الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع عشر
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ الأَرْضَ وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَرَجُلٍ آخَرَ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَالَ لِي وَهَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِى لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ قُلْتُ لَا. قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
هذا الحديث مرَّ في باب الغُسْل والوضوء من المخضب، ومرَّ هناك ما يتعلق بتفسير ألفاظه، ولنذكر هنا فوائده مجموعة مع فوائد الذي قبله، ففيه من الفوائد غير ما مرَّ، أن البكاء، وان كثر، لا يبطل الصلاة، لأنه صلى الله عليه وسلم بعد أن علم حال أبي بكر في رقة القلب وكثرة البكاء، لم يعدِل عنه، ولا نهاه عن البكاء، وحكمه عند الأئمة قال العَيْنيّ: قال أصحابنا: إذا بكى في الصلاة فارتفع بكاؤه، فإنْ كان من ذكر الجنة أو النار لم يقطع صلاته، وإن كان من وجع في بدنه أو مصيبة في ماله أو أهله أبطلها، وبه قال مالك وأحمد. وقال الشافعيّ: البكاء والأنين والتأوه يبطل الصلاة إذا كانت حرفين، سواء بكى للدنيا أو للآخرة، وتحرير القول في هذه المسألة عند المالكية هو ما نظمه شيخنا أحمد بن محمد سالم بقوله:
بكاءَ مَن صَلّى بلا بُهتْانِ
…
مُنْحَصِرٌ في صُوَرٍ ثمانِ
لأنه إما بصوت أو لا
…
غَلَبَةً أو اختيارًا حَلَاّ
فالكُلُّ من حوادث المصائب
…
أو الخُشوع من مُنِيب تائب
ففي الجميع الصوت مهما فُقِدا
…
فَعَدَمُ البُطلانِ عنهم وُجدا
إلا إذا ما كثر اختيارا
…
فيقع البطلان لا اضطرارا
كذا إذا بصوت، والنحيبِ
…
غَلَبَة من خَشْيَة الرقيبِ
وفي الثلاثة البواقي بطلت
…
أقسامه محكمة هنا انتهت
وفيه تقديم أبي بكر وترجيحه على جميع الصحابة، وفضيلة عمر بعده، وجواز الثناء في الوجه لمن أُمن عليه الإعجاب، وملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه، وخصوصًا لعائشة، وجواز مراجعة الصغير الكبير، والمشاورة في الأمر العام، والأدب مع الكبير لِهَمِّ أبي بكر بالتأخر عن الصف، وإكرام الفاضل لأنه أراد أن يتأخر حتى يستوي مع الصف، فلم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم يتزحزح عن مقامه، وفيه أن الإيماء يقوم مقام النطق. واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الإشارة يحتمل أن يكون لضعف صوته، ويحتمل أن يكون للإعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق.
وفيه تأكيد أمر الجماعة والأخذ فيها بالأشد، وإن كان المرض يرخص في تركها، ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد، وإن كانت الرخصة أولى، وقال الطّبريّ: إنما فعل ذلك لئلا يعذر أحد من الأئمة بعده نفسه بأدنى عذر، فيتخلف عن الإمامة، ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لأهليته لذلك، حتى إنه صلى خلفه، واستدل به على جواز استخلاف الإِمام لغير ضرورة، لصنيع أبي بكر، وعلى جواز مخالفة موقف المأموم للضرورة، كمن قصد أن يبلغ عنه ويلتحق به من زحم عن الصف، وعلى جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض، وهو قول الشَّعبيّ واختيار الطَّبريّ، وأومأ إليه البُخاري فيما يأتي، وتعقب بأن أبا بكر إما كان مبلغًا كما يأتي في باب "من أسمع الناس التكبير" من رواية أخرى عن الأعمش، وكذا ذكره مسلم، وعلى هذا فمعنى الاقتداء اقتداؤهم بصوته، ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسًا، وكان أبو بكر قائمًا، فكان بعض أفعاله يخفى على بعض المأمومين، فمن ثمَّ كان أبو بكر كالإمام في حقهم، واستدل به الطَّبريّ على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به، ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة. وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة، وعلى جواز تقدم إحرام المأموم على الإِمام بناء على أن أبا