الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس والسبعون
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ نَسِىَ صَلَاةً، فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَاّ ذَاكَ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي". قَالَ مُوسَى: قَالَ هَمَّامٌ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي.
قوله: "من نسي صلاة فليصلِّ"، وقع في جميع الروايات بحذف المفعول، ورواه مسلم بلفظ:"فليُصلِّها"، وهو أبين للمراد، وزاد مسلم في رواية:"أو نام عنها" وقد تمسك بدليل الخِطاب منه القائل: إن العامد لا يقضي الصلاة؛ لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن مَن لم ينس لا يصلي، وقال: من قال: يقضي العامد، بأن ذلك مستفاد من مفهوم الخطاب، فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأنه إذا أوجب القضاء على الناسي مع سقوط الإثم، ورفع الحرج عنه، فالعامد أولى. وادّعى بعضهم أن وجوب القضاء على العامد يؤخذ من قوله:"نسي" لأن النسيان يطلق على الترك سواء كان عن ذهول أم لا، ومنه قوله تعالى:{نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} ، {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} ، ويقول ذلك قوله:"لا كَفَّارَةَ لها"، والنائم والناسي لا إثم عليهما، ويرد هذا البحثَ أن الخبر بذكر النائم ثابتٌ، وقد قال فيه لا كفارة لها، والكفارة قد تكون عن الخطأ، كما تكون عن العمد في قتل الخطأ، والقائل بأن العامد لا يقضي لم يرد أنه أخف حالًا من الناسي، بل يقول إنه لو شرع القضاء لكان هو والناسي سواء، والناسي غير مأثوم بخلاف العامد، فالعامد أسوأ حالًا من الناسي، فكيف يستويان؟
ويمكن أن يقال: إن إثم العامد بإخراجه الصلاة عن وقتها باق عليه ولو
قضاها، بخلاف الناسي، فإنه لا إثم عليه مطلقًا، أو يقال: إن القائل بعدم وجوب القضاء على العامد، وهو داود، ويروى عن عمر وابنه وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وسلمان رضي الله تعالى عنهم، والقاسم بن محمد وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز جعل إثمه أشد من الكفارة، كما قال مالك في يمين الغَموس، فإنه لا يكفر عنده، لعظم إثمه، ويمكن أن يجاب عن الحديث بأن القيد بالنسيان فيه لخروجه على الغالب، أو لأنه ورد على سبب خاص، مثل أن يكون ثمة سائل عن حكم قضاء الصلاة المنسية، وشرط اعتبار مفهوم المخالفة عدم الخروج على الغالب، وعدم وروده على السبب الخاص.
وقد يقال: وجوب القضاء على العامد بالخطاب الأول؛ لأنه قد خوطب بالصلاة، وترتبت في ذمته، فصارت دينًا عليه، والدَّين لا يسقط إلا بأدائه، فيأثم بإخراجه لها عن الوقت المحدود لها، ويسقط عنه الطلب بأدائها، فمن أفطر في رمضان عامدًا فإنه يجب عليه أن يقضيه مع بقاء إثم الإفطار عليه.
وفي الحديث دلالة على أن أحدًا لا يصلي عن أحد. قال العينيّ: وهو حجة على الشافعيّ، وفيه أيضًا أن الصلاة لا تجبر بالمال كما يجبر الصوم وغيره، اللهم إلا إذا كانت صلوات فائتة فحضره الموت، فأوصى بالفدية عنها، فإنه يجوز. قاله العينيّ. قلت: لعل هذا جائز في مذهبه لا في مذهبنا.
وقوله: قال موسى، قال همام: سمعته يقول بعدُ للذكرى، أي: قال هذا موسى أحد الشيخين المذكورين دون أبي نعيم، وبعدُ بالضم، أي: في وقت آخر، والحاصل أن همامًا سمعه من قتادة مرة بلفظ للذكرى، بلامين وفتح الراء بعدها ألف مقصورة، وعند مسلم أن الزهري كان يقرؤها كذلك، ومرة كان يقولها قتادة بلفظ لذكري بلام واحدة وكسر الراء، وهي القراءة المشهورة.
واختلف في ذكر هذه الآية، هل هو من كلام قتادة، أو من كلام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم؟ وفي رواية لمسلم قال قتادة:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ، وفي رواية أخرى له عن قتادة، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "إذا