الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة ستّ للهجرة النبويّة
النيّل المبارك فى هذه السّنة:
الماء القديم ثمانية أذرع وأربعة أصابع، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ومكّة بأيدى المشركين من قريش، والشام ومصر بأيدى الروم، والعراق وفارس واليمن بأيدى الفرس.
وفيها كانت غزوة الغابة (1)، وغزوة الحديبية.
وفيها كان إنفاذ الرسل إلى الملوك، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الحكم، قال: حدّثنا هشام بن إسحاق وغيره قال: لمّا كان سنة ستّ من الهجرة ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزاة الحديبية بعث إلى الملوك، قال:
حدّثنا أسد بن موسى قال حدّثنا عبد الله بن وهب قال حدّثنا يونس بن زيد عن ابن شهاب قال: حدّثنى عبد الرحمن بن عبد القوى (2) أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وتشّهد، ثم قال: «أمّا بعد فإنّ أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك العجم، فلا تختلفوا علىّ كما اختلف بنو إسرائيل على عيسى بن مريم، وذلك أنّ الله تعالى أوحى إلى عيسى بن مريم أن ابعث الحواريّين إلى ملوك الأرض، فأمر الحواريّين، فأمّا القريب مكانا فرضى، وأمّا البعيد مكانا فكره وقال: لا أحسن كلام من تبعثنى إليه، فقال عيسى: اللهم أمرت
الحواريّين (42) بالذى أمرت (1) فاختلفوا علىّ، فأوحى الله إليه: إنّى سأكفيك، فأصبح كلّ إنسان منهم يتكلّم بلسان الذين وجّهه إليهم»، فقال المهاجرون:
يا رسول الله، والله لا نختلف عليك أبدا فى شئ فمرنا وابعثنا! فبعث حاطب ابن أبى بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندريّة، وشجاع بن وهب الأسدىّ إلى كسرى (2)، وبعث دحية بن خليفة إلى قيصر، وبعث عمرو بن العاص إلى ابنى الجلندى أميرى عمان.
قال: فمضى حاطب بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا انتهى إلى الإسكندريّة وجد المقوقس فى مجلس مشرف على البحر، فركب فى البحر فلمّا حاذى مجلسه أشار بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين إصبعيه، فلمّا رآه أمر بالكتاب فقبض، وأمر به فأوصل إليه، فلمّا قرأ الكتاب قال: ما منعه إن كان نبيّا أن يدعو [علىّ](3) فيسلّط علىّ؟ فقال حاطب: ما منع عيسى بن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل به ويفعل (4)؟ فوجم المقوقس ساعة ثم استعادها، فأعادها عليه حاطب، فسكت، فقال له حاطب: إنّه قد كان قبلك رجل زعم أنّه الربّ الأعلى فانتقم الله به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر بك، وإنّ لك دينا لن تدعه إلاّ لما هو خير منه، وهو الإسلام الكافى الله به فقد ما سواه،
وما بشارة موسى بعيسى إلاّ كبشارة عيسى بمحمّد صلى الله عليه وسلم، وما دعاؤنا إيّاك إلى القرآن إلاّ كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنّا نأمرك به، ثم قرأ الكتاب، وهو: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمّد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد، فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرّتين: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم: {أَلاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا (43) بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اِشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ (1)} »، فلمّا قرأه أخذه فجعله فى حقّ من عاج وختم عليه.
قال (2): حدّثنا عبد الرحمن قال حدّثنا عبد الله بن سعد المذحجىّ عن ربيعة ابن عثمان عن أبان بن صالح، قال: أرسل المقوقس إلى حاطب ليلة، وليس عنده إلاّ ترجمان، فقال: ألا تخبرنى عن أمور أسألك عنها فإنّى أعلم أنّ صاحبك قد تخيّرك حين بعثك، قلت: لا تسألنى عن شئ إلاّ صدقتك، قال: إلى ما يدعو محمّد؟ قال: إلى أن تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتخلع ما سواه، ويأمر بالصّلاة، قال: فكم تصلّون؟ قال: خمس صلوات فى اليوم والليلة، وصيام شهر رمضان وحجّ البيت، والوفاء بالعهد، وينهى عن أكل الميتة والدم ولحم الخنزير، قال:
من أتباعه؟ قال: الفتيان من قومه وغيرهم، قال: فهل يقاتل (3) قومه؟ قال:
نعم، قال: صفه لى؟ قال: وصفت صفة من صفته لم آت عليها، قال: قد بقيت
أشياء لم أرك ذكرتها، أفى عينيه حمرة قلّ ما تفارقه؟ وبين كتفيه خاتم النبوة؟ ويركب الحمار؟ ويلبس الشملة؟ ويجتزئ بالتمرات (1) والكسر لا يبالى من لاقى [من] عمّ ولا ابن عمّ؟ قلت: هذه صفته! قال: قد كنت أظنّ مخرجه الشام، وهناك كانت تخرج الأنبياء من قبله، فأراه قد خرج من العرب فى أرض جهد وبؤس، والقبط لا تطاوعنى فى اتّباعه، ولا أحبّ أن تعلم بمحاورتى إيّاك، وسيظهر على البلاد، وتنزل أصحابه بعده بساحتنا هذه حتّى يظهروا على ما هنا، وأنا لا أذكر للقبط من هذا حرفا، فارجع إلى صاحبك!
قال (2): ثمّ رجع إلى حديث هشام بن إسحاق، قال: ثمّ دعا كاتبا يكتب بالعربيّة فكتب: لمحمّد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام، أمّا بعد:
فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت، وما تدعو إليه، وقد علمت أنّ نبيّا قد بقى، وقد كنت أظنّ أنّه يخرج من الشام (44) وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان فى القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام.
فلمّا قدم حاطب اتّخذ النبى صلى الله عليه وسلم إحدى الجاريتين لنفسه، ووهب الأخرى لجهم بن قيس العبدرى، فهى أمّ زكريّا بن جهم الذى كان خليفة عمرو بن العاص على مصر، ويقال بل وهبها لحسّان بن ثابت، فهى أمّ عبد الرّحمن بن حسّان، ويقال بل وهبها لمحمّد بن مسلمة الأنصارى، ويقال بل وهبها لدحية بن خليفة الكلبىّ.
قال: حدّثنا عبد الملك بن مسلمة، قال حدّثنا إسماعيل بن عبّاس عن أبى بكر بن أبى مريم عن راشد بن سعد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو بقى إبراهيم ما تركت قبطيّا إلاّ وضعت عنه الجزية، والله أعلم.
وفيها كانت بيعة الرضوان، وفيها خرج صلّى الله عليه معتمرا، فصدّه المشركون.
وفيها كانت غزاة بنى المصطلق (1)، وأنزلت آية التيمّم، وحديث الإفك، وبنى لحيان، وعمرة الحديبية.
وفيها كانت عدّة سرايا وغزوات، منها سريّة عكاشة، وسريّة محمّد بن سلمة، وسريّة أبى عبيدة بن الجراح، وسريّة زيد بن حارثة، وسريّته أيضا، وسريّته أيضا، وسريّته أيضا إلى وادى القرى (2)، وسريّة علىّ بن أبى طالب كرّم الله وجهه.
وفيها تزوّج عمر بن الخطّاب رضى الله عنه جميلة بنت ثابت أخت عاصم ابن ثابت، والله أعلم.