الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر شئ من أحكام علىّ رضى الله عنه وقضاياه
وبعض سيرته
عن زرّ بن حبيش (1) أنّ رجلين جلسا يتغدّيان، ومع أحدهما خمسة أرغفة، ومع الآخر ثلاثة أرغفة، فلمّا وضعا الغداء بين أيديهما، مرّ بهما رجل، فسلّم عليهما، فقالا: اجلس فكل! فأكل معهما، حتى استوفوا (317) الأرغفة الثمانية، فقام الرّجل وطرح لهما ثمانية دراهم، وقال: خذاها عوضا عمّا أكلته لكما، فقال صاحب الخمسة أرغفة: لى خمسة الدراهم ولك ثلاثة، وقال صاحب الثلاثة:
لا أرضى، والدراهم بيننا نصفان.
فارتفعا إلى علىّ عليه السلام فقال لصاحب الثلاثة: قد بذل لك صاحبك ما بذل، فارض به، فقال: لا أرضى إلاّ بمرّ الحقّ، فقال علىّ: ليس لك فى مرّ الحقّ إلاّ درهم واحد، وله سبعة، فقال: سبحان الله يا أمير المؤمنين، لم أرض بثلاثة، وتقول أنت ليس لى فى مرّ الحقّ إلاّ درهم، قال: نعم، قال: عرّفنى وجه ذلك حتى أقبله، فقال: أليست الثمانية أرغفة أربعة وعشرين ثلثا، أكلتموها وأنتم ثلاثة أنفس؟ قال: نعم، قال: فأكلت أنت ثمانية أثلاث، وإنّما لك تسعة، فأكل صاحبك ثمانية أثلاث وله خمسة عشر ثلثا، أكل منها ثمانية ويبقى سبعة، وأكل لك واحدا من تسعة أثلاث، فلك واحد بواحدك، وله سبعة، فقال الرجل:
الآن رضيت.
قال سعيد بن عمرو [بن سعيد](1) بن العاص: قلت لعبد الله بن عيّاش [ابن](2) أبى ربيعة: يا عمّ، لم كان صفو الناس إلى علىّ؟ قال: يا بن أخى، إنّ عليّا كان له ما شئت من ضرس قاطع فى العلم، وكان له البسطة فى العشيرة، [والقدم](1) فى الإسلام، والصهر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفقه فى السّنّة، والنجدة فى الحرب.
ولقد أحسن الضرار إذ قال له معاوية: يا ضرار، صف لى عليّا، فاستعفاه، فأبى أن يعفيه، فقال: أمّا إذا، فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس (3) بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعة، (318) طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، وكان فينا كأحدنا، إذا سألناه يعطينا، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن مع تقريبه إيّانا وقربنا منه لا نكاد نكلّمه هيبة له، يعظّم أهل الدين، ويقرّب المساكين، لا يطمع القوىّ فى باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، أشهد لقد رأيته فى بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا يده على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكى بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا، غرّى غيرى، إلىّ تعرّضت أم إلى نحوى تشوّقت، هيهات هيهات قد باينتك ثلاثا، لا رجعة لى عليك، فعمرك قصير، وخطرك قليل، فآه من قلّة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق،
قال: فبكى معاوية، وقال: يرحم الله أبا الحسن، لقد كان كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح واحدها فى حجرها.
أثنى رجل على علىّ عليه السلام وكان يتّهم نيّته، فقال له علىّ عليه السلام:
أنا فوق ما فى نفسك، ودون ما تصف.
وكان معاوية رضى الله عنه إذا نزلت به مشكلة، يكتب فيها إلى علىّ عليه السلام يسأله فيها، فلمّا قتل عليه السلام قال معاوية: ذهب الفقه والعلم بموت علىّ بن أبى طالب.
قيل لعلىّ رضى الله عنه: كم بين السماء والأرض؟ قال: دعوة مستجابة، وقيل له: كم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس.
وسئل الحسن البصرى رحمة الله عليه عن علىّ عليه السلام فقال: كان والله سهما صائبا من مرامى الله على عدوّه، وربّانىّ هذه الأمّة، وذا فضلها، وذا سابقها، وذا قرابتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بالنّومة عن أمر الله عز وجل، ولا بالملولة فى دين الله، ولا بالسرقة لمال الله عز وجل (319) أعطى القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة، ذلك ابن أبى طالب، يا لكع.
وكان ابن معين يقول: أبو بكر وعمر وعثمان، ولم يختلف أهل الأثر فى أنّ عليّا أفضل الناس بعد أبى بكر وعمر.
وقف مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، فى التفضيل بين علىّ وعثمان رضى الله عنهما.
ومن غرائب الحديث ما ورد فى قاتله عليه السلام:
قال صاحب كتاب غريب الحديث: إنّ الرشيد بعث رسولا إلى ملك الروم
فنزل على بطريق كبير من بطارقة الروم، وأقام عنده إلى حيث يستأذن له بالحضور فمكث أيّاما، واستأنس به البطريق، فخرجا ذات يوم إلى ظاهر تلك الناحية يتسايران، قال: فنظرت إلى سواد عن بعد على ساحل البحر، فسألت ذلك البطريق عنه، فقال: هو دير قديم لا يعلم بانيه، وفيه راهب تعظّمه أهل النصرانيّة كلّها، لعلمه ودينه وكبر بيته، ولى به أنسة لقدم المجاورة، وكثرة تكرارى إليه ألنمس بركته.
فلمّا علم وتحقّق حسن نيّتى وظنّى به، قال لى يوما فى خلوة من الناس: إنّى مسرّ إليك بشئ، وناصحك فى أمر آخرتك، لثقتى بعقلك وحلمك، وحسن فهمك، اعلم أنّى منذ أعوام كنت جالسا بأعلى هذا الدير، وأنا أنظر البحر وهوله، متفكّرا فى عظيم قدرة الله تعالى، وخطر ببالى أمر المسلمين، واستيلائهم على الدنيا، وانتصارهم على دين المسيح، فبينا أنا فى هذه الفكرة لم أشعر إلاّ بطائر خرج من البحر كالبختى العظيم، فرفرت على هذا الدّير حتى خشيت أن يقتلعه، ثم رمى من منقاره رأس آدمى، ثم أتبعه بيده، ثم بيده الأخرى، ثم بحشو بطنه، ثم بفخذيه ورجليه، فلمّا (320) تكاملت الأعضاء كلّها التصقوا بقدرة الله عز وجل، وعاد آدميّا قائما على قدميه، ثم إنّ الطائر قطّعه كما كان وابتلعه قطعة قطعة، وحلّق نحو البحر.
فلمّا عاينت ذلك غبت عن الدنيا ساعة لهول ما عاينت، ولم أزل فى فكرة ذلك إلى ثانى يوم مثل ذلك الوقت الذى ظهر فيه ذلك الطائر، لم أشعر إلاّ بذلك الطائر وقد فعل بذلك الآدمى كفعلته بالأمس، ثم كان كذلك فى اليوم الثالث، وقد أنست بفعله، فصبرت عليه، حتى تكامل ذلك الآدمى، واستوى إنسيّا