الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة أربعين هجريّة
النيل المبارك فى هذه السنة:
الماء القديم ثمانية أذرع وستة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وستّة أصابع.
ما لخّص من الحوادث
الإمام علىّ كرّم الله وجهه أمير المؤمنين بالكوفة إلى حين قتل رضى الله عنه.
(313) ذكر مقتل الإمام علىّ كرّم الله وجهه
أجمع أهل التاريخ (1) أنّ عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله، والبرك بن عبد الله، وعمرو بن بكر التميمى، اجتمعوا فتذاكروا أمر الناس، وعابوا أمر ولاتهم، ثم ذكروا أهل النهروان، فترّحموا عليهم، وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم؟ فلو شرينا أنفسنا قاتلنا أئمّة الضلالة، وأرحنا المسلمين منهم جميعا، فقال ابن ملجم لعنه الله: أنا أكفيكم علىّ بن أبى طالب، وكان من أهل مصر، وقال البرك ابن عبد الله: وأنا أكفيكم معاوية بن أبى سفيان، وقال عمرو بن بكر: وأنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاهدوا على ذلك وتحالفوا، وأكّدوا الأيمان بالله تعالى، لا ينكص رجل منهم عن صاحبه الذى وجّه إليه [حتى يقتله، أو يموت دونه]، (2) وأقبل كلّ واحد إلى المصر الذى فيه صاحبه.
قال: فخرج ابن ملجم لعنه الله إلى الكوفة، فلقى امرأة من تيم [الرّباب](1)، يقال لها قطام ابنة [الشجنة](2)، وقد قتل أبوها وأخوها وبعلها يوم النهروان، وكانت فاتنة الحسن، فلمّا رآها ابن ملجم افتتن بها، ونسى حاجته، فخطبها من نفسها، قالت: لا أتزوّجك إلاّ بإحدى شيئين، قال: وما هما؟ قالت:
ألف ناقة، وألف عبد وقينة، أو قتل ابن أبى طالب، قاتل الأحبّة، فقال:
وا عجبا إنّما مأتاى والله لذلك، فقالت: أطلب لك من يشدّ ظهرك، ويساعدك على أمرك.
ثم بعثت إلى رجل من قومها من تيم [الرّباب](1)، يقال له وردان، فكلّمته، فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلا من أشجع، يقال له شبيب بن نجزة (3)، فدعاه إلى قتل على بن أبى طالب، فقال: ويحك لو كان على غير علىّ كان أهون، قد عرفت قدمه فى الإسلام، وسابقته، وقرابته من النبى صلى الله عليه وسلم، وما أجدنى لذلك منشرحا، فلم يزل به حتى أجابه.
قال (4): فجاءوا إلى قطام، وهى معتكفة (314) فى المسجد الأعظم، السّابع والعشرين من شهر رمضان، فقال ابن ملجم: هذه الليلة التى واعدت فيها أصحابى أن يقتل كلّ واحد صاحبه، فدعت لهم بالحرير، فعصبتهم، وأخذوا أسيافهم وخرجوا، وجلسوا مقابل السدّة التى يخرج منها علىّ عليه السلام، فلمّا خرج لصلاة الصبح ضربه شبيب، فوقع السيف فى عضادة الباب، وضربه اللعين ابن ملجم
فى [قرنه](1) بالسيف، وهرب وردان، وشدّ الناس على ابن ملجم فأخذوه، وتأخّر علىّ عليه السلام، ودفع فى صدر جعدة بن هبيرة يصلّى بالناس، ونجا شبيب فى ازدحام الناس، وأقبل وردان حتّى دخل منزله، فدخل عليه رجل من بنى أبيه وهو ينزع [الحرير](2) عن صدره، فقال: ما هذا الحرير (2) والسيف؟ فأخبره بما كان من أمره، فانصرف الرجل، فجاء بسيفه فعلاه به فقتله، قال (3): ثم أمر علىّ عليه السلام بابن ملجم، فأحضر بين يديه فقال: يا عدوّ الله ألم أحسن إليك؟ قال: بلى، قال: فما حملك على هذا؟ قال: شحذت سيفى أربعين صباحا، فسألت الله تعالى أن يقتل به شرّ خلقه، فقال على رضى الله عنه: لا أراك إلاّ مقتولا به ولا أراك إلاّ من أشرّ خلقه.
وقيل إنّ الناس دخلوا على الحسن بن علىّ عليهما السلام فزعين لما حدث من أمر علىّ عليه السلام فبينما هم عنده، وابن ملجم مكتوفا بين يديه، إذ نادته أمّ كلثوم ابنة على: يا عدوّ الله إنّه لا بأس على أبى، والله مخزيك، فقال ابن ملجم لعنه الله: فعلى من تبكين؟ والله لقد اشتريته (4) بألف، وسممته بألف، ولو كانت هذه الضربة بجميع أهل المصر ما بقى منهم أحد.
وقال الطبرى والروحى جميعا إنّ عليّا-عليه السلام-قال: أطيبوا طعام ابن ملجم، وألينوا فراشه، فإن أعش فعفو وقصاص، وإن أمت فألحقوه بى أخاصمه عند ربّ العالمين.
قال الطّبرى (1) رحمه الله: إن عليّا-عليه السلام-لم ينم تلك اللّيلة التى ضربه ابن ملجم صبيحتها، وأنّه لم يزل يمشى من الباب إلى الباب، الذى للحجرة وهو يقول: والله ما كذبت، ولا كذبت، إنّها الليلة التى وعدت فيها، فلما خرج صاح بطّ كنّ فى الدّار، فصاح بهنّ بعض من فى الدار، فقال على عليه السلام: ويحك دعهنّ فإنّهن نوائح، وخرج فضرب.
قال الروحى (2) رحمه الله: ودخل النّاس على علىّ عليه السلام فقال بعضهم:
يا أمير المؤمنين، أرأيت إن فقدناك، ولا نفقدك، أنبايع الحسن؟ فقال: لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر بأمركم.
وقال المسعودى رحمه الله: ضرب علىّ عليه السلام ليلة الجمعة، فمكث تلك الليلة مع ليلة السبت، وتوفى كرّم الله وجهه وأرضاه ليلة الأحد، لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين هجرية، وعمره يومئذ ثلاث وستون سنة، وهو الأشهر المتّفق عليه، وصلّى عليه ابنه الحسن عليه السلام، ودفن بالرحبة عند المسجد بالكوفة ليلا، وغيّب قبره، وكانت خلافته خمس سنين إلاّ ثلاثة أشهر، ولمّا توفّى صلوات الله عليه بعث الحسن عليه السلام إلى ابن ملجم، فقتله بعد ما مثّل به، ثم أخذه الناس، فأدرجوه فى بوارىّ، ثم أحرقوه بالنار.
وأما البرك بن عبد الله، فإنّه فى تلك الليلة التى قتل فيها علىّ عليه السلام، قعد لمعاوية رضى الله عنه فلمّا خرج ليصلّى الصّبح شدّ عليه بسيفه، فوقع السيف فى عجيزته،
ثم أخذ، فلمّا قدم إلى معاوية قال: إنّ عندى خبرا أسرّك به، فإن أخبرتك به تعف عنى؟ قال: نعم، فقال: إنّ أخالى قتل علىّ بن أبى طالب (316) فى هذه الّليلة، قال: فلعلّه لم يقدر على ذلك، قال: بلى، إنّ عليّا يخرج وليس معه حرس، فأمر معاوية بقتله، فقتل، وقيل: بل اعتقله حتى صح قتل علىّ عليه السلام فأجاره وأطلقه.
وبعث معاوية إلى الساعدى، وكان طبيبا حاذقا، فلمّا نظر إلى معاوية قال:
اختر إحدى خصلتين: إمّا أن أحمى حديدة وأضعها على موضع السيف فيبرأ، وإما أسقيك شربة تقطع منك الولد وتبرأ، فإنّ ضربتك مسمومة، فقال معاوية:
أما النار فلا صبر لى عليها، وأما انقطاع الولد فإنّ فى يزيد وعبد الله ما تقرّ به عينى، ثم سقاه شربة فبرأ، ولم يولد له بعدها ولد.
وأما عمرو بن بكر، فإنّه جلس لعمرو بن العاص تلك الليلة أيضا، فلم يخرج عمرو إلى الصلاة، لما أراد الله من تأخير أجله، وكان قد شكا من وجع فى بطنه، وأمر خارجة بن أبى حبيبة (1)، وكان صاحب شرطته، أن يصلّى بالناس، فشدّ عليه عمرو بن بكر وهو يحسب أنّه عمرو بن العاص، فضربه فقتله من وقته، فأخذ، وانطلقوا به إلى عمرو بن العاص، ورآهم يسلّمون عليه بالإمرة، فقال ابن بكر: من هذا الذى تسلّمون عليه بالإمرة؟ فقالوا: عمرو بن العاص، قال:
فمن قتلت أنا؟ قالوا: قتلت خارجة، فقال: واخيبتاه، ثم قال لعمرو بن العاص:
أما والله يا فاسق ما ظننته غيرك، قال عمرو: أردتنى وأراد الله خارجة، ثم قدّمه فقتله.