الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أبو بكر بن العربيّ: اختلف فيها الصحابة، ولم يفعلها أحد بعدهم، وخالف هذا محمد بن نصر، فقال: رَوَيْنا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب، ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن بُريدة ويحيى بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعِراك بن مالك، ومن طريق الحسين أنه سُئل عنهما، فقال: حَسَنَتين والله لمن أراد بهما. وعن سعيد بن المُسيَّب أنه كان يقول: حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين، ولكن هذا لفظ عام لا يستدل به لهاتين الركعتين؛ لأن الخلاف الحاصل في استثنائهما وعدمه.
قلت: يمكن أن يجاب عما قاله ابن العربيّ بأنه لم يثبت عنده ما نقله محمد بن نصر، ومطابقة حديث أنس هذا للترجمة من جهة الإشارة إلى أن الصحابة إذا كانوا يبتدرون إلى الركعتين قبل صلاة المغرب مع قصر وقتها، فالمبادرة إلى التنفل قبل غيرها من الصلوات تقع من باب الأولى، ولا يتقيد بركعتين إلا ما ضاهى المغرب في قصر الوقت، كالصبح. قلت: الصبح وقته ليس بضيق، بل هو من أوسع الأوقات.
رجاله خمسة:
الأول: محمد بن بشّار، وقد مرّ في الحادي عشر من العلم، ومرّ غُندر في الخامس والعشرين من الإيمان، ومرّ شُعبة في الثالث منه، ومرّ أنس في السادس منه، ومرّ عمرو بن عامر في الثامن والسبعين من الوضوء.
فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والإخبار كذلك في موضع، والعنعنة في موضع، والسماع والقول في أربعة، ورواته ما بين مدنى وبَصْريّ وواسطيِّ. أخرجه البُخاريّ في الصلاة أيضًا، والنَّسائيّ فيها.
ثم قال: قال: وقال عثمان بن جبلة وأبو داود، عن شُعبة: لم يكن بينهما إلا قليل. قال ابن حجر: لم تتصل لنا رواية عثمان بن جَبَلَةَ ولا رواية أبي داود، وزعم مُغَلْطاي أن الإسماعيليّ وصلها في مستخرجه، وليس كذلك، وإنما
أخرجه الإسماعيليّ من رواية عثمان بن عمر، كما مرّ، ورجال التعليق ثلاثة:
الأول: عثمان بن جبلة، وقد مرّ في الرابع والمئة من الوضوء.
الثاني: أبو داود، يحتمل أن يكون الطَّيالسيّ، ويحتمل أن يكون الحَفَريّ، ولابد من تعريف ذين.
فالأول: سُليمانُ بن داود بن الجارود أبو بكر الطَّيالسيّ البصريّ الحافظ، فارسيّ الأصل. قال ابن مَعين: هو مولى لآل الزُّبير، وأمه فارسية. قال عمرو بن علي الفَلّاس: ما رأيت في المحدثين أحفظ من أبي داود، سمعته يقول: أسرد ثلاثين ألف حديث ولا فخر، وهو ثقة. وقال ابن المَدِينيّ: ما رأيت أحفظ منه. وقال عمر بن شَبّة: كتبوا عن أبي داود بأصبهان أربعين ألف حديث عن أبي داود، وليس معه كتاب. وقال بندار: ما يكتب على أحد من المحدثين ما يكتب عليه، لما كان من حفظه ومعرفته وحسن مذاكرته.
وقال ابن مَهْدي: أبو داود أصدق الناس، وقال النعمان بن عبد السلام: ثقة مأمون، وقال أبو مسعود الرازيّ: ما رأيت أحدًا أكثر في شعبة منه. قال: وسألت أحمد عنه، فقال: ثقة صَدوق. فقلت: إنه يخطىء. فقال: يحتمل له. وقال النَّسائيّ: ثقة من أصدق الناس لهجة. وقال وكيع: أبو داود جبل العلم، وقال العجليّ: بصريّ ثقة. وكان كثير الحفظ، رحلت إليه فأصبته قد مات قبل قدومي بيوم، وكان قد شرب البلاذُر هو وعبد الرحمن بن مهدي، فجَذِمَ هو، وبَرِصَ عبد الرحمن، فحفظ أبو داود أربعين ألفًا، وحفظ عبد الرحمن عشرة آلاف حديث. وقال عثمان الدارمي: قلت لابن مَعين: أبو داود أحب إليك في شُعبة، أو حرميّ؟ فقال: أبو داود صدوق، وأبو داود أحبّ إليّ. قلت: فأبو داود أحب إليك أو عبد الرحمن بن مهدي؟ قال: أبو داود أعلم به. قال عثمان: عبد الرحمن أحب إلينا في كل شيء، وأبو داود أكثر رواية عن شُعبة. وقال وكيع أيضًا: ما بقي أحفظ لحديث طويلٍ من أبي داود.
وذكر يونُس بن حَبيب الزبيري أن أبا داود ذاكرهم بحضرة شُعبة، فقال شُعبة
له: يا أبا داود، لا نجيء بأحسن مما جئت به. وقال الخطيب: كان حافظًا متقنًا ثبتًا. وقال يونس بن حبيب: قدم علينا أبو داود، وأملى علينا من حفظه مئة ألف حديث، أخطأ في سبعين موضعاً، فلما رجع إلى البصرة كتب الينا بأني أخطأت في سبعين موضعًا، فأصلحوها. وقال عامر بن إبراهيم الأصبهانيّ: سمعت أبا داود قال: كتبت عن ألف شيخ. وقال سليمان بن حرب: كان شُعْبَة إذا قام أملى عليهم أبو داود ما مر لشُعبة. وقال أحمد بن سعيد الدَّارميّ: سألت أحمد بن حنبل عن من يكتب حديث شُعبة، قال: كلنا نقول: وأبو داود حتى يكتب عن أبي داود، ثم عن وهب، أما أبو داود فللسماع، وأما وهب فللإتقان.
وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال ابن أبي حاتم: قيل أن أبا داود كان محله أن يذكر شُعبة. قال عبد الرحمن: وسمعت أبي يقول: أبو داود محدث صدوق، كان كثير الخطأ، وهو أحفظ من أبي. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وربما غلط. وقال إبراهيم الجَوْهريّ: أخطأ أبو داود في ألف حديث. وقال ابن عديّ: قال محمد بن المنهال الضَّرير: قلت لأبي داود صاحب الطيالسة يومًا: سمعت من ابن عون شيئًا، قال: فتركته سنة، وكنت أتهمه بشيء قبل ذلك، حتى ينسى ما قال، فلما كان سنة قلت له: يا أبا داود، سمعت من ابن عون شيئًا؟ قال: نعم، قلت: كم؟ قال: عشرون حديثًا ونيف. قلت: عدّها عليّ، فعدّها كلها، فإذا هي أحاديث يَزيد بن زُرَيع ما خلا واحدًا له ما أعرفه. قال ابن عَديّ، وأبو داود الطَّيالسيّ في زمانه كان أحفظ من بالبصرة، مقدمًا على أقرانه لحفظه ومعرفته، وما أدري لأي معنى قال فيه ابن المنهال ما قال، وهو كما قال عمرو بن عليّ: ثقة، وإذا جاوزت في أصحاب شُعبة مُعاذ بن مُعاذ وخالد بن الحارث ويحيى القطّان وغندر، فأبو داود خامسهم.
وله أحاديث يرفعها، وليس بعجب من يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطىء في أحاديث منها، يرفع أحاديث يوقفها غيره، ويوصل أحاديث يرسلها غيره، وإنّما أتى ذلك من حفظه. وأما أبو داود عندي وعند غيري إلا متيقظًا ثبتًا. روى عن أيمن بن نابل وإبراهيم بن سعد وشُعبة والثَّوريّ وزُهير بن
معاوية وشَيْبان النَّحويّ وغيرهم. وروى عنه أحمد بن حنبل وابن المَدِينيّ وعمرو بن علي الفَلّاس وبندار. وروى عنه جرير بن عبد الحميد الرّازيّ، وهو من شيوخه. مات بالبصرة سنة ثلاث أو أربع ومئتين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة لم يستكملها. ذكر المزيّ أن البخاري استشهد به، وهو كما قال. ولكن وقع في الجامع في تفسير سورة المدَّثِّر: حدثنا محمد بن بشّار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وغيره، قالا: حدثنا حرب بن شداد، فذكر حديثًا، والمكنى عنه في هذا الحديث هو أبو داود الطَّيالسيّ، بيّنه أبو عَروبة الحَرّاني.
الثاني المحتمل: عمر بن سعد بن عبيد أبو داود الحَفَري، بالتحريك نسبة إلى حَفَر، موضع بالكوفة. قال ابن مَعين: ثقة، وقدمه على قَبيصة وأبي أحمد ومحمد بن يوسف في حديث سُفيان. وقال وكيع: إن كان يدفع بأحد في زماننا فبأبي داود. وقال ابن المَدينيّ: لا أعلم أني رأيت بالكوفة أعبد منه. وقال أبو حاتم: صدوق، كان رجلًا صالحًا. وقال أبو داود: كان جليلًا جدًا. وقال ابن سَعْد: كان ناسكًا زاهدًا، له فضل وتواضع. وقال ابن حِبَّان في "الثقات": كان من العباد الخُنّس. وقال عثمان بن أبي شيبة: كنا عنده في غرفته وهو يملي، فلما فرغ قلت له: أترب الكتاب؟ قال: لا، الغرفة بالكراء.
وقال العجلىّ: كان رجلًا صالحًا متعبدًا، حافظًا لحديثه، ثبتًا. وكان فقيرًا متعففًا، والذي يظهر له من الحديث ثلاثة آلاف أو نحوها. وكان أبو نُعيم يأتيه ويعظمه، وكان لا يتم الكلام من شدة توقّيه، ولم يكن بالكوفة بعد حُسين الجعفيّ أفضل منه. وقال ابن وضّاح: كان أبو داود أزهد أهل الكوفة. قال: وسمعت محمد بن مَسعود يقول: هو أحب إليَّ من حُسين الجُعفيّ، وكلاهما ثقة. روى عن الثَّوريّ ومِسعَر ومالك بن مغول وهشام بن سعد وشريك وغيرهم. وروى عنه أحمد وإسحاق بن راهويه وعليّ بن المَدينيّ وهارون الحَمّال وخلق. مات بالكوفة في جمادى الأولى سنة ثلاث ومئتين.
والثالث: شعبة، وقد مرّ في الثالث من الإيمان.