الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث والسبعون
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلَاةِ". قَالَ بِلَالٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ، فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ:"يَا بِلَالُ، أَيْنَ مَا قُلْتَ؟ ". قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ. قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ، قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ". فَتَوَضَّأَ فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى.
قوله: "سِرنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم" قد مرّ في باب "الصَّعيد الطَّيِّب"، من كتاب التيمم، ما جرى من الخلاف في تعيين تلك السفرة، ولأبي نعيم في "المُسْتخرج" من هذا الوجه في أوله:"كنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو يسير بنا" وزاد مُسلم، من طريق عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة في أول الحديث قصة له في مسيره مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنه صلى الله تعالى عليه وسلم نَعَس حتى مال عن راحلته، وأن أبا قتادة دعمه ثلاث مرات، وأنه في الأخيرة مال عن الطريق، فنزل في سبعة أنفس، فوضع رأسَه، ثم قال:"احفظوا علينا صلاتَنا"، ولم يذكر ما وقع عند البخاري من قول بعض القوم: لو عرست بنا، ولا قول بلال: أنا أوقظكم. ولم تعرف تسمية هذا السائل، والتعريس: نزول المسافر لغير إقامة، وأصله نزول آخر الليل، وجواب لو محذوف تقديره لكان أسهل علينا.
وقوله: "أنا أوقظكم"، زاد مسلم في رواية:"فمن يوقظنا". وقوله: "فغلبته
عيناه"، في رواية السَّرخسي: "فغلبت" بغير ضمير. وقوله: "فاستيقظ النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد طلع حاجب الشمس"، في رواية مسلم: "فكان أول من استيقظ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والشمس في ظهره". وقوله: "يا بلال، أين ما قلت؟ "، أي: أين الوفاء بقولك: أنا أوقظكم؟. وقوله: "مثلها"، أي: مثل النومة التي وقعت له. وقوله: "إن الله قبض أرواحكم"، هو كقوله تعالى:{يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42]، ولا يلزم من قبض الروح الموت، فالموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ظاهرًا وباطنًا. والنوم انقطاعه عن ظاهره فقط. زاد مسلم: أما أنه ليس في النوم تفريط.
والرُّوحُ يُذكَّر ويؤنَّث، وهو جوهر لطيف نورانيّ يكدره الغذاء والأشياء الردية الدنية، مدرك للجزئيات والكليات، حاصل في البدن، متصرف فيه، غني عن الاغتذاء، بريء من التحلل والنماء، ولهذا يبقى بعد فناء البدن، إذ ليست له حاجة إلى البدن، ومثل هذا الجوهر لا يكون من عالم العنصر، بل من عالم الملكوت. فمن شأنه أن لا يضره خلل البدن، ويلتذ بما لا يلائمه، ويتألم بما ينافيه، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا
…
} [آل عمران: 169] الآية، وقوله عليه الصلاة والسلام:"إذا وُضع الميت على نعشه رفرف روحه فوق نعشه، ويقول: يا ولدي ويا أهْلِي".
فإن قيل: كيف يفسر الروح وقد قال تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85]، أُجيب بأن معناه من الإبداعات الكائنة بـ"كن"، من غير مادة، وتولد من أصل، على أن السؤال كان عن قدمه وحدوثه، وليس فيه ما ينافي تفسيره. وقد استوفينا الكلام عليه في كتاب "متشابه الصفات".
وقوله: "حين شاء"، حين في الموضعين ليست لوقت واحد، فإن نوم القوم لا يتفق غالبًا في وقت واحد، بل يتتابعون فيكون "حين" الأُولى خبرًا عن أحيان متعددة. وقوله:"قم فأَذِّن بالناس بالصلاة"، أي: بتشديد ذال أذِّن وبالموحدة فيهما. وللكشمَيهنيّ: "فأذّن" بالموحدة وحذف الموحدة من "بالناس"، وأذن
معناه: أَعْلِمْ. وقوله: "فتوضأ"، زاد أبو نعيم في "المستخرج": فتوضأ الناس، فلما ارتفعت
…
، وعند المصنف في "التوحيد":"فقضوا حوائجهم، فتوضأوا إلى أن طلعت الشمس"، وهو أبين سياقًا ونحوه لأبي داود.
ويستفاد منه أن تأخير الصلاة إلى أن طلعت الشمس وارتفعت، كان بسبب الشغل بقضاء حوائجهم، لا لخروج وقت الكراهة، وقيل غير ذلك، لما مرّ في باب الصعيد الطيب. وقوله:"وابياضّت" وزنه افْعَالّ، بتشديد اللام، مثل: احْمارّ وابْهارّ، أي: صفت. وقيل: إنما يقال ذلك في كل لون بين لونين فأما الخالص من البياض مثلًا، فإنما يقال له أبيض.
وقوله: "فصلى"، زاد أبو داود "بالناس". وفيه من الفوائد غير ما تقدم، جواز التماس الأتباع ما يتعلق بمصالحهم الدنيوية، والاحتراز عما يحتمل فوات العبادة عن وقتها بسببه، وجواز التزام الخادم القيام بمراقبة ذلك، والاكتفاء في الأمور المهمة بالواحد، وقبول العذر ممن اعتذر بأمر سائغ، وتسويغ المطالبة بالوفاء بالالتزام. وتوجهت المطالبة على بلال بذلك، تنبيهًا له على اجتناب الدعوى، والثقة بالنفس وحسن الظن بها، لاسيما في مظانّ الغلبة، وسلب الاختيار، وإنما بادر بلال إلى قوله:"أنا أوقظكم"، اتباعًا لعادته في الاستيقاظ في مثل ذلك الوقت، لأجل الأذان.
وفيه خروج الإِمام بنفسه في الغزوات والسرايا، وفيه الرد على منكري القدر، وأنه لا واقع في الكون إلا بقدر. واستدل به بعض المالكية على عدم قضاء السنة الراتبة؛ لأنه لم يذكر فيه أنهم صلوا ركعتي الفجر، ولا دلالة فيه، لأنه لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع، لاسيما وقد ثبت أنه ركعهما في حديث أبي قتادة هذا عند مسلم، ويأتي في باب مفرد لذلك في أبواب التطوع.
قلت: مذهب مالك أن سنة الفجر خصوصًا من دون الرواتب كلها تقضى إلى الزوال، وبهذا قال محمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يقضيهما إذا فاتت وحدها وإذا فاتت مع الفرض قضاهما. واستدل به المهلب على أن الصلاة الوسطى هي الصبح. قال: لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر