الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عمر بن العاص
ولمعا من خبره رضى الله عنه
روى أنّ العاص بن وائل السهمى كان يرقّص ابنه عمرا فى صغره، ويقول:
ظنّى بعمرو أن يفوق حلما
…
وينشق الخصم الألدّ غما
وأن يسود جمحا وسهما
…
وأن يقود الجيش مجرا دهما
يلهم أحشاد الأعادى لهما
تفسير ذلك:
(161)
قوله: الخصم النشق: أن يصبّ الدواء وغيره فى الأنف، وذلك المصبوب فيه هو النشوق بفتح النون، وإن صبّ الدواء وغيره من الحلق فهو الوجور، فإن صبّ فى جانبى الفم فهو اللدود، وقوله: مجرا دهما، المجر هو العظيم، والدهم هو الكبير، وهو الذى يبغت، وما بغتك من شئ فقد رهمك، ويقال:
جيش دهم، وعدد دهم، أى كبير، وقوله: يلهم أى يبتلع، فالإلهام الابتلاع بكثرة، وقوله: أحشاد جمع حشود، وهم المحشودون، يقال: حشدت القوم أحشدهم حشدا، وهم حشد بفتح الشين.
وروى أنّ هشام بن المغيرة كانت بينه وبين العاص بن وائل نبوة، وكان أبو جهل بن هشام حديث السنّ معجبا بنفسه، فمرّ بالعاص بن وائل وهو فى نادى قومه، وابنه عمرو بن العاص بين يديه، وهو يومئذ صغير السنّ، قال أبو جهل للعاص بن وائل كلمة يتهدّده بها، فلم يجبه العاص بشئ، فقال له ولده عمرو:
يا أبت ما لك لا تجيبه؟ فقال له أبوه: ما الذى أقول له، قال: تقول:
إذا كنت يومك ذا عاجزا
…
مهينا، فأنت غدا أعجز
ولو كنت تعقل ألهاك عن
…
وعيدك لى ما به تنبز
قال: فاستطير العاص بن وائل سرورا به، وقال له: أنت ابنى حقّا، وكان قبل ذلك يعصيه، ويقدم غيره من ولده عليه.
قلت: والذى عناه عمرو بقوله: ما به تنبز، أنّ أبا جهل كان فيه خنث، وينبز بالداء العضال، وكان نديما للحكم [بن](1) أبى العاص بن أميّة، فكان مثله فى ذلك جميعا، يجمعهما علّة الخنث.
وروى أنّ أمّ عمرو بن العاص، وهى النابغة، امرأة من عنزة، وقع عليها شئ، فضربت يوما ولدها عمرو بن العاص، (162) وهو صغير جدّا عند ما دبّ، فقال لها: ستعلمين، وذهب إلى أبيه وهو فى نادى قومه، فجلس فى حجره، فبال عليه، وكان أبوه قاذورة متقزّزا، فى خلقه عسر، فتأفّف منه، وأراد ضربه، فمنعه قومه وقالوا: هذا طفل لا يعقل، فنهض مغضبا فدخل على النابغة، فأوجعها ضربا، وأقسم لها بما يعظّمه لئن بعثت به إليه وهو فى نادى قومه ليعودنّ لها بأشدّ ما بدا، ولمّا خرج من عندها قال لها عمرو: كيف رأيت، ألم أقل لك؟! فصكّت وجهها، ونادت بالويل، فرجع العاص إليها وتناول السوط، فقالت: مهلا حتى أخبرك، وحدّثته فقال: والكعبة إنّه لذو دهاء، فاحذريه!
فكانت تحذره مدّة طويلة، ثم نقمت عليه أمرا فضربته، ورصدته فلم يجد محيصا عنها سحابة يومه ذلك، فلمّا كان من الغد، أملس منها فذهب إلى أبيه وهو فى الحجر مع سادة قريش، فلمّا رآه انتهره، فقال له عمرو: إنّ أمّى تدعوك،