المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه - كنز الدرر وجامع الغرر - جـ ٣

[ابن الدواداري]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌ذكر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلمونسبه ومولده ومبعثه وما لخّص من معجزاته وآياته وسيرته

- ‌ذكر ما لخّص من ذكره صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر المؤذين له صلى الله عليه وسلممن قريش

- ‌ذكر المستهزئين به صلى الله عليه وسلممن قريش

- ‌ذكر المؤلّفة قلوبهممن قريش وغيرها

- ‌ذكر أصول قريش وفروعهاوشعوبها وقبائلها

- ‌ذكر الأعياص من بنى أميّةابن عبد شمس

- ‌ذكر شئ من بعض كلامه صلى الله عليه وسلمممّا لم يسبق إليه

- ‌ذكر للشبّهين به صلى الله عليه وسلممن قريش وغيرها

- ‌ذكر زوجاته أسماءمن غير نسبة

- ‌ذكر أولاده الذكور والإناثجملة من غير تفصيل لما يأتى بعد ذلك

- ‌ذكر ابتداء سياقة ذكر النيل المباركفى أوّل كلّ عام من أوّل الهجرة

- ‌ذكر فصل لطيف فى نيل مصريليق بهذا المكان ذكره

- ‌ذكرالسنة الأولى من الهجرة النبويّة

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة اثنتين للهجرة النبويّةالنّيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاث للهجرة النّبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌[ما لخّص من الحوادث]

- ‌ذكر سنة أربع للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة خمس للهجرة النبويّةالنيّل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌[ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ستّ للهجرة النبويّةالنيّل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة سبع للهجرة النّبويّةالنّيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثمان للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر فتح مكّة-شرّفها الله تعالى-فى هذه السّنة

- ‌المعجزة فى سقوط الأصنام

- ‌ذكر سنة تسع للهجرة النّبويّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة عشر للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر حجّة رسول الله صلى الله عليه وسلموهى حجّة الوداع

- ‌ذكر سنة إحدى عشرةللهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر صفته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر صفاته المعنويّة صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر ما لخّص من كتاب الشفاءمن معجزاته صلى الله عليه وسلموعظّم وكرّم

- ‌ذكر أزواجه وأنسابهنّ وعدّتهنّرضوان الله عليهنّ أجمعين

- ‌(94) ذكر أولاده الذكور والإناث ومن تزوّج بهن

- ‌ذكر من تزوّج ببناته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أعمامه وعمّاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شئ من ابتداء أمرهولمع من خبره

- ‌تفسير كلمات من هذا الرجز

- ‌مخيلة ما ليس فيها لىتفسير ذلك

- ‌ذكر عمّاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر مواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر الإناث من مواليه ومن اصطفى منهنّ لنفسه

- ‌ذكر من خدمه من الأحرار صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر من كان يحرسه فى غزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رسله إلى الملوك والقبائل

- ‌ذكر كتّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رفقائه النجباء رضوان الله عليهم أجمعين

- ‌ذكر دوابّه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر نعمه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر سلاحه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أثوابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خلافةالإمام أبى بكر الصدّيق رضى الله عنهونسبه وبعض سيرته

- ‌تفسير كلمات من هذا الخبر

- ‌ذكر شئ من أمر الرّدّة ومنع الزّكاة

- ‌ذكر سنة اثنتى عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر لمع من خبر مسيلمة وسجاح

- ‌ذكر ابتداء فتح الشام وما لخّص عنه

- ‌ذكر سنة ثلاث عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ومن كلام عائشة رضى الله عنها فى أبيها بعد وفاته

- ‌صفة الإمام أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه

- ‌(126) ومن كلامه رضى الله عنه

- ‌أسماء كتّابه رضى الله عنه

- ‌أسماء حجابه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه رضى الله عنه

- ‌ذكر خلافةالإمام الفاروق عمر بن الخطّابونسبه وبعض سيرته رضى الله عنه

- ‌ذكر إسلام عمر بن الخطّاب رضى الله عنه

- ‌ومما يستحسن من عدله وإنصافه

- ‌ذكر سنة أربع عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر فتح دمشق وحمص وما معهما ملخّصا

- ‌ذكر وقعة اليرموك

- ‌ذكر سنة خمس عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ستّ عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر فتح إيلياء

- ‌ذكر ابتداء دخول المسلمين العراق

- ‌ذكر وقعة القادسيّة مع رستم

- ‌ذكر سنة سبع عشرةللهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر وقعة جلولا بين الفرس والمسلمين

- ‌(156) ذكر سنة ثمانى عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة تسع عشرة للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة عشرين للهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر عمر بن العاصولمعا من خبره رضى الله عنه

- ‌تفسير كلم من هذا الحديث

- ‌ذكر مصر ومبتدئهاملخّصا من وجه

- ‌ذكر سبب دخول عمرو بن العاص مصرفى الجاهليّة

- ‌ذكر فتح مصر على يد عمرو بن العاصرضى الله عنه

- ‌ذكر بعض شئ ممّا وردفى صفة مصر

- ‌ذكر شئ مما ورد من الحديثفى الوصيّة بقبط مصر

- ‌ولنعد إلى سياقة التّاريخ

- ‌ذكر سنة إحدى وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة اثنتين وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاث وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر وفاة الإمام عمر رضى الله عنه

- ‌ذكر أولاد عمر بن الخطابرضى الله عنه

- ‌ومن كلامه رضى الله عنه

- ‌ومن أولاد عمر رضى الله عنه

- ‌صفته رضى الله عنه

- ‌كتّابه رضى الله عنه

- ‌حاجبه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه رضى الله عنه

- ‌(198) ذكر سنة أربع وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ذكر خلافة الإمام ذى النورينعثمان رضى الله عنه ونسبه وبعض سيرته

- ‌ذكر نبذ مما جرى فى هذه الغزاة

- ‌ومن مناقب عثمان رضى الله عنه

- ‌ذكر أمر الشورىوبيعة عثمان رضى الله عنه

- ‌أوّل خطبة خطبها عثمانرضى الله عنه

- ‌ذكر خطبة عثمانبعد تلك الأولى

- ‌ذكر سنة خمس وعشرينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ستّ وعشرينالنّيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة سبع وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثمان وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة تسع وعشرينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاثينللهجرة النبويّةالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة إحدى وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السّنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة اثنتين وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثلاث وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر سنة أربع وثلاثونالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ذكر سنة خمس وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ذكر مقتل عثمان بن عفّان رضى الله عنه

- ‌نبذ من أخبار بنى عثمانرضى الله عنه

- ‌صفة الإمام عثمان رضى الله عنه

- ‌كاتبه رضى الله عنه

- ‌حاجبه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه رضى الله عنه

- ‌ذكر خلافة الإمام الأنزع والبطل السميدععلىّ بن أبى طالبكرّم الله وجهه ونسبه وما لخّص من أخباره

- ‌تفسير كلمات من هذا الخبر

- ‌تفسير ألفاظ من هذا الخبر

- ‌ذكر أول خطبة خطبها كرّم الله وجهه

- ‌ومن خطبه عليه السلام

- ‌ذكر سنة ست وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر نبذ ممّا جرى فى وقعة الجمل

- ‌ذكر طلحة بن عبيد الله وأخباره ومقتله

- ‌ذكر الزّبير وأخباره ومقتله

- ‌وكتب جوابه:

- ‌ذكر حرب صفّين بين علىّ ومعاوية رضى الله عنهما

- ‌ذكر سبب قدوم عمرو بن العاص على معاوية

- ‌ذكر سنة سبع وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة ثمان وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر الحكمين وأمر التّحكيم

- ‌ذكر وقعة الخوارج بالنّهروان

- ‌ذكر قتلة محمّد بن أبى بكر الصّدّيقرضى الله عنه

- ‌ذكر سنة تسع وثلاثينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر سنة أربعين هجريّةالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌(313) ذكر مقتل الإمام علىّ كرّم الله وجهه

- ‌ذكر شئ من أحكام علىّ رضى الله عنه وقضاياهوبعض سيرته

- ‌ذكر أزواجه وأولاده رضوان الله عليهم

- ‌ذكر صفته كرّم الله وجهه

- ‌ذكر كتّابه عليه السلام

- ‌ذكر حاجبه رضى الله عنه

- ‌نقش خاتمه عليه السلام

- ‌ذكر خلافة أحد شباب أهل الجنّةالحسن بن علىّ صلوات الله عليه

- ‌ذكر سنة إحدى وأربعينالنيل المبارك فى هذه السنة:

- ‌ما لخّص من الحوادث

- ‌ذكر صفته عليه السلام

- ‌نقش خاتمه عليه السلام

- ‌فصل يتضمّن ذكر بقيّة الشعراءالمخضرمين

- ‌(329) حسّان بن ثابت الأنصارىرضى الله عنه

- ‌لبيد بن ربيعةوقد تقدم ذكره فى الجاهليّة

- ‌(330) النّابغة الجعدىّ

- ‌الحطيئة فى المشبّهات من العقم

- ‌عمرو بن شأس

- ‌الشمّاخ

- ‌عبدة بن الطبيب

- ‌(331) متمّم بن نويرة

- ‌كعب بن زهير

- ‌عمرو بن معد كرب

- ‌العبّاس بن مرداس

- ‌الخنساءوقد تقدّمت

- ‌(332) الزّبربان

- ‌عمرو بن الأهتم

- ‌أوس بن [مغراء]

- ‌أبو ذؤيب الهذلى

- ‌الوليد بن عقبة

- ‌وبتمام ذكر هذه الطبقة من الشعراء، وهو الجزء الثالثتمّ الجزء ولله الحمد والمنّة

- ‌الختام

- ‌استدراكات

- ‌تصويبات

الفصل: ‌ذكر مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه

‌ذكر مقتل عثمان بن عفّان رضى الله عنه

اجتمع أهل الأمصار الثلاثة؛ وهم أهل الكوفة، وأهل البصرة، وأهل مصر، قبل عثمان بسنة فى المسجد الحرام، ورئيس أهل الكوفة كعب بن عبدة النهدى (1) ورئيس أهل البصرة المثنّى بن مخرمة العبدى، ورئيس أهل مصر كنانة بن بشر السكونى ثم التجيبى، فتذاكروا أمر عثمان، وقالوا: لا يسعنا الرضا بهذا، وأجمعوا أنّهم إذا رجع كلّ واحد إلى مصره أن يكون رسول من شهد مكّة- من أهل الخلاف على عثمان-إلى من هو على مثل رأيهم من أهل بلدهم، وأن يوافوا عثمان فى العام المقبل، فيستعتبوه، فإن أعتبهم، وإلا رأوا فيه رأيهم.

فلمّا حضر الموقف خرج الأشتر النخعى إلى المدينة فى مائتين، وخرج حكيم ابن جبلة العبدى فى مائة، وجاء أهل مصر (226) فى أربعمائة، وقيل فى خمسمائة، وقيل بل أكثر من ذلك، وعليهم أبو عمرو، وبديل بن ورقاء الخزاعى، وعبد الرحمن بن عديس البلوى، وكنانة بن بشر النجيبى، وعروة بن شتم (2).

فلمّا قدموا المدينة أتوا دار عثمان، ووثب معهم من أهل المدينة رجال؛ منهم عمّار بن ياسر، ورفاعة بن رافع (3) والحجاج بن غزّية (4)، وعامر بن بكر، فحصروه الحصار الأوّل، ودفع عن عثمان جماعة منهم: زيد بن ثابت،

ص: 289

وأبو أسيد الساعدى [وكعب بن مالك](1) بن أبى كعب من بنى سلمة من الأنصار، وحسّان بن ثابت.

واجتمع الناس إلى علىّ كرّم الله وجهه وسألوه أن يكلّم عثمان، فأتاه فقال:

إنّ الناس قد كلّمونى فى أمرك، وو الله ما أدرى ما أقول، وما أعرّفك شيئا تجهله، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه، وإنّك لتعلم ما أعلم، وما سبقناك إلى شئ فنخبرك عنه، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيت وسمعت [منه](2) ما رأينا وما سمعنا، وليس ابن أبى قحافة ولا ابن الخطّاب بأولى منك إلاّ الحق (3)، ولأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحما، وقد نلت [من](4) صهره ما لم ينالاه، فالله الله فى نفسك، فإنّك لا تبصر من عمى، ولا تعلم من جهل!

فقال له عثمان: لو كنت مكانى ما عنّفتك ولا أسلمتك، ولا عتبت عليك أن وصلت، نشدتك الله، ألم يولّ عمر المغيرة بن شعبة وليس هناك؟ قال: نعم! قال: أفلم يولّ معاوية؟ قال علىّ: إنّ معاوية كان أشدّ خوفا وطاعة لعمر من يرفأ (5)، وهو الآن يدبّر الأمور دونك، ويقطعها بغير علمك، ويقول للناس:

هذا بأمر عثمان ويبلغك فلا تنكر.

ثمّ خرج (227) فصعد عثمان المنبر، فقال بعد حمد الله سبحانه والصلاة على

ص: 290

نبيّه-ثم قال ذلك الكلام المقدّم ذكره الذى أوله: إنّ لكلّ شئ آفة، ولكلّ أمر عاهة (1).

وروى أنّ عثمان أتى عليّا فقال له: يا بن عمّ، إنّ قرابتى قريبة، وحقّى عظيم، وإنّ القوم فيما بلغنى أجمعوا على قتلى، وأنا أعلم أن لك عند الناس قدرا وهم يسمعون منك، وأحبّ أن تردّهم، وأنا أصير إلى ما تشير به وتراه، ولا أخرج عن أمرك ولا أخالفك، فركب علىّ عليه السلام ومعه سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل، وأبو الجهم حذيفة العدوى، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد [وأبو أسيد](2) الساعدى، وزيد بن ثابت، وحسّان بن ثابت، وكعب بن مالك، ومحمّد بن مسلمة، فكلّموهم فرجعوا إلى مصرهم.

ثم لم ينشبوا حتى رجعوا وادّعوا أمورا أقسم عثمان أنّه لم يعلمها.

وكان مروان يأتى عثمان فيقول: إنّ عليّا يؤلّب عليك الناس، فإذا سمع عثمان ما يقوله مروان يقول: اللهمّ إنّ عليّا أبى إلاّ حبّ الإمارة، فلا تبارك له فيها.

ولمّا نزل المصرّيون بذى خشب، بعث عثمان إليهم محمّد بن سلمة، وجابر ابن عبد الله فى خمسين من الأنصار، ولم يزالوا بهم حتى ردّهم، فرأوا بعيرا وعليه ميسم (3) الصدقة، وعليه غلام لعثمان، معه كتاب فيه: أن اقتل فلانا وفلانا،

ص: 291

فرجعوا إلى عثمان فحصروه، ولمّا أحاطوا بداره فى المرّة الأولى أشرف عليهم عثمان رضى الله عنه فقال: ما الّذى نقمتم علىّ؟ فإنّى معتبكم، ونازل عند محبّتكم.

فقالوا: زدت فى الحمى لإبل الصدقة على حمى عمر.

قال: لأنّ ذلك زاد فى ولايتى، فزدت لها.

قالوا: فإنّك لم تشهد بدرا.

قال (228): لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفنى على ابنته.

قالوا: لم تشهد بيعة الرضوان.

قال: إنّما كانت من أجلى، بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفّق بيده، وشماله خير من يمينى.

قالوا: فررت يوم الزحف.

قال: إنّ الله سبحانه عفا عن ذلك.

قالوا: ضربت أبشارنا، ووليت علينا سفهائنا، وسيّرت خيارنا.

قال: إنّما سيّرت من سيّرت مخافة الفتنة، فمن مات منهم فودوه، واقتصّوا منّى لمن ضربته، وأمّا عمّالى فمن شئتم عزله عزلتموه، ومن شئتم إقراره فأقرّوه.

قالوا: فمال الله الذى أعطيته قرابتك؟

قال: اكتبوا به علىّ للمسلمين صكّا، لأعجّل ما قدرت على تعجيله، وأسعى فى باقيه، إنّى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو أن يقتل نفسا بغير حقّ فيقتل به» ،

ص: 292

والله ما زنيت فى جاهليّة ولا إسلام، ولا قتلت نفسا بغير حقّها، ولا ابتغيت بدينى بدلا منذ هدانى الله عز وجل للإسلام، ولا والله ما وضعت يدى على عورتى مذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إكراما ليده.

فلمّا قال لهم ذلك رجع حلماؤهم على سفهائهم، ولم يقلع بعضهم، فنفذ عثمان إليهم المغيرة، فقالوا: ارجع يا فاسق، ارجع يا أعور! فنفذ عثمان عمرو بن العاص، فقالوا: ارجع يا عدوّ الله، لا سلم الله عليك، ارجع يا بن النابغة، فلست عندنا بأمين ولا مؤتمن! فقال لهم ابن عمر: ليس لهم إلاّ علىّ، فبعث إليه، فأتاه فقال: يا أبا الحسن، ائت القوم، فادعهم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، قال: نعم، إن أعطيتنى عهد الله وميثاقه على أن تفى لهم بما أضمنه عنك، ففعل.

فلمّا أتاهم قالوا له: وراءك وراءك، قال على: بل أمامى، تعطون ما تحبّون:

كتاب الله، والعتبى (229) من كلّ ما سخطتم، فرضوا، وأتى معه أشرافهم حتّى دخلوا على عثمان، وكتب بينهم كتاب، وشهد فيه عبد الله بن عمر، والزبير، وطلحة، وغيرهم، وذلك فى ذى القعدة سنة خمس وثلاثين.

وأشار علىّ عليه السلام على عثمان رضى الله عنه أن يصعد المنبر ويعتذر، فصعد فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من زلّ فليتب، ومن أخطأ فليتب» وأنا أوّل من اتّعظ، فإذا نزلت فليأتنى أشرافكم، فو الله لو ردّنى إلى الحق عبد أو أمة لا تبعته، وما عن الله مذهب إلاّ إليه.

ص: 293

فسرّ الناس بقوله، ثم جاء مروان [فزجر](1) النّاس، وردّهم عن بابه، ولم يزل بعثمان يفتله فى الذروة والغارب، حتى لفته عن رأيه.

فلمّا كانوا بإيلة وجدوا الكتاب (2)، وكان مروان كتبه على لسان عثمان، وهو كان كاتبه، فرجعوا عودهم على بدئهم، وأروه الكتاب، فدخل به على عثمان، فقال: أمّا الخطّ فخطّ كاتبى، وأما الخاتم فعلى خاتمى، فقال علىّ: فمن تتّهم؟ قال: أتّهم كاتبى وأتّهمك، فخرج علىّ عليه السلام مغضبا، وهو يقول:

هو أمرك، ثم جاء المصريّون، فحلف أنّه لم يكتب ولم يأمر، فقالوا: هذا أشرّ يكتب عنك بما لا تعلم؟ ما مثلك يلى أمور المسلمين، فاخلع نفسك من الخلافة.

قال: ما أنزع قميصا قمّصنيه الله سبحانه، فحصر عند ذلك الحصار الثانى، وأجلب عليه محمّد بن أبى بكر الصّدّيق ببنى تيم.

ولمّا حلف عثمان صدّقوه، وعلموا أنّه لا يحلف بباطل، إلاّ أنّهم قالوا: لن تبرأ حتى تدفع إليها مروان، ولمّا حاصروه، ومنعوه الماء، أشرف عليهم فقال:

أفيكم علىّ؟ قالوا: لا، فقال: أفيكم سعد؟ قالوا: لا، فسكت، ثمّ قال: ألا أحد يسقينا ماء؟ فبلغ ذلك عليّا، فبعث إليه بثلاث قرب (230) مملوءة ماء، جرح بسببها عدّة من موالى بنى هاشم وبنى أمية حتّى وصلت إليه، وما كادت تصل إليه.

ص: 294

ثم أشرف عثمان رضى الله عنه يوما على النّاس من داره وهو محصور، فقال: ائتونى بصاحبيكم الّلذين ألّباكم علىّ، فجئ بهما كأنّهما حماران، فقال:

أنشد كما الله، هل تعلمان أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء مستعذب إلاّ بئر رومة، فقال:«من يشترى بئر رومة، فيجعل دلوه فيها مع دلاء المسلمين بخير له منها الجنة؟» ، فاشتريتها من صلب مالى، قالا: اللهم نعم، قال: فعلام تمنعوننى أن أشرب من مائها، وأفطر على الماء الملح؟ ثم قال: أنشد كما الله هل تعلمان أنّ المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يشترى بقعة آل فلان ليزاد فى المسجد بخير منها الجنة؟» ، فاشتريتها من صلب مالى، قالا: الّلهمّ نعم، قال: أنشد كما الله، هل تعلمان أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على [أحد (1)]، أو على حراء، فتحرّك الجبل حتى تساقطت حجارته إلى الحضيض، فركضه برجله وقال:«اسكن، فما عليك إلاّ نبىّ أو صدّيق أو شهيد» ، وفى رواية أنه قال ذلك فى المسجد، وفيه علىّ والزبير وطلحة وسعيد، وقال فيه (2): هل تعلمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ابتاع مربد آل فلان؟» فابتعته بعشرين ألفا، فهل علمتم أنّ أحدا منع أن يصلّى فيه غيرى؟ وقال فيه: هل تعلمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر فى وجوه القوم فقال: «من جهز هؤلاء؟» يعنى جيش العسرة-فجهّزتهم حتى لم يفتقدوا عقالا ولا خطاما، فقالوا: الّلهمّ نعم.

وتمّ الحديث.

ص: 295

ولمّا اشتدّ حصار عثمان قال له سعيد بن العاص: أنا أشير عليك أن تحرم وتلبى، وتخرج فتأتى مكّة، فلا يعرض لك ولا يقدم عليك، فبلغهم (231) ذلك فقالوا: والله لئن خرج لا فارقناه، حتى يحكم الله بيننا وبينه.

ثم كتب عثمان إلى عبد الله بن عامر بن كريز ومعاوية، وأعلمهما أنّ أهل البغى والعدوان عدوا عليه وأحاطوا به، وهم يطلبون قتله أو خلعه، وأمرهما أن ينجداه برجال ذوى بأس ونجدة ورأى، فوجّه إليه ابن عامر مجاشع بن مسعود السلمى فى خمسمائة، ووجّه إليه معاوية حبيب بن مسلمة الفهرى فى ألف فارس، وبلغ أهل مصر ومن معهم من أهل العراق المحاصرين له فعاجلوه.

ويقال: إنّ معاوية أمدّه بأربعة آلاف مع يزيد بن أسد بن كريز البجلى، فتلقاه الناس بمقتل عثمان، فرجع وقال: لو دخلت المدينة وعثمان حىّ ما تركت بها محتلما إلاّ قتلته، لأنّ الخادل والقاتل سواء.

وكان أشار المغيرة على عثمان أن يأمر مواليه ومن معه بالدخول فى السلاح فقعل، ثم أمر مواليه بإلقاء السلاح والانصراف عنه.

فقال الوليد بن عقبة بن أبى معيط:

وكفّ يديه ثم أغلق بابه

وأيقن أنّ الله ليس بغافل

وقال لأهل الدار لا تقتلوهم

عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل

فكيف رأيت الله ألقى عليهم ال

عداوة والبغضاء بعد التّواصل

وكيف رأيت الخير أدبر بعده

عن النّاس إدبار المخاض الحوامل

وانتدب لنصرة عثمان قطن بن عبد الله بن الحصين الحارثى، فقال له عثمان رضى الله عنه: انصرف محمودا راشدا، وأنا أكلهم إلى الله عز وجل، ولا

ص: 296

أقاتلهم، فإنّ ذلك أعظم لحجّتى عليهم، فكان يقول: وددت والله لو قتلت مع عثمان.

وقال أبو هريرة لعثمان رضى الله عنه: أنفرجهم عنك بالضرب؟ فقال: لا، إنّك إن قتلت رجلا واحدا فكأنّما قتلت الناس جميعا.

ودخل زيد بن ثابت على عثمان، فقال: إنّ الأنصار بالباب يقولون إن شئت كنّا أنصار الله مرّتين، فقال عثمان: أمّا القتل فلا.

وقال عثمان لأصحابه: أعظمكم عنّى غناء من كفّ يده وسلاحه.

وقال عثمان: من رأى لنا سمعا وطاعة فليلق سلاحه، فألقى الناس أسلحتهم إلاّ مروان بن الحكم، فإنّه قال: وأنا أعزم على نفسى ألاّ ألقى سلاحى، قال أبو هريرة: كنت فيمن أقسم عليه عثمان، فألقيت سلاحى فما أدرى من أخذ سيفى.

وجاء عبد الله بن الزبير لينصر عثمان، فقال له أنشد الله رجلا أراق فىّ دما، وكان فى الدار مع عثمان سبعمائة رجل، منهم الحسن، والحسين، وعبد الله ابن الزبير.

وأمّر عثمان ابن الزبير على الدار، وقال: من كانت لى عليه طاعة فليطع ابن الزبير، وجاءت أمّ حبيبة بنت أبى سفيان زوج النبى صلى الله عليه وسلم بإداوة (1) فيها ماء إلى عثمان وهو محصور، فمنعت منه، فقالت: إنّه كان المتولّى لوصايانا وأمر أيتامنا، وإنّى أريد مناظرته، فأذنوا لها، فأعطته الإداوة (2).

ص: 297

وقال أسامة بن زيد لعلىّ بن أبى طالب كرمّ اللهّ وجه: أنت واللهّ أعزّ علىّ من سمعى وبصرى، فأطعنى، واخرج إلى أرضك بينبع، فإنّ عثمان إن قتل وأنت بالمدينة رميت بدمه، وإن أنت لم تشهد أمره لم يعدل الناس عنك، فقال ابن عباس لأسامة: يا أبا محمدّ، أيطلب أثر بعد عين؟ أبعد ثلاثة من قريش ينبغى لعلى أن يعتزل؟ وصلى علىّ عليه السلام بالناس يوم النحر وعثمان محصور، فكتب إليه عثمان ببيت الممزّق:

(233)

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل

وإلاّ فأدركنى ولما أمزّق

وهذا البيت للممزّق الشّاعر وبه سّمّى ممزّقا، وإنما اسمه شأس.

ولمّا اجتمعت طوائف الأنصار فى المدينة، خرج عثمان يوم جمعة، فلمّا صعد المنبر قام رجل مصرى فشتمه وعابه، فالتفت عثمان يمينا وشمالا، ينظر هل ينكر عليه أحد، فلم يتكلّم أحد، وقام جهجاه بن سعيد الغفارى، فقال مثل ذلك، وانتزع من عثمان عصا كانت فى يده، فكسرها على ركبتيه، وكانت عصا رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم، فوقعت بعد ذلك الأكلة فى ركبتيه، فما منعه أحد، فقام عثمان فتكلّم كلمات يسيرة على دهش شديد، وصلّى صلاة خفيفة، ثم حفّ به بنو أميّة ومواليه، حتى دخل داره، فحصروه.

واجتمعت الأنصار إلى زيد بن ثابت، فقالوا: ما ترى؟ قال: إنّكم نصرتم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّة، فانصروا خليفته تكونوا أنصار الله مرّتين، فرّد عليه رجل قوله، فقال عبد الله بن سلاّم: الله الله فى دم هذا الرجل، فو الله ما بقى من

ص: 298

أجله إلاّ اليسير، فدعوه يمت على فراشه، فإنكم إن قتلتموه سلّ عليكم سيف الله المغمود، فلن يغتمد حتى يقتل منكم خمسة وثلاثون ألفا.

ولمّا بلغ عليّا عليه السلام أنّهم يريدن قتل عثمان رضى الله عنه قال: إنّما أردنا قتل مروان، فأمّا عثمان فلا والله، وبعث بابنيه الحسن والحسين عليهما السلام وقال: اذهبا بسيفيكما، فقوما على باب عثمان، ولا تدعا أحدا يصل إليه! وبعث الزبير ابنه عبد الله، وبعث عدّة من المهاجرين والأنصار أبناءهم، فمنعوهم من الدخول إلى عثمان، فأصاب الحسين سهم فاختضب بدمه، فلمّا رأى النّاس ما بالحسين (234) من الدم، وشجّ من أبناء المهاجرين محمّد بن طلحة، وشجّ قنبر وأصاب مروان سهم، قالوا: والله لئن رأت بنو هاشم الدماء على وجه الحسين لتعصبنّ له، ولتكشفّن عن عثمان، ولتبطلنّ ما نريد، ولكن مرّوا بنا حتى نتسّور عليه الدار فنقتله، من غير أن يشعر بنا أحد، فتسوّر عليه ثلاثة: سودان ورومان اليمانى ومحمّد بن أبى بكر الصدّيق، فقيل: لم يكن محمّد بن أبى بكر، وإنّما رجل من بنى أسد بن خزيمة، وقيل: رجل من أهل مصر، يقال له: جبلة ابن الأيهم، وجاء رافع بن مالك الأنصارى، ثم الزرقى، لباب عثمان، فأرسل فيه نارا، فأشعلها فى أحد الجانبين فاحترق ووقع، ودفع الناس الباب الآخر، ثم اقتحموا الدار، وقال عدىّ بن حاتم: اقتلوه، فإنّه لا يحيق (1) فيه عتاب، وتهيأ مروان للقتال فى جماعة، فنهاهم عثمان، فقتله كنانة بن بشر بن غياث التّجيبىّ وقتل عمرو بن الحمق الخزاعى.

وأوّل من أدماه نيّار بن عياض الأسلمىّ، وكان بالمدينة نيّاران؛ أحدهما

ص: 299

نيّار الخير، والآخر نيّار الشرّ، وهو هذا الذى أدمى عثمان رضى الله عنه أوّلا.

وقال عبد الله بن سلاّم: أتيت عثمان وهو محصور، فقال: مرحبا يا أخى، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه الليلة، فقال لى: يا عثمان، حصروك؟ قلت:

نعم! قال: فأدلى دلوا فشربت حتى رويت، وإنّى لأجد برد الماء بين ثديىّ وكتفىّ، ثم قال: إن شئت أفطرت عندنا، وإن شئت دعوت الله فنصرت عليهم، فاخترت أن أفطر عندهم، فقتل ذلك اليوم وكان صائما.

ويقال إنّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، وروى أنه قال:

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام، (235) فقال: أنت شاهد فينا الجمعة، فقتل يوم الجمعة قبل الصلاة، فى ذلك اليوم الذى رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام عثمان من ساعته، فلبس سراويله، وما لبسها فى جاهليّة ولا إسلام قبل ذلك اليوم، ودعا بمصحفه فنشره بين يده، فتحرّم به من الفتنة، فقتل رضى الله عنه وهو بين يده.

وروى عقبة بن عامر، قال: رأى النبى صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء أنّه دخل جنّة عدن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فأعطيته تفّاحة، فلمّا وقعت فى يدى انفلقت عن حوراء مرضيّة، كأنّ أشفار (1) عينيها مقادم أجنحة النسور. فقلت: لمن أنت؟ فقالت للخليفة المقتول ظلما، عثمان بن عفان» .

ص: 300

لو يقال إن عثمان رضى الله عنه أخذ يوم الدار الحربة ليقاتل بها، فنودى من السماء: مهلا يا عثمان. فرماها من يده، ورفع كنانة بن بشر التجيبى عمودا من حديد، فضربه على جبهته فخرّ إلى الأرض، وضربه سودان المرادى بالسّيف، فكانت أوّل قطرة قطرت من دمه على المصحف، على قوله تعالى:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»} (1)، ودخل رومان عليه وفى يده خنجر، فقال له: على أىّ دين أنت يا نعثل؟ فقال: لست بنعثل، ولكنّى عثمان، فقال: على أىّ دين أنت؟ فقال: على ملّة إبراهيم حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، وقعد عمرو ابن الحمق على صدره فوجأه (2) تسع وجآت بمشاقص كانت معه، وجاء علىّ عليه السلام مستعجلا، حتى دخل على امرأة عثمان فقال لها: من قتله؟ قالت: لا أدرى دخل عليه رجلان لا أعرفهما إلاّ إذا أريتهما، وكان محمّد بن أبى بكر معهما.

(236)

قال: ولمّا رآه عثمان قال: لو رآك أبوك لساءه مكانك منّى، فتراخت يده عنه، فخرج تائبا، وكان يقول: والله ما قتلته ولا أمسكته، وقتله الرجلان، وصرخت امرأته، فلم يسمع صراخها لما كان فى البيت من الجلبة والغوير (3)، فصعدت سطح الدار وقالت: قتل أمير المؤمنين! فدخل الحسن والحسين عليهما السلام فوجداه مذبوحا.

وروى أنّه لمّا دخلوا على عثمان قامت امرأته فأدخلته بينها وبين ثيابها، وكانت جسيمة، فأدخل رجل من أهل مصر سيفا مصلتا بينها وبين ثيابها،

ص: 301

وكشفت عورتها، فقبضت على السيف، فقطع أصابعها، فقالت لغلام لعثمان:

أعنّى على هذا الفاسق، فضربه الغلام، فقتله.

وبلغ عليّا الخبر فجاء وطلحة وسعد، وجاء أهل المدينة وقد ذهبت عقولهم لتلك المصيبة، فاسترجع الناس ولطم علىّ الحسن، ودفع فى صدر الحسين، وشتم محمّد بن طلحة، ولعن ابن الزبير.

وقاتل دون عثمان فى ذلك اليوم ثلاثة نفر، فقتلوا معه، وهم: عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود، وعبد الله بن عوف، وعبد الله بن عبد الرحمن ابن العوّام بن خويلد.

ولمّا عاد علىّ عليه السلام إلى منزله وهو غضبان، جاءه الناس يهرعون إليه ويقولون: أنت أمير المؤمنين! فقال: ليس هذا إليكم، إنّما ذلك إلى أهل بدر، فمن رضوا به فهو الخليفة، فأتاه أهل بدر، فقالوا: ما نرى أحدا أحقّ بها منك، وسيأتى ذكر ذلك فى موضعه إن شاء الله تعالى.

قال أبو قلابة: دخلت فندقا بالشام فإذا رجل مقطوع اليدين والرجلين، أعمى، ملقى على وجهه، ينادى: يا ويله، النار! فأتيته، فسألته عن حاله، قال: كنت فيمن دخل (237) على عثمان يوم الدار، وكنت فى سرعان من وصل إليه، فلمّا دنوت منه صرخت امرأته، فرفعت يدى فلطمتها، فنظر إلىّ عثمان وتغرغرت عيناه، وقال: سلبك الله يديك ورجليك، وأعمى بصرك، وأصابك بنار جهنّم! فخرجت هاربا حتى أتيت مكانى، فأتانى آت ففعل [بى](1) ما ترى، فو الله ما أدرى إنسيّا كان أو جنّيّا؟ وقد استجاب الله فى يديه ورجليه وبصره،

ص: 302

فو الله ما بقى إلاّ النار، قال أبو قلابة: فهممت أن أطأه برجلى، ثم قلت: بعدا لك وسحقا.

ولمّا وقعت ضربة على يد عثمان رضى الله عنه فقطعتها، قال عثمان: أما والله إنّها لأوّل يد خطت المفصل.

ودعت عائشة رضى الله عنها على أخيها محمّد بن أبى بكر بما ارتكب من عثمان، فقالت: الّلهمّ اقتل مذّمما قصاصا لعثمان، وارم الأشتر بسهم من سهامك لا يشوى، وكان الأشتر ممّن ألبّ على عثمان، وأجلب عليه، وأرد عمّارا بحفرته فى عثمان، فأجاب الله دعاءها فى جميعهم.

وبقى عثمان فى بيته مقتولا يومين أو ثلاثة، وقيل بل يوما وليلة، حتى حمله أربعة رجال، منهم جبير بن مطعم، وامرأة، ولمّا جاءوا ليصلّوا عليه منعوهم، فقال أبو الجهم: إن لا تدعونا نصلّى عليه فقد صلّت عليه الملائكة، ثم صلّى بهم جبير بن مطعم، وحملت أمّ البنين بنت عيينة امرأة عثمان السراج بين أيديهم، وحمل عثمان على باب من جريد، ولقيهم قوم فقاتلوهم حتى طرحوه، فجاء عمير ابن ضابئ البرجمى، فتوطّأ بطنه وهو يقول: ما رأيت كافرا ألين بطنا منه، وكان أبوه ضابئ اندسّ ليتوجّأ عثمان، ويفتك به، ففطن به، فحبسه عثمان فقال وهو محبوس:

(238)

هممت ولم أفعل وكدت وليتنى

تركت على عثمان تبكى حلائله

وما الفتك إلاّ لا مرئ ذى حفيظة

إذا ريع لم ترعد لجبن مفاصله

ص: 303

وكان عمير بن ضابئ ممّن شهد الدار، وقرّعه الحجّاج بذلك حين قتله.

ودفن عثمان رحمه الله وأرضى عنه فى حش كوكب، وهو نخل لرجل يقال له كوكب، والحشّ: البستان، وكان عثمان كثيرا ما يمر بحش كوكب فيقول:

سيدفن فى هذا المكان رجل صالح، وكان عثمان قد اشتراه وزاده فى البقيع، وهو أوّل من دفن فيه، وهى مقبرة بنى أميّة إلى آخر وقت، وصلّى عليه المسوّر ابن مخرمة.

ولمّا منع من دفن عثمان قالت أمّ حبيبة-زوج النبى صلى الله عليه وسلم-وهى واقفة بباب المسجد: ليخلّنّ بيننا وبين عثمان، أو لأكشفنّ ستر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقتل رضى الله عنه يوم الجمعة، لثمانى عشرة ليلة خلت من ذى الحجّة، سنة خمس وثلاثين هجرّية، ودفن ليلا بين المغرب والعشاء، وهو يومئذ ابن اثنتين وثمانين سنة.

وكانت خلافته اثنتى عشرة سنة، غير اثنى عشر يوما، وهو الصّحيح، وكان مقتله-على رأى-إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهرا، وثمانية عشر يوما من مقتل عمر بن الخطّاب رضى الله عنهما، وقبل صلاة العصر فى رواية، وفى أخرى قبل صلاة الجمعة، والله أعلم.

ولمّا جاء الصارخ بقتله قال علىّ عليه السلام ومدّ يده: الّلهمّ إنّى أبرأ إليك من دم عثمان! قال إسحاق بن علىّ: أعيذ عليّا بالله أن يكون قتل عثمان، وأعيذ عثمان بالله أن يكون علىّ قتله.

وهذا ينظر إلى قول النبى صلى الله عليه وسلم: «أشدّ الناس عذابا يوم القيامة من قتل

ص: 304

نبيّا، أو قتله نبىّ، وهو بعينه قول الآخر:(239) كان عثمان أتقى لله أن يقتله علىّ، وكان علىّ أتقى لله أن يقتل عثمان.

وانتهبوا داره، وقالوا: كيف يحلّ لنا دمه، ولم يحلّ لنا ماله؟ فقالت امرأته:

لصوص والله، ما الله أردتم بقتله، ولقد قتلتموه صوّاما قوّاما، يقرأ القرآن فى ركعة، قال الشاعر:

لعمر أبيك فلا تكذبنّ

لقد ذهب الخير إلاّ قليلا

لقد فتن الناس فى دينهم

وأبقى ابن عفّان شرّا طويلا

حسّان بن ثابت يرثى عثمان، فقال:

أبكى أبا عمرو لحسن بلائه

أمسى رهينا فى بقيع الغرقد

وكأنّ أصحاب النّبىّ عشيّة

بدن تنحّر عند باب المسجد

الوليد بن عقبة يرثى عثمان، ويهدّد، ويقول:

بنى هاشم ردوا سلاح ابن أختكم

ولا تنهبوه لا تحلّ مناهبه

فهم قتلوه كى يكونوا مكانه

كما غدرت يوما بكسرى مراذبه

بنى هاشم كيف العداوة بيننا

وعند علىّ سيفه وجنائبه

وقال حسّان:

صبرا جميلا بنى الأحرار لا تهنوا

قد ينفع الصّبر فى المكروه أحيانا

يا ليت شعرى وليت الطير تخبرنى

ما كان شأن علىّ وابن عفّانا (1)

ص: 305

لتسمعنّ وشيكا فى ديارهم

الله أكبر، واثأرات عثمانا

قلت: وهذا البيت الثّالث ليس لحسّان، وإنّما استشهد به، وقد قيل قبل الإسلام بزمن طويل، ذكر ذلك عبد الملك بن هشام فى كتاب التيجان:

ملوك التبابعة من حمير (1)، والله أعلم.

ومن الأبيات:

من سرّه الموت صرفا لا مزاج له

فليأت مأدبة فى دار عثمانا (2)

ضحّوا بأشمط عنوان السجود له

يقطّع اللّيل تسبيحا وقرآنا

ويقال إنّ البيت الأخير لعمران بن حطّان السدوسى، والله أعلم.

وقال حسّان:

قتلتم ولىّ الله فى وسط داره

وجئتم بأمر جائر غير مهتد

فلا ظفرت أيمان قوم تعاونوا

على قتل عثمان الرشيد المسدّد

القاسم بن أمية بن أبى الصلت يقول:

لعمرى لبئس الذّبح ضحيتم به

وخنتم رسول الله فى صاحبه

ليلى الأخيلّية تعزى معاوية وتقول:

قتل ابن عفّان الإما

م وضاع أمر المسلمينا

وتشتتت سبل الرشا

د لصادرين وواردينا

فانهض معاوى نهضة

تشفى بها الداء الدفينا

أنت الذى من بعده

تدعى أمير المؤمنينا

ص: 306

وقال حسّان، وقيل: أيمن بن خزيم (1):

ضّحوا بعثمان فى الشّهر الحرام ضحى

فأىّ ذبح حرام [ويلهم (2)

] ذبحوا

وأى سنّة [كفر (3)

] سنّ أولههم

وباب شرّ على سلطانهم فتحوا

ماذا أرادوا أضل الله سعيهم

بسفك ذاك الدم الزاكى الذى سفحوا

قال سعيد بن المسيّب: قال لى علىّ بن زيد: انظر إلى وجه هذا الرجل، فنظرت، فإذا هو مسودّ الوجه، فقال لى: سله عن أمره. فقلت: حسبى حديثك، فقال: الّلهمّ إنّ هذا يسبّ عثمان وعليّا جميعا، وكنت أنهاه، فلا ينتهى، فقلت:

اللهمّ إنّ هذا يسب رجلين قد سبق لهما ما تعلم، فاللهمّ إن كان ما يقول سخطا فأرنى فيه آية، فاسودّ وجهه كما ترى.

ولمّا قتل أقبل من البصرة مجاشع بن مسعود السلمى فيمن وجّهه عبد الله ابن عامر لنصرة عثمان، فلمّا كان ببعض الطريق بلغه مقتل عثمان، ويقال (241) إنّ الذى أخبره زفر بن الحارث الكلابى لما قال له مجاشع وقد لقيه: ما وراءك؟ قال: قتل نعثل، قال: ويحك، ما تقول؟ قال: أخبرك بالحقّ، وهذه طاقات من شعره معى، قال مجاشع: لعنك الله، ولعن ما أقبل منك وما أدبر، ثم شدّ عليه فقتله، وهو أوّل من قتل بدم عثمان.

ص: 307

ولمّا قفل ابن عبّاس من الحجّ، وكان عثمان أمّره على الحجّ بالناس، فرجع وقد قتل عثمان، فقال لعلىّ: إنّك إن قمت بهذا الأمر ألزمك الناس دم عثمان إلى يوم القيامة.

وقال عبد الله بن عمر: والله ما علمت أنّ عليّا شرك فى دم عثمان فى سرّ ولا علانية، ولكنّه كان رأسا يفزع إليه، فأضيف إليه ما حدث.

وقال أبو موسى الأشعرىّ لمّا قتل عثمان: هذه حيضة من حيضات الفتن، وبقيت المثقلة الرداج (1)، التى من هاج فيها هاجت إليه، ومن أشرف لها أشرفت له.

وكان سعيد بن المسيب يسمّى العام الذى قتل فيه عثمان رضى الله عنه عام الحزن، وقال أبو حميد الساعدى، وكان بدريّا (2): والله ما كنّا نظنّ أنّ عثمان يقتل، الّلهمّ إنّ لك علىّ ألاّ أضحك حتى ألقاك.

وقال ابن عبّاس: لو اجتمع الناس على قتل عثمان لرموا بالحجارة كما رمى قوم لوط.

وكانت عائشة رضى الله عنها تقول: ليتنى كنت نسيا منسيّا قبل أمر عثمان، والله ما أحببت له شيئا إلاّ منيت بمثله، حتى لو أحببت قتله لقتلت. وجاء الأشتر إلى عائشة فقال: يا أمّ المؤمنين، ما ترين هذا الرجل يعنى عثمان، فقالت: معاذ الله أن آمر بسفك دماء المسلمين، وقتل إمامهم، واستحلال حرمتهم، لعن الله

ص: 308