الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع عشر
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ. قَالَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ مَالِكٌ ابْنُ بُحَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَاثَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ أَرْبَعًا، الصُّبْحَ أَرْبَعًا.
قوله: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل، لم يسق المصنف لفظ رواية إبراهيم بن سعد، بل تحول إلى رواية شُعْبةَ، فأوهم أنهما متوافقتان، وليس كذلك، فقد ساق مسلم رواية إبراهيم بن سَعْد بالسند المذكور، ولفظه "مرَّ برجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح" فكلمه بشيء لا ندري ما هو، فلما انصرفنا أحطنا به نقول: ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال قال لي "يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعًا" ففي هذا السياق مخالفة لسياق شعبة، في كونه صلى الله عليه وسلم كلم رجلًا وهو يصلي، ورواية شعبة تقتضي أنه كلمه بعد أن فرغ، ويمكن الجمع بينهما بأنه كلمه أولًا سرًا، فلهذا احتاجوا أن يسألوه، ثم كلمه ثانيًا جهرًا فسمعوه، وفائدة التكرار تأكيد الإنكار، ثم قال: وحدثني إلخ.
هذا إسناد آخر في الحديث الأول، وفي بعض النسخ ذكر حاء التحويل، وقوله: سمعت رجلًا من الأزْد، في رواية الأصيلي "من الأسْد" بالمهملة الساكنة بدل الزاي الساكنة، وهي لغة صحيحة. وقوله: يقال له مالك بن بُحينة، هكذا يقول شُعْبَة في هذا الصحابيّ وتابعه على ذلك أبو عَوانةَ وحماد بن سلمة وحكم
الحفّاظ يحيى بن مَعين وأحمد والبخاريّ ومسلم والنَّسائيّ، وغيرهم عليهم بالوهم فيه في موضعين أحدهما أن بحينة والدة عبد الله لا مالك، والثاني أن الصحبة والرواية لعبد الله لا لمالك.
قال ابن سعد قدم مالك بن القِشْب مكة، يعني في الجاهلية، فحالف بني المطلب بن عبد مناف، وتزوج بُحينة بنت الحارث بن المطلب واسمها عَبْدَة، وبُحيْنَةُ لقب، وأدركت بحيْنَةُ الإِسلام. وأسلمت وصحبت، وأسلم ولدها عبد الله. وعلى أنها أم عبد الله ينبغي أن يكتب ابن بُحَيْنَةَ بزيادة ألف، ويعرب إعراب عبد الله، كما في عبد الله بن أُبيّ بن سَلُول، ومحمد بن عَليّ بن الحَنَفية.
وقوله: رأى رجلًا، هو عبد الله الراوي كما رواه أحمد عن محمد بن عبد الرحمن بن ثَوبان عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ به وهو يصلي" وفي رواية أخرى له "خرج وابن القِشْب يصلي" ووقع نحو هذه القصة لابن عباس أيضًا قال:"كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة، فجذبني النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: أتصلي الصبح أربعًا" أخرجه ابن خُزَيْمة وابن حِبَّان والبَزَّاز والحاكم وغيرهم، فيحتمل تعدد القصة.
وقوله: لاث، مثلثة خفيفة، أي دار وأحاط. قال ابن قُتيبة: أصل اللوث الطي يقال لاث عمامته إذا أدارها. وقوله: به الناس، ظاهره أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن طريق إبراهيم بن سعد المتقدمة تبين أن الضمير للرجل، وقوله: آلصبح أرْبعًا، بهمزة ممدودة في أوله، ويجوز قصرها، وهي استفهام إنكار، وأعاده تأكيدًا للإنكار، والصبحَ بالنصب بإضمار "أتصلي" الصبح، وأربعًا منصوب على الحال، وقيل على البدلية، ويجوز الرفع، أي الصبحُ تصلى أربعًا؟
واختلف في حكمة هذا الإنكار، فقال عياض: لئلا يتطاول الزمان فيظن وجوبها، ويؤيده قوله في رواية إبراهيم بن سَعْد "يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعًا" وعلى هذا إذا حصل الأمن لا يكره ذلك، وهو متعقب بعموم حديث
الترجمة. وقال النوويّ: فيه أن يتفرع للفريضة من أولها، فيشرع فيها عقب شروع الإِمام، والمحافظة على مكملات الفريضة أَولى من التشاغل بالنافلة، وقيل لئلا تلتبس صلاة الفرض بالنفل، وقيل: الحكمة في الإنكار هي عدم الفصل بين الفرض والنفل، لئلا يلتبسا، وإلى هذا جنح الطَّحَاويّ، واحتج له بالأحاديث الواردة بالأمر بذلك، وتعقبه في الفتح قائلاً: لو كان المراد مجرد الفصل بين الفرض والنفل لم يحصل إنكار أصلًا؛ لأن ابن بحينة سلّم من صلاته قطعًا، ثم دخل في الفرض، وتعقب هذا الاستدلال بأن المراد فصل بغير السلام طويل، لا مجرد السلام. ثم قال: ويدل على ذلك حديث قيس بن عمر الذي أخرجه أبو داود وغيره "إذا صلى ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة الصبح، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله، لم ينكر عليه قضاءها بعد الفراغ من صلاة الصبح" متصلًا فدل على أن الإنكار على ابن بُحَيْنَة إنما كان للتنفل حال صلاة الفرض، وهو موافق لعموم حديث الترجمة، وقد مرَّ عنده تحرير مذهب المالكية، وأنهم استدلوا به على أن لا تُبتدأ صلاة بعد الإقامة، واستدلوا بقوله أيضًا "فلا صلاة إلا المكتوبة" على قطع الصلاة التي هو فيها إذا أقيمت صلاة الراتب. قال ابن عبد البَرّ وغيره: الحجة عند التنازع السنة، فمن أدلى بها فقد أفلح وترك التنفل عند إقامة الصلاة، وتداركها بعد أداء الفرض أقرب إلى اتباع السنة، ويتأكد ذلك من حيث المعنى، بأن قوله في الإقامة "حي على الصلاة" معناه: هلموا على الصلاة التي يقام لها، فأسعد الناس بامتثال هذا الأمر من لم يتشاغل عنه بغيره.
وقالت الشافعية والحنابلة بكراهة صلاة ركْعَتَي الفجر عند الإقامة، مستدلين بحديث الترجمة. وقال أبو حامد وكثير من الشافعية: إنه يقطع النافلة إذا أقيمت الفريضة، وخص آخرون منهم النَّهْيَ بمن ينشىء النافلة عملًا بعموم قوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أعْمَالَكُم} [محمد: 33] وقيل: يفرق بين من يخشى فوت الفريضة في الجماعة فيقطع، وإلا فلا. وقالت الحنفية: لا بأس أن يصليهما خارج المسجد عند بابه، إذا تيقن أنه يدرك الركعة الأخيرة مع الإِمام، لأنه أمكنه الجمع بين الفضيلتين، فضيلة السنة وفضيلة الجماعة، وإنما قيدوا