الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن المُبَارك وفُضيْل بن عِيَاض والنَّضْر بن شُمَيْل وغيرهم، وروى عنه البُخاريّ وأبو داود وأحمد بن حَنْبل وأبو حاتم وأبو زُرعة وغيرهم.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بصيغة الجمع، والإخبار بصيغة الجمع والإفراد، والقول والسماع، ورواية صحابي عن صحابي، وفيه شيخ البخاري من أفراده، ورواته ما بين مروزيي وبصريّ ومدنيّ، وقد مرَّ ذكر مواضعه. ثم قال المصنف:
باب إنما جعل الإمام ليؤتم به
هذه الترجمة قطعة من الحديث الآتي في الباب، والمراد بها أن الائتمام يقتضي متابعة المأموم لإمامه في أحوال الصلاة، فتنتفي المقارنة والمسابقة والمخالفة، إلا ما دل الدليل الشرعيّ عليه، ولهذا صَدّر المصنف الباب بقوله.
"وصلى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في مرضهِ الذي تُوفيّ فيهِ بالناسِ وهو جالسٌ"
يعني والناس خلفه قيامًا، ولم يأمرهم بالجلوس. كما يأتي، فدل على دخول التخصيص في عموم قوله "إنما جعل الإمام ليؤتم به" وهذا التعليق مر مسندًا من حديث عائشة.
ثم قال: وقالَ ابنُ مسعودٍ: إذا رَفعَ قبلَ الإمام يعودُ ليمكثُ بقَدْر ما رَفعَ، ثم يَتْبَعُ الإِمامَ.
وهذا وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وسياقه أتم، ولفظه "لا تبادروا أئمتكم بالركوع ولا بالسجود، وإذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد، فليسجد ثم ليمكث قدر ما سبق به الإمام"، وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم "إنما جعل الإمام ليؤتم به" ومن قوله "وما فاتكم فاتموا". وروى عبد الرَّزَّاق عن معمر نحو قول ابن مسعود، ولفظه "أيما رجل رفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود، فليضع رأسه بقدر رفعه إياه" وإسناده صحيح. قال الزَّيْنُ بن المُنير: إذا كان الرافع المذكور يؤمر عنده بقضاء القدر الذي خرج عن الإمام، فأولى أن يتبعه في جملة
السجود، فلا يسجد حتى يسجد، وظهرت بهذا مناسبة هذا الأثر للترجمة، ومذهب مالك إن خفض أو رفع قبل إمامه أن يرجع إن علم إدراك إمامه قبل الرفع، وإلا فلا يرجع إلا إذا كان لم يأخذ فرضه مع الإِمام، فيرجع مطلقًا.
ويقول مالك: قال أحمد وإسحاق والحَسَن والنَّخَعِيّ، وروى نحوه عن عمر رضي الله عنه، وقال ابن عمر: من ركع أو سجد قبل إمامه لا صلاة له، وهو قول أهل الظاهر، وقال الشافعيُّ وأبو ثَوْر: إذا ركع أو سجد قبله فإن أدركه الإمام فيهما أساء، ويجزئه. قلت: وكذا عند المالكية. قال العينيّ: ولو أدرك الإمام في الركوع فكبر مقتديًا به، ووقف حتى رفع رأسه فركع لا يجزئه عندنا، خلافًا لِزُفَرْ. قلت: وكذلك لا يجزئه عندنا اتفاقًا، وابن مسعود مرَّ في كتاب الإيمان قبل ذكر حديث منه.
ثم قال: وقالَ الحسنُ فيمنْ يركعُ مع الإمام ركعتين ولا يَقْدِرُ على السجودِ، يسجدُ للركعةِ الآخرةِ سجدتينِ، ثمّ يقضي الَركعةَ الأُوْلى بسجودِهَا، وفيمنْ نسيَ سجدةً حتَّى قامَ يسجدُ.
قوله: يسجد، يعني يطرح القيام الذي فعله على غير نظم الصلاة، ويجعل وجوده كالعدم. وقوله: ولا يقدر على السجود، أي لزحام ونحوه عن السجود بين الركعتين. وقوله: الآخرة في رواية "الأخيرة" وإنما سجد للركعة الأخيرة دون الأولى لإتصال الركوع الثاني به، وفي كلام الحسن فرعان: الفرع الأول وصله ابن المنذر في كتابه الكبير، ورواه سعيد بن منصور عن هُشيم عن يونس عن الحسن، ولفظه في الرجل يركع يوم الجمعة، فيزحمه الناس فلا يقدر على السجود. قال: فإذا فرغوا من صلاتهم سجد سجدتين لركعته الأولى، ثم يقوم فيصلي ركعة وسجدتين.
قلت: هذا اللفظ مخالف لما في المتن، لأن لفظ المتن يسجد للركعة الأخيرة سجدتين، ولفظ هذا سجد سجدتين لركعته الأولى، ومقتضى هذا الأثر أن الإمام لا يتحمل الأركان، فمن لم يقدر على السجود معه لم تصح له الركعة،
ومناسبته للترجمة من جهة أن المأموم لو كان له أن ينفرد عن الإمام لم يستمر متابعًا في صلاته التي اختل بعض أركانها حتى يحتاج إلى تداركه بعد فراغ إمامه. والفرع الثاني وصله ابن أبي شَيْبَة، وسياقه أتم، ولفظه في رجل نسي سجدة من أول صلاته فلم يذكرها حتى كان آخر ركعة من صلاته. قال: يسجد ثلاث سجدات، فإن ذكرها قبل السلام سجد سجدة واحدة، وإن ذكرها بعد انقضاء الصلاة استأنف. قلت: في المسألة التي هي مسألة الزحام. قال مالك: لا يسجد على ظهر أحد، فإن خالف يعيد أبدًا.
قال العَيْنِيّ: قال أصحابنا والشافعيّ وأبو ثَوْر: يسجد ولا إعادة عليه، والحكم في مسألة الزحام عند معاشر المالكية، أنه إن زوحم عن الركوع فإن كان في الركعة الأُولى، أي بالنسبة للمأموم، تركه ولحق الإمام في أي محل كان من غير تفصيل، وإن كان في غير الأولى يمكنه فعله قبل عقد الإمام الركوع التي تليها ولحق الإمام وقضى تلك الركعة بعد فراغ الإمام، وإن زوحم عن سجدة أو سجدتين كان الحكم كذلك إن طمع في فعل ذلك قبل عقد الإمام للركوع فعل، وإلا تركه وقضى الركعة بعد فراغ الإمام، والحكم عندنا في الفرع الثاني أن من نسي سجدة يسجدها متى ذكرها، ما لم يعقد ركوع التي تليها برفع رأسه، فإن عقد تركها وألغى الركعة التي هي منها، وبنى على ما صح من الركعات، وإن كان سَلّم بني أيضًا على ما صح إن قرب السلام، ولم يخرج من المسجد، والحسن المراد به البَصْريّ، وقد مرَّ في الرابع والعشرين من الإيمان.