الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي والأربعون
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا.
قوله: في بيته، في المشْرُبة التي في حجرة عائشة، كما بَيَّنَه أبو سُفيان عن جابر، وهو دال على أن تلك الصلاة لم تكن في المسجد، وكأنَّه صلى الله عليه وسلم عجز عن الصلاة بالناس في المسجد، فكان يُصَلّي في بيته بمن حضر، لكنه لم ينقل أنه استخلف، ومن ثَمّ قال عِياض: إن الظاهر أنه صلى في حجرة عائشة وائتم به من حضر عنده ومن كان في المسجد، وهذا محتمل، ويحتمل أيضًا أن يكون استخلف وإن لم ينقل، ويلزم على الأول صلاة الإمام أعلى من المأمومين، ومذهب عِياض خلافه، لكن له أن يقول محل المنع ما إذا لم يكن مع الإمام في مكانه العالي أحد، وهنا كان معه بعض أصحابه.
وقوله: وهو شاك، بتخفيف الكاف بوزن قاض من الشكاية، وهي المرض، وكان سبب ذلك ما في حديث أنس المذكور بعده، أنه سقط عن فرس. وقوله: فصلى جالسًا، قال عِيَاض: يحتمل أن أصابه من السقطة رض في الأعضاء منعه من القيام، وليس كما قال، وإنما كانت قدمه صلى الله تعالى عليه وسلم قد انفكت، كما للإسماعيليّ عن أنس، وكذا لأبي داود وابن خُزَيْمَة عن جابر. وأما
قوله في رواية الزُّهريّ عن أنَسَ "جُحِشْ شقه الأيمن" فقد مرَّ ما فيه في باب الصلاة على السطوح، وهو غير مناف لكون قدمه قد انفكت، لاحتمال وقوع الأمرين.
وحاصل ما في القصة أن عائشة في هذا الحديث أبهمت الشكوى، وبيّن جابر وأنس السبب، وهو السقوط عن الفرس، وعين جابر العلة في الصلاة قاعدًا، وهي انفكاك القدم أو قوله: صلى وراءه قوم قيامًا، ولمسلم "فدخل عليه قوم من أصحابه يعودونه" الحديث، وقد سموه منهم أنس كما في الحديث الذي بعده، كما مرَّ قريبًا وأبو بكر كما في حديث جابر، وعمر كما في رواية الحسن مرسلًا عن عبد الرَّزَّاق، وكل هؤلاء قد مرَّ تعريفهم. مرَّ أنس في السادس من الإيمان، ومرَّ جابر في الرابع من بدء الوحي، وعمر في الأول منه، ومرَّ أبو بكر في باب من لم يتوضأ من لحم الشاة.
وقوله: فأشار إليهم، كذا للأكثر هنا، من الإشارة، وكذا لجميعهم في الطب، وللحَمَوِي هنا فأشار عليهم من المَشُورة، والأول أصح، فقد رواه أيوب بلفظ "فأومأ إليهم" ورواه عبد الرزاق بلفظ "فأخلف بيده يومىء بها إليهم" وفي مرسل الحسن "ولم يبلغ بها الغاية" وقوله: إنما جعل الإمام ليؤتم به، قد تقدمت مباحثه مستوفاة غاية الاستيفاء عند ذكر حديث أنس في باب الصلاة على السطوح. وقوله: فقولوا ربنا ولك الحمد، أي بالواو، ولجميع الرواة في حديث عائشة وكذا لهم في حديث أبي هُريرة وأنس، إلا في رواية الليث عن الزّهري في باب إيجاب التكبير، فللكُشْمِيَهني، بحذف الواو ورجح إثبات الواو بأن فيها معنى زائدًا لكونها عاطفة على محذوف تقديره "ربنا استجيب لنا" أو ربنا أطعناك ولك الحمد، فيشتمل على الدعاء والثناء معًا وقد قال العلماء ثبوت الواو أرجح وهي عاطفة كما مرَّ، وقيل زائدة، وقيل هي واو الحال. قاله ابن الأثير، وضعف ما عداه، ورجح قوم حذفها لأنّ الأصل عدم التقدير، فتكون عاطفة على كلام غير تام، والأول أوجه.
قال النّوَويّ: ثبتت الرواية بإثبات الواو وحذفها، والوجهان جائزان بغير ترجيح، وليس في هذه الرواية زيادة، اللهم ربنا، وفي أبواب صفة الصلاة عن أبي هُرَيْرة "فقولوا اللهم ربنا" واستدل بحديث الباب وحديث أبي هُرَيرة الآتي على أن الإمام يقتصر "على سمع الله لمن حمده" وأن المأموم يقتصر "على ربنا ولك الحمد" وهذا قول مالك وأبي حَنِيفة، ورواية عن أحمد، واحتجوا من حيث المعنى بأن معنى "سمع الله لمن حمده" طلب التحميد، فيناسب حال الإمام، وأما المأموم فتناسبه الإجابة بقوله "ربنا ولك الحمد". ويقويه حديث أبي موسى الأشعريّ عند مسلم وغيره، ففيه "وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا ربنا ولك الحمد، يسمع الله لكم" وأجيب عن هذا بأنه لا يدل على أن الإمام لا يقول "ربنا ولك الحمد" إذ لا يمتنع أن يكون طالبًا ومجيبًا.
وقال الشافعيّ وأحمد في رواية، وأبو يوسف ومحمد "إن الإِمام يجمعهما" وزاد الشافعيّ أن المأموم يجمع بينهما أيضًا، لكن لم يصح في ذلك شيء، ولم يثبت عن ابن المنذر أنه قال إن الشافعيّ انفرد بذلك، لأنه قد نقل في الإشراف عن عطاء وابن سِيريِن وغيرهما القولَ بالجمع للمأموم، وأما المنفرد فحكَى الطَّحاوِيّ وابن عبد البَرّ الإجماع على أنه يجمع بينهما، وجعله الطحاويّ حجة على كون الإمام يجمع بينهما للاتفاق على اتحاد حكم الإمام والمنفرد، لكن أشار صاحب الهداية إلى خلاف عندهم في المنفرد، واستدل الشافعيّ ومن معه بحديث أبي هُرَيرة عند المصنف في باب التكبير إذا قام من السجود، ففيه "ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول، وهو قائم: ربنا لك الحمد".
فدل هذا الحديث على أن التسميع ذكر النهوض، وأن التحميد ذكر الاعتدال، وفيه دليل على أن الإمام يجمع بينهما، لأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الموصوفة، محمولة على حال الإمامة، لكون ذلك هو أكثر الأغلب من أحواله، ويأتي باقي مباحثه في باب فضل:"اللهم ربنا لك الحمد" وتقدم باقي