الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث والثلاثون
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ".
قوله: "سجدة من صلاة العصر"، قال الخطابيّ: المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها، والركعة إنما يكون تمامها بسجودها، فسميت على هذا المعنى سجدة، وكأن المصنّف أورد حديث أبي سلمة هذا في هذه الترجمة مريدًا تفسير الحديث بالترجمة، وأن المراد بقوله فيه: سجدة، أي: ركعة، وقد رواه الإسماعيليّ بلفظ:"من أدرك منكم ركعة" وتأتي رواية مالك في أبواب وقت الصبح بلفظ: "من أدرك ركعةً"، ولم يختلف على راويها في ذلك، فكان الاعتماد عليها، ودلّ ذلك على أن الاختلاف في الألفاظ.
وقوله: "فليتمّ صلاته"، يعني فيهما، أي: في العصر والفجر، وبهذا قال الجمهور. وخالف أبو حنيفة في الفجر، فقال: من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته، واحتج لذلك بالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وادعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث، وهي دعوى تحتاج إلى دليل، فإنه لا يُصار إلى النسخ بالاحتمال.
والجمع بين الحديثين ممكن، بأن أحاديث النهي على ما لا سبب له من النوافل، عند من يخص النهي بما لا سبب له، ولا شك أن التخصيص أولى من ادعاء النسخ، أو تحمل أحاديث النهي على النفل دون الفرض، كما يأتي تقرير أنه هو الذي عليه الجمهور. وفي الرواية الآتية عن مالك: "من أدرك من
الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح"، والإدراك الوصول إلى الشيء بتمامه، وظاهره أن تلك الركعة تكفيه عن الصلاة، وليس ذلك مرادًا بالإجماع، لأنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركًا لجميع الصلاة، بحيث تحصل براءة ذمته منها، فإذا فيه إضمار تقديره: "فقد أدرك وقت الصلاة أو حكم الصلاة أو نحو ذلك". ويلزمه إتمام بقيتها.
وقد صرح بذلك زيد بن أسلم عند البيهقي، ولفظه:"من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس، وركعة بعدما تطلع الشمس، فقد أدرك الصلاة"، وأصرح منه رواية أبي غسّان، عن أبي هريرة بلفظ:"من صلى ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس، فلم تفته العصر". وقال مثل ذلك في الصبح. وللنَّسائيّ: "من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة كلها، إلا أنه يقضي ما فاته"، وللبيهقيّ:"من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصلِّ إليها أخرى"، ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي، حيث خص الإدراك باحتلام الصبي، وطهر الحائض، وإسلام الكافر ونحوها. وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته، لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة. وقد مرَّ ما قيل فيه قريبًا.
واختلف في هذه الصلاة المدرك منها ركعة هل هي أداء أو قضاء، والمختار عند الكل أنها أداء، وعند المالكية والشافعية قول بأن الكل قضاء، وقول بأن ما في الوقت أداء وما بعده قضاء. وقيل: يكون كذلك، لكنه يلتحق بالأداء حكمًا. وفائدة التحاقه بالأداء حكمًا أنه لا يأثم، وتظهر فائدة الخلاف في مسافرٍ نوى العصرَ وصلى ركعة في الوقت. فإن قلنا: الجميع أداء فله قصرها. وإن قلنا: كلها قضاء، أو بعضها، وجب إتمامها أربعًا. إن قلنا: إن فائتة السفر إذا قضاها في السفر يجب إتمامها، وهذا ليس بمذهب مالك، وكذا تظهر فائدة الخلاف فيما لو حاضت امرأة، أو أُغمي على أحد في الركعة الثانية، فتسقط عنهما الصلاة بناء على أن الكل أداء. ويلزم قضاؤها بناء على أن الكل قضاء. ويتردد النظر على أن ما في الوقت أداء، وما كان خارجًا عنه قضاء. وأما إن أدرك أقل
من ركعة فالكل قضاء عند الجمهور. والفرق أن الركعة تشمل على معظم أفعال الصلاة، إذ معظم الباقي كالتكرير لها، فجعل ما بعد الوقت تابعًا لها، بخلاف ما دونها. وعلى القول بالقضاء يأثم المصلي بالتأخير إلى ذلك.
ومفهوم قوله في الحديث: "أدرك ركعة" إنَّ من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركًا للوقت، وهو الذي استقر عليه الاتفاق. وكان فيه شذوذ قديم منها إدراك الإمام راكعًا يجزىء، ولو لم يدرك معه الركوع. وقيل: يدرك الركعة ولو رفع الإمام رأسه، ما لم يرفع بقية من ائتم به رؤوسهم، ولو بقي واحد. وعن الثوريّ وزُفَر:"إِذا كبّر قبل أن يرفع الإمام رأسه، أدرك إن وضع يديه على ركبتيه قبل رفع الإمام، وقيل: من أدرك تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع أدرك الركعة. وعن أبي العالية: إذا أدرك السجود أكمل بقية الركعة معهم، ثم يقوم فيركع فقط، وتجزئه. وعن ابن عمر، رضي الله تعالى عنه، أنه كان إذا جاء والقوم سجود سجد معهم، فإذا رفعوا رؤوسهم سجد أخرى، ولا يعتد بها. وعن ابن مسعود: "إذا ركع ثم مشى فدخل فى الصف قبل أن يرفعوا رؤوسهم اعتد بها، وإن رفعوا رؤوسهم قبل أن يصل إِلى الصف فلا يعتد بها".
ثم هذه الركعة التي يدرك بها الوقت، هي بقدر ما يكبر فيها للإحرام، ويقرأ أم القرآن قراءة معتدلة، ويركع، ويسجد سجدتين يفصل بينهما، ويطمئن في كل ذلك على قول من أوجب الطمأنينة، وعلى قول من لا يوجب قراءة أم القرآن في كل ركعة تكفيه تكبيرة الإحرام، والوقوف لها. وأشهب لا يراعي إدراك السجدة بعد الركوع. وسبب الخلاف هل المفهوم من اسم الركعة الشرعية أو اللغوية؟ وقال الرافعي: المعتبر فيها أخف ما يقدر عليه أحد، وهذا في حق غير أصحاب الأعذار، وأما أصحاب الأعذار، كمن أفاق من إغماء أو طهُرت من حيض، أو غير ذلك، فإن بقي من الوقت هذا القدر، كانت الصلاة في حقهم أداء.
وللعلماء تفاصيل بين أصحاب الأعذار وغيرهم، وبين مدرك الجماعة ومدرك الوقت ومدرك الجمعة، فأما مدرك الوقت فهو ما مرَّ الكلام عليه، وأما