الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله، فيتعارض مفهومها ومنطوق الحديث، فيتعين تأويل الحديث، لأن الجمع إذا أمكن كان أولى من الترجيح.
وتمسك بظاهر الحديث أيضًا الحنابلة ومن قال بقولهم، من أن تارك الصلاة يكفر، وجوابهم ما تقدم. وأيضًا فلو كان على ما ذهبوا إليه لما اختصت العصر بذلك. وأما الجمهور فتأولوا الحديث فافترقوا في تأويله فرقًا، فمنهم من أوَّل سبب الترك، ومنهم من أوّل الحبط، ومنهم من أوَّل العمل، فقيل: المراد من تركها جاحدًا لوجوبها أو معترفًا، لكنه مستخف مستهزىء بمن أقامها، وتعقب بأن الذي فهمه الصحابي إنما هو التفريط، ولهذا أمر بالمبادرة إليها، وفهمه أولى من غيره.
وقيل: المراد من تركها متكاسلًا، لكن خرج الوعيد مخرج الزجر الشديد، وظاهره غير مراد، كقوله:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، وهذا هو أقرب التأويلات. وقيل: هو من مجاز التشبيه، كأنَّ المعنى: فقد أشبه من حبط عمله. وقيل: معناه كاد أن يحبط، وقيل: المراد بالحبط نقصانُ العمل في ذلك الوقت الذي ترتفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، فكأنَّ المراد بالعمل الصلاة خاصة، أي: لا يحصل على أجر من صلى العصر، ولا يرتفع له عملها حينئذ. وقيل: المراد بالعمل في الحديث عملُ الدنيا الذي بسبب الاشتغال فيه ترك الصلاة، يعني: أنه لا ينتفع به ولا يتمتع. وقيل: المراد بالحبط الإبطال، أي: يبطل انتفاعه بعمله في وقت ما، ثم ينتفع به كمن رجحت سيئاته على حسناته، فإنه موقوف في المشيئة، فإن غفر له فمجرد الوقوف إبطال لنفع الحسنة إذ ذاك، وإن عُذب ثم غفر له، فكذلك، وهذا من كلام ابن العربيّ، وقد مرّ كلامه مستوفى في باب "خوف المؤمن من أن يحبط عمله" في كتاب الإيمان.
رجاله ستة:
الأول: مسلم بن إبراهيم، والثاني: هشام بن أبي عبد الله الدستوائيّ، وقد مرّا في السابع والثلاثين من الإيمان، ومرّ أبو قِلابة في التاسع منه، ومرّ يحيى بن أبي كثير في الثالث والخمسين من العلم.
الخامس: أبو المَليح بن أسامة الهُذَلي، قيل: اسمه عامر، وقيل: زيد بن أسامة بن عمير، وقيل: ابن عامر بن عمير بن حُنيف بن ناجية بن عمرو بن الحارث بن كثير بن هند بن طابخة بن لَحْيان بن هُذيل. وقيل: ابن عمير بن عامر بن أُقيشر. اسمه عمير بن حنيف. روى عن أبيه ومعقل بن يسار وعائشة وابن عباس وغيرهم. وروى عنه أولاده عبد الرحمن ومحمد ومبشر، وروى عنه أيوب وخالد الحذاء وأبو قِلابة وقتادة وغيرهم. وأبو المليح سواه في الستة اثنان: الفارسيّ المدنيّ، والرَّقِّيّ.
السادس: بُريدة بن الحُصَيب بالتصغير فيهما، ابن عبد الله بن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح بن عديّ بن سهم بن مازن الحارث بن سَلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر. يكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا سهل، وقيل: أبا الخُصيب، وقيل: أبا ساسان، والمشهور الأول. أسلم قبل بدر ولم يشهدها ولا أُحدًا، وشهد الحديبية، وكان ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة فانتهى إلى الغَمِيم، أتاه بريدة بن الحُصيب، فأسلم هو ومن كان معه، وكانوا زهاء ثمانين بيتًا، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فصلوا خلفه، ثم رجع بُريدة إلى بلاد قومه وقد تعلم شيئًا من القرآن ليلتئذ، ثم قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد، فشهد معه مشاهده، وشهد الحديبية، وكان من ساكني المدينة، ثم تحول إلى البصرة، ثم خرج منها إلى خراسان غازيًا، فمات بمرو في إمرة يزيد بن معاوية. وبقي ولده بها. وفي الصحيحين أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشر غزوة.
وروى عنه ولده عبد الله أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتطَيَّر، ولكن يتفاءل. فركب بُريدة في سبعين راكبًا من أهل بيته من بني سهم، فتلقى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"من أنت؟ " قال: أنا بريدة. فالتفت إلى أبي بكر، فقال:"يا أبا بكر، برد أمرنا وصلح". قال: ثم قال لي: "ممن أنت؟ " قلت: من أسلم. قال لأبي بكر: "سلمنا". ثم قال لي: "من بني من أنت؟ " قلت: من بني سهم. قال: "خرج سهمك"، وروى البخاري عن عبد الله بن بُريدة أنه