الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس عشر
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ وَبَدَا الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ.
قوله: "كان إذا اعتكف المؤذن للصبح"، هكذا وقع عند جمهور رواة البُخاريّ، وقد استشكله كثير من العلماء، والحديث في"المُوطَّأ" عند جميع رواته بلفظ:"كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح"، ورواه مسلم كذلك، وهو الصواب، وفي رواية الهَمْدانيّ:"كان إذا أذّن" بدل "اعتكف"، وهي تشابه الرواية المصوبة، وأطلق جماعة من الحُفَّاظ بأن الوهم فيه من شيخ البخاري، عبد الله بن يوسف، ووجه ابن بطال رواية المصنف بأن معنى اعتكف المؤذِّن: أي لازم ارتفاعه ونظره إلى أن يطلع الفجر، ليؤذن عند أول إدراكه. قالوا: وأصل العكوف لزوم الإقامة بمكان واحد، وتعقب بأنه يلزم منه أنه كان لا يصليهما إلا إذا وقع ذلك من المؤذن، لما يقتضيه مفهوم الشرط، وليس كذلك لمواظبته عليهما مطلقًا.
قلت: يمكن أن يجاب عن التعقب المذكور بأنّ التعبير بذلك تعبير بالأغلب من حال المؤذن لا لإرادة الشرطية. قالوا: والحق أن لفظ اعتكف مُحَرَّف من لفظ سكت، وقد أخرجه المصنف في باب "الركعتين قبل الظهر" بلفظ:"كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر"، وقوله:"وبدا الصبح"، بغير همز، أي: ظهر. وأغرب الكرماني فقال: إنه من النداء بالنون المكسورة والهمزة بعد المد، وكأنّه ظن أنه معطوف على قوله:"للصبح" فيكون التقدير: واعتكف لنداء الصبح، وليس كذلك، فإن الحديث في جميع نسخ "الموطأ" والبخاريّ
ومسلم بالباء الموحّدة المفتوحة، وبعد الدال ألف، والواو فيه واو الحال، لا واو العطف، وبذلك تتم مطابقة الحديث للترجمة.
وقوله: "صلى ركعتين خفيفتين"، وفي رواية عائشة عند المصنف في التهجد:"حتى إني لأقول: "هل قرأ بأم الكتاب؟ "، والمراد بالركعتين ركعتا الفجر، واختلف في حكمة تخفيفهما، فقيل: ليبادر إلى صلاة الصبح في أول الوقت، وبه جزم القُرطبيّ. وقيل: ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين، كما كان يصنع في صلاة الليل ليدخل في الفرض، أو ما شابهه في الفضل بنشاط واستعداد تام. وقيل: إنهما قدر حساب الأمة المحَمَّديَّة، وقد تمسك بقول عائشة: هل قرأ بأم الكتاب؟ من زعم أنه لا قراءة في ركعتي الفجر أصلًا، وهو قول محكي عن أبي بكر الأصم وإسماعيل بن عُليّة. وتعقب هذا بما يأتي من الأحاديث في قراءته بالسورتين الآتيتين، وليس معنى هذا أنها شكت في قراءته صلى الله تعالى عليه وسلم الفاتحة، وإنما معناه أنه كان يطيل في النوافل، فلما خفف ركعتي الفَجر صار كانه لم يقرأ بالنسبة إلى غيرها من الصلوات، فلابد من القراءة، ولو وصفت الصلاة بكونها خفيفة، فكأنَّها أرادت قراءة الفاتحة فقط، أو قرأها مع شيء يسير. واقتصر المصنف على هذا، أعني في الباب الآتي؛ لأنه لم يثبت عنده على شرطه تعيين ما يقرأ به فيهما، وفي تخصيصهما أم القرآن بالذكر إشارة إلى مواظبته لقراءتها في غيرها من صلاته.
وقد روى ابن ماجه بإسناد قوي عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي ركعتين قبل الفجر، وكان يقول:"نِعْمَ السُّورتان يُقرأ بهما في ركعتي الفجر: قل يا أيُّها الكافرون، وقُلْ هو الله أحد"، ولابن أبي شَيبة عن ابن سِيرين عنها:"كان يقرأ فيهما بهما"، ولمسلم عن أبي هُريرة أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قرأ فيهما بهما"، وللتِّرمذيّ والنَّسائيّ عن ابن عمر: "رمقت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم شهرًا، فكان يقرأ فيهما بهما"، وللتِّرمذيّ عن ابن مسعود مثله بغير تقييد، وكذا للبزار عن أنس، ولابن حبَّان عن جابر ما يدل على الترغيب في قراءتهما بهما.