الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاءت جيوش الرّوم فأحاطت بالمسلمين من كلّ جانب، فكتب أبو عبيدة لعمر بن الخطّاب رضى الله عنه كتابا يطلب المدد، ويعلمه ما هم فيه، فبكى المسلمون لما قرئ عليهم كتاب أبى عبيدة، وقالوا: سيّرنا إلى إخواننا وسر معنا، فلو قدمت الشام شدّ الله ظهور المسلمين! فقال (142) للّذى جاء بالكتاب: كم بين المسلمين وبين الروم؟ قال: بين أدناهم وبين المسلمين ثلاثة أيّام، وبين جمعهم وجمعهم خمس ليال، فقال عمر: هيهات، متى يأتى هؤلاء غياثنا، ثم كتب إلى أبى عبيدة كتابا شجّعه فيه، ورغّبه فى الشهادة، وأخبره بقوله تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ»} (1)، وسيّر نجدة بألف فارس، فلمّا دخلوا عسكر أبى عبيدة قويت نفوسهم.
ذكر وقعة اليرموك
قال: وسار أبو عبيدة بالنّاس من دمشق حتى نزل اليرموك، ولما تدانى العسكران لم يتقّدم عليهم الروم، وألقى الله فى قلوبهم الرّعب، هذا والمسلمون على مصافّهم، ثم انصرفت الرّوم عنهم ذلك اليوم، فلمّا كان من الغد وأقبلت الرّوم كأنّها سحابة منقضة، بدر أمراء الأجناد يعظون أصحابهم، فبرز معاذ ابن جبل رضى الله عنه، وقال: معاشر المسلمين اصبروا، فو الله لا ينجيكم اليوم إلاّ الصبر، ثم نزل عن فرسه وقال: من أراد أن يركبه ويقاتل عليه فليفعل، فوثب عليه ابنه عبد الرحمن، وهو غلام حين احتلم، وقال: يا أبت، إنّى لأرجو أن لا يكون فارس أعظم غناء منّى، ولا راجل أعظم غناء منك.
وحملت الرّوم حملة رجل واحد، فزال المسلمون عن الميمنة إلى القلب، وانكشفوا عن راياتهم، وصبرت طوائف من قبائل العرب مع أمرائهم، وحمل خالد بن الوليد رضى الله عنه على ميسرة الرّوم، وقد كانت دخلت عسكر المسلمين حتى صارت ميمنة المسلمين، والقلب شيئا واحدا، فقتل خالد-وهو فى قريب من الألف-ستّة آلاف فارس، وكان بإزائه قريب من المائة ألف، فنادى خالد رضى الله عنه: يا أهل الإسلام، لم يبق للقوم من الحلية إلاّ (143) ما رأيتم، الشّدة الشّدة، فو الذى نفسى بيده إنّى لأرجو أن يمنحكم الله تعالى أكتافهم، وانتهى خالد فى تلك الساعة بالحملة إلى [الدّرنجار](1)، وفض الله جموع الروم، وهم ثلاثة عساكر.
وكان لمّا انهزم المسلمون أولا سمعوا صوتا ملأ العسكر يقول: يا نصر الله اقترب، الثّبات الثّبات يا معشر المسلمين، فانعطف عليه، فإذا هو أبو سفيان ابن حرب تحت راية ابنه يزيد.
وانتهى الرّوم إلى مكان مشرف على أهوية، فسقط فى تلك الأهوية تقدير ثمانين ألفا، لم يعدوا إلاّ بالقصب، وبات المسلمون على مراكزهم، فلمّا أصبحوا لم ينظروا فى ذلك الوادى شيئا، فظنّوا أنّ العدوّ قد كمن لهم، فبعثوا الخيل إثرهم، فأخبرهم الرعاة أنّه قد ترحّل منهم البارحة نحو من أربعين ألفا فاتّبعهم خالد فى الخيل، فقتل سائرهم، حتى مرّ بدمشق فاستقبله أهلها فسألوه البقاء على العهد، ففعل، ثم مرّ فى إثرهم حتى أتى حمص، فخرج إليه أهلها فقالوا: نحن