الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثلاثون
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ إِنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي. فَقُلْتُ لأَبِى قِلَابَةَ كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي قَالَ مِثْلَ شَيْخِنَا هَذَا. قَالَ وَكَانَ شَيْخًا يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى.
قوله: وما أريد الصلاة، استشكل نفي هذه الإرادة، لما يلزم عليها من وجود صلاة غير قربة، ومثلها لا يصح، وأجيب بأنه لم يرد نفي القربة، وإنما أراد بيان السبب الباعث له على الصلاة في غير وقت صلاة معينة جماعة، وكأنه قال: ليس الباعث على هذا الفعل حضور صلاة معينة، من أداء أو إعادة أو غير ذلك وإنما الباعث لي عليه قصد التعليم، وكأنه كان تعين عليه حينئذ لأنه أحد من خوطب بقوله "صَلّوا كما رأيتموني أصلي" كما يأتي، ورأى أن التعليم بالفعل أوضح من القول، ففيه دليل على جواز مثل ذلك، وأنه ليس من باب التشريك في العبادة، لأن قصده كان التعليم وليس للتشريك فيه دخل، ويتعين حمل قوله في الرواية الآتية في باب المُكْث بين السجدتين "وذلك في غير حين الصلاة" على أن المراد به غير وقت صلاة من المفروضة، حتى لا يدخل فيه أوقات المنع من النافلة، لتنزيه الصحابيّ عن التنفل حينئذ، وليس في اليوم والليلة وقت أجمع على أنه غير وقت لصلاة من الخمس، إلا من طلوع الشمس إلى زوالها.
وقوله: أصلي كيف رأيت، أي أصلي هذه الصلاة على الكيفية التي رأيت رسول الله في يصلي عليها، وفي الحقيقة كيف مفعول فعل مقدر تقديره أريكم كيف رأيت، وقد صرح بالمقدر في باب كيف يعتمد على الأرض عن وُهَيب،
ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت إلخ. والمراد من الرواية لازمها، وهي كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم، لأن كيفية الرؤية لا يمكن أن يريهم إياها.
وقوله: فقلت لأبي قِلابَةَ القائل هو أيوب السَّختيانيّ. وقوله: مثل شيخنا هذا، هو عمرو بن سَلِمة كما صرح به في باب "اللَّبث بين السجدتين" ويأتي تعريفه قريبًا. وقوله: في الركعة الأُولى، يتعلق بقوله من السجود، أي السجود الذي في الركعة الأولى، لا بقوله قبل أن ينهض؛ لأن النهوض يكون منها لا فيها، ويجوز أن تكون الركعة الأولى خبر مبتدأ محذوف، أي هذا الجلوس أو هذا الحكم به كان في الركعة الأولى، ويجوز أن تكون كلمة "في" بمعنى "من" على حد قوله:
ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال
أي من ثلاثة أحوال. وفي قوله يجلس، أن ينهض في الركعة الأولى مشروعية جلسة الاستراحة، وأخذ بها الشافعيّ وطائفة من أهل الحديث. وعن أحمد روايتان، وذكر الخَلاّل أن أحمد رجع إلى القول بها، ولم يستحبها الأكثر، بل في "العُتْبِيَّة" عن مالك كراهيتها. وقال الشافعي في الأم: يقوم من السجدة الثانية ولم يأمر بالجلوس. فقال بعض أصحابه: إن ذلك على اختلاف حالين، إن كان كبيرًا أو ضعيفًا جلس، وإلا لم يجلس، وقيل: إن أحمد أيضًا فَصّل بين الضعيف وغيره، وقال التِّرمِذِيّ: العمل عند أهل العلم على عدم الجلوس، وقال أبو الزِّناد: وتلك السنة، واحتج الأكثر النافي لها بخلو حديث أبي حُمَيد عنها، فإنه ساقه بلفظ "فقام ولم يتورّك" وأخرجه أبو داود أيضًا كذلك، قالوا: فلما تخالفا احتمل أن يكون ما فعله في حديث مالك بن الحويرث لعلة كانت به فقعد لأجلها، لا أن ذلك من سنة الصلاة، وتعقب هذا بأن الأصل عدم العلة، وبأن مالك بن الحُوَيْرث هو راوي حديث "صلوا كما رأيتموني أصلي" فحكاياته لصفات صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة تحت هذا الأمر، واستدل الأكثرون أيضًا بقوله عليه الصلاة والسلام "لا تبادروني بالقيام والقعود، فإني قد بدنت" فدل على أنه كان يفعلها لهذا، فلا تشرع إلا في حق من اتفق له نحو ذلك.