا بلغ المقوقس قدوم عمرو بن العاص إلى مصر، توجّه من الإسكندرّية إلى الفسطاط، فكان يجهّز العساكر، وكان على القصر رجل من الروم، يقال له الأعيرج واليا، وكان من تحت أمر المقوقس.

ص: 221

وأقبل عمرو حتى [إذا](1) كان بجبل الخلال [نفرت](2) معه راشدة وقبائل من لخم، فكان أوّل موضع قوتل فيه الفرما، قاتلته الروم قتالا شديدا نحوا من شهر، ثم فتح الله على يديه.

وكان عبد الله بن مسعود على ميمنة عمرو بن العاص، منذ توجّه من قيساريّة، إلى أن فرغ من حربه.

وعن مشائخ من أهل مصر قالوا: كان بالإسكندريّة أسقف القبط يقال له:

أبو ميامين (3)، فلمّا بلغه قدوم عمرو بن العاص إلى مصر، كتب إلى (172) القبط يعلمهم أن لا للروم دولة، وأن ملكهم قد انقطع، ويأمرهم بتلقّى عمرو ابن العاص، فيقال إنّ القبط الذين كانوا بالفرما كانوا يومئذ لعمرو عونا، قال عثمان فى حديثه: ثم توجّه عمرو فلا يدافع إلاّ بالأمر الخفيف، حتى نزل القواصر.

قال: حدّثنا عبد الملك بن المسلمة، قال: حدّثنا ابن وهب، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن شريح أنّه سمع شراحيل بن يزيد يحدّث عن أبى الحسين أنّه سمع من رجل من لخم يحدّث كريب بن أبرهة (4) قال: كنت أرعى غنما لأهلى [بالقواصر](5)، فنزل عمرو ومن معه، فدنوت إلى أقرب منازلهم، فإذا [بنفر](5) من القبط كنت قريبا منهم، فقال بعضهم لبعض: ألا تعجبون

ص: 222

من هؤلاء القوم، يقدمون على جموع الروم وإنّما هم قلّة من الناس فأجابه رجل آخر فقال: إنّ هؤلاء لا يتوجّهون [إلى أحد](1) إلاّ ويظهرون عليه، حتى يقتلوا خيرهم، قال: فقمت إليه فأخذت بتلابيبه، فقلت: أنت تقول هذا؟ انطلق معى إلى عمرو بن العاص حتى يسمع الذى قلت، فطلب إلىّ أصحابه حتى خلصوه، فرددت الغنم إلى منزلى، ثم جئت حتى دخلت فى القوم.

قال عثمان فى حديثه: فقدم عمرو ولا يدافع إلاّ بالأمر الخفيف، حتى أتى بلبيس، فقاتلوه بها قتالا شديدا، وأبطأ عليه الفتح، فكتب إلى عمر بن الخطّاب رضى الله عنه يستمدّه، فأمدّه بأربعة آلاف، تمام ثمانية آلاف، فقاتلهم.

ثم رجع إلى حديث [ابن](1) وهب، عن عبد الرحمن بن شريح، عن شراحيل ابن يزيد، عن أبى الحسين أنّه سمع رجلا من لخم قال: فجاء رجل إلى عمرو ابن العاص فقال: اندب معى خيلا حتى آتى من ورائهم عند القتال، فأخرج معه (173) خمسمائة فارس، فساروا من وراء الجبل، حتى دخلوا مغار بنى وائل قبل الصبح، وكانت الروم قد خندقوا خندقا، وجعلوا له أبوابا، فثّبتوا (2) فى أقبيتها حسك الحديد، فالتقى القوم حين أصبحوا، وخرج اللخمى بمن معه من ورائهم، فانهزموا حتى دخلوا الحصن.

وقال غير ابن وهب: بعث خمسمائة عليهم خارجة بن حذافة، فلمّا كان وجه الصبح نهض القوم، فصلّوا الصبح، ثم ركبوا خيلهم، وغدا عمرو بن العاص على

ص: 223

القتال، فقاتلهم من [وجههم](1)، وحملت التى كانت من ورائهم، واقتحمت عليهم [فانهزموا](2).

قال ابن وهب فى حديثه: فسار عمرو حتى نزل على الحصن، فحاصرهم، حتى سألوه أن يسيّر منهم بضعة عشر أهل بيت [ويفتحوا](2) له الحصن، ففعل ذلك، ففرض عمرو لكلّ رجل من أصحابه [دينارا وجبّة](2) وبرنسا وعمامة وخفين، وسألوه أن [يهيّئوا له ولأصحابه صنيعا](3) ففعل.

قال عبد الرحمن: قال، حدّثنى أبو عبد الله بن عبد الحكم أنّ عمرو ابن العاص أمر أصحابه فتهيّئوا (4)، ولبسوا البرود، ثم أقبلوا قال [ابن] (5) وهب فى حديثه: وسألوه أن يصنعوا له طعاما ولأصحابه، فلمّا فرغ عمرو من طعامهم سألهم: كم أنفقتم؟ قالوا: عشرين ألف دينار، قال عمرو: لا حاجة لنا فى صنيعكم بعد اليوم، أدّوا إلينا عشرين ألف دينار، فجاءه نفر من القبط، فاستأذنوا إلى قراهم وأهلهم، فقال لهم عمرو: كيف رأيتم أمرنا! قالوا: لم نر إلاّ حسنا، فقال الرجل الذى قال فى المرّة الأولى ما قال لهم: إنّكم لن تزالوا تظهرون على كلّ من لقيتم حتى تقتلوا خيركم، فغضب عمرو وأمر به، فطلب إليه أصحابه وأخبروه أنّه لا يدرى ما يقول حتى خلّصوه، فلما بلغ عمرا قتل عمر بن الخطّاب رضى الله عنه

ص: 224

أرسل (174) فى طلب ذلك القبطى فوجده قد هلك، فعجب عمرو من كلامه، قال عمرو: فلمّا قتل عمر بن الخطّاب، قلت: هو ما قال القبطى، فلما حدّثت (1) إنّما قتله أبو لؤلؤة رجل نصرانى قلت: لم يعن هذا إنّما عنى من قتله المسلمون فلما قتل عثمان عرفت أنّما قال الرجل حقّ.

قال ابن وهب فى حديثه: فلمّا فرغ القبط من صنيعهم، أمر عمرو بن العاص بطعام، فصنع لهم من الثريد ولحم الأباعر، وجعل الأكارع على وجوه الجفان، وأمر أصحابه بلبس الأكسية، واشتمل الصماء، والقعود على الركب، فلمّا حضرت الروم وضعوا كراسىّ الديباج فجلسوا عليها، وجلست العرب إلى جوانبهم، فجعل الرجل من العرب يلتقم اللقمة من الثريد شبه البعير، وينهش من تلك الأكارع فيتطاير على من إلى جنبه من الروم، فيستغيث الرومى بذلك، وقالوا:

أين أولئك الذين كانوا أتونا قبل؟ فقيل لهم: أولئك أصحاب المشورة، وهؤلاء أصحاب الحرب (2).

وروى فتح القصر من وجه آخر فيه طول، فاختصرنا هذا، إذ القصد أن لا يخلو تأريخنا من واقعة جرت بطريق الاختصار، والله الموفق للصواب.

ولمّا طلب المقوقس من عمرو بن العاص رسلا يسمعون كلامه، أنفذ إليه عبادة بن الصامت، وكان شديد السواد، هائل الطول والمنظر، مع جماعة من المسلمين، فلمّا رآه المقوقس هابه وقال: قدّموا غير هذا يكلّمنى! فقالوا: هو

ص: 225