الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث والعشرون
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ.
قوله: "إذا سكت المؤذن"، أي: فرغ من الأذان بالسكوت عنه، بالمثناة الفوقية في الروايات المعتمدة، وحكى ابن التّين أنه رُوي بالموحدة، ومعناه صب الأذان وأفرغه في الأذان، ومنه أفرغ في أذني كلامًا حسنًا. والرواية المذكورة لم تثبت في شيء من الطرق، وإنما ذكرها الخَطّابيّ عن الأوزاعيّ، عن الزُّهريّ. وقال: إن سُويد بن نَصر، راويها عن ابن المبارك، عنه، ضبطها بالموحدة. وأفرط الصَّغانيّ فجزم بأنها الموحدة. وقال: إن المحدثين يقولونها بالمثناة، وأنها تصحيف. وقوله:"بالأولى"، أي: عن الأولى، فالباء بمعنى عن، كقوله تعالى:{فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} ، أي: عنه، وهي متعلقة بسكت. يقال: سكت عن كذا إذا تركه، والمَراد بَالأولى الأذان الذي يؤذن به عند دخول الوقت، وهو أول باعتبار الإقامة، وثان باعتبار الأذان الذي قبل الفجر. وجاءه التأنيث إما من قبل مواخاته للإقامة، أو لأنه أراد المناداة أو الدعوة التامة. ويحتمل أن يكون صفة لمحذوف، والتقدير إذا سكت عن المرة الأولى أو في المرة الأولى. وقد أخرج البَيهقيّ "أن النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم، كان يخرج بعد النداء إلى المسجد، فإن رأى أهل المسجد قليلًا جلس حتى يجتمعوا، ثم يصلي"، وإسناده قوي مع إرساله، وليس بينه وبيّن حديث الباب تعارض؛ لأنه يحمل على غير الصبح، أو كان يفعل ذلك بعد أن يأتيه المؤذن، ويخرج معه إلى المسجد.
وقوله: "فركع ركعتين خفيفتين"، مرّ البحث فيه مستوفى عند حديث حَفصة في باب "الأذان بعد الفجر". وقوله:"يَسْتَبِين"، أي؛ بموحدة، وآخره نون، وفي رواية:"يستنير" بنون، وآخره راء. وقوله:"اضطجع على شقِّه الأيمن" بكسر الشين المعجمة، قيل: الحكمة في تخصيص الأيمن أن القلب في جهة اليسار، فلو اضطجع عليه لاستغرق نومًا، لكونه أبلغ في الراحة، بخلاف اليمين، فيكون القلب معلقًا فلا يستغرق، وأيضًا يكون انحدار المثقل إلى سفل أسهل وأكثر، فيكون سببًا لدغدغة قضاء الحاجة، فينبه أسرع. وهذا في حقه عليه الصلاة والسلام غير محتاج إليه؛ لأن قلبه لا ينام، ولا يكثر من الطعام، وإنما يفعله لأجل التعليم لأمته، وكان يحب التيامن في كل شيء، والنوم على اليمين نوم الصالحين، وعلى اليسار نوم الحكماء، وعلى الظهر نوم الجبارين، وعلى الوجه نوم الكفار.
وفائدة هذه الضجعة الراحة والنشاط لصلاة الصبح، وعلى هذا فلا يستحب ذلك إلا للمتهجد، وبه جزم ابن العربيّ، ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق أن عائشة كانت تقول:"إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لم يضطجع لِسِنة، ولكنه كان يدأب ليلته فيستريح"، وفي إسناده راوٍ لم يسم، وقيل: إن فائدتها الفصل بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح، وعلى هذا فلا اختصاص. ومن ثَمّ قال الشافعي: تتأدى السُّنة بكل ما يحصل به الفصل من مشي وكلام وغيره. وقال النوويّ: المختار أنه سنة لظاهر حديث أبي هريرة. وقد قال أبو هريرة، راوي الحديث: إن الفصل بالمشي إلى المسجد لا يكفي، وعنى بحديثي أبي هُريرة ما أخرجه أبو داود والتِّرمذيّ بإسناد صحيح على شرط الشيخين، أنه قال:"قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه".
وأفرط ابن حزم فقال: يجب على كل واحد، وجعله شرطًا لصحة صلاة الصبح، ورد عليه العلماء حتى طعن بعضهم في صحة الحديث، والحق أنه تقوم به الحجة، ولكنه محمول على الاستحباب لما ورد في الأحاديث
الصحاح، من أنه عليه الصلاة والسلام لم يداوم عليها، ومن ذهب إلى أن المراد به الفصل لا يتقيد بالأيمن، ومن قيد بالأيمن قال: يختص ذلك بالقادر، وأما غيره فهل يسقط الطلب أو يومىء بالاضطجاع، أو يضطجع على الأيسر؟ وقال ابن حزم: يومىء ولا يضطجع على الأيسر، ولم ينقل عن غيره، وذهب بعض السلف إلى استحببها في البيت دون المسجد، وهو محكى عن ابن عمر، وقوّاه بعض الشيوخ بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه فعله في المسجد، وصح عن ابن عمر أنه كان يحصب من يفعله في المسجد. أخرجه ابن أبي شَيبة.
ونقل عياض أن الاضطجاع على اليمين عند مالك، وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة بدعة مكروهة، ولكن محل كراهته عند مالك إذا فعله على وجه السُّنِّة لا على وجه الاستراحة، ويدل لمالك ومن معه ما مرّ عن عائشة عند ابن أبي شَيبة، وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يُصلي بالليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين، فهذا الاضطجاع كان بعد صلاة الليل، وقبل ركعتي الفجر، ولم يقل أحد إن الاضطجاع قبلهما سنة، فكذا بعدهما.
وقد روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها، كما عند البخاريّ، أنها قالت:"إن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع"، فهذا يدل على أنه ليس بسنة، وأنه تارة كان يضطجع قبل، وتارة بعد، وتارة لا يضطجع. وقد أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود إنكار الاضطجاع، وأخرج أيضًا عن إبراهيم النخعيّ أنها ضجعة الشيطان. وما أجاب به القائل بسنيتها من أنهما لم يبلغهما الأمر بفعله بعيد جدًا في ابن مسعود؛ لأنّه صاحب السواد. وقد مرّ عن ابن عمر حصبه لفاعلها في المسجد. وروي عنه أنه بدعة. وأخرج ابن أبي شيبة أيضًا عن الحسين أنه كان لا يعجبه الاضطجاع.