الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع والأربعون
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِينَةِ نُزُولاً فِي بَقِيعِ بُطْحَانَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَأَصْحَابِي وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، فَأَعْتَمَ بِالصَّلَاةِ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ:"عَلَى رِسْلِكُمْ أَبْشِرُوا، إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ". أَوْ قَالَ: "مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ". لَا يَدْرِى أَيَّ الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ. قَالَ أَبُو مُوسَى: فَرَجَعْنَا فَفَرِحْنَا بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قوله: "في بقيع بطحان"، بفتح الموحَّدة وكسر القاف، المكانُ المتسع من الأرض، ولا يسمى بقيعًا إلا وفيه شجرٌ أو أُصولها. وبُطحان، بضم الموحدة وسكون الطاء، واد بالمدينة، وحكي فيه فتح الباء وكسر الطاء. وقوله:"نفر"، مرفوع لأنه فاعل يتناوب، والنفر عدة رجال من الثلاثة إلى عشرة. وقوله:"وله بعض الشغل في بعض أمره"، وروى الطبريّ من وجه صحيح عن جابر أن الشغل المذكور كان في تجهيز جيش. وقوله:"فأعتم في صلاة"، فيه دلالة على أن تأخير النبيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم إلى هذه الغاية لم يكن قصدًا، ومثله في حديث ابن عمر الآتي قريبًا "شغل عنها ليلة"، وكذا قول عائشة:"أعتم بالصلاة ليلةً" فهذا كلّه يدل على أن ذلك لم يكن من شأنه، والفصل في ذلك حديث جابر:"كانوا إذا اجتمعوا عجل، وإذا أبطأوا أخَّر".
وقوله: "حتى ابْهارَّ الليل"، أي: طلعت نجومه واشتبكت، والباهر: الممتلىء نورًا، وقيل: ابهارّ الليل: كَثُرَت ظُلمته، وابهارّ القمر: كَثُر ضوءُه. وقيل: ابهارٌ انتصف، مأخوذ من بهرة الشيء، وهو وسطه، ويؤيده أن في بعض الروايات:"حتى إذا كانَ قريبًا من نصف الليل، وتأتي عن أبي سعيد، ويأتي في حديث أنس عند المصنف: "إلى نصف الليل"، وفي الصحاح: "ابهار الليل: ذهب معظمه وأكثره، وعند مسلم من رواية أم كلثوم عن عائشة:"حتى ذهب عامة الليل".
وقوله: "على رِسلِكم" بكسر الراء ويجوز فتحها، والمعنى تأنَّوا. وقوله:"أبشروا"، من الإبشار. يقال: بَشَر وبَشَّر وأبْشَر بمعنى. وقوله: "إنَّ من نعم الله أنه"، بكسر همزة إن، وفتح همزة أنه خبر إن. واستدل بذلك على فضل تأخير صلاة العشاء، ولا يعارض ذلك فضيلة أول الوقت لما في الانتظار من الفضل، لكن قال ابن بطال: ولا يصح ذلك الآن للأئمة، لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بالتخفيف، وقال:"إن فيهم الضعيف وذا الحاجة"، فتَرْكُ التطويل عليهم في الانتظار أَوْلى، وقد روى أبو داود والنَّسائيّ وابنُ خُزيمة وغيرهم، عن أبي سعيد:"صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العَتَمة، فلم يخرج حتى مضى نحوٌ من شطر الليل، فقال: "إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم، وإنكم لن تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتم الصلاة، ولولا ضعف الضعيف، وسقم السقيم، وحاجة ذي الحاجة، لأخَّرتُ الصلاة إلى شطر الليل".
ويأتي في حديث ابن عباس قريبًا: "لولا أن أَشُقَّ على أُمَّتي لأَمرتهم أن يصلُّوها هكذا"، وللتِّرمذيَّ وصححه، عن أبي هُريرة:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه"، فعلى هذا من وجد قوة على تأخيرها، ولم يغلبه النوم، ولم يشق على أحد من المأمومين، فالتأخير في حقه أفضل. وقال العيني: قال أصحابنا: إن كان القوم كسالى يستحب التعجيل، وإن كانوا راغبين يستحب التأخير، وقد مرّ باقي الكلام عليه في باب "وقت المغرب"، عند حديث جابر.