الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والأربعون
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً، فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ رَقَدْنَا ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:"لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ غَيْرُكُمْ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُبَالِي أَقَدَّمَهَا أَمْ أَخَّرَهَا إِذَا كَانَ لَا يَخْشَى أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ عَنْ وَقْتِهَا، وَكَانَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا، وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: الصَّلَاةَ. قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَقْطُرُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ:"لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا". فَاسْتَثْبَتُّ عَطَاءً كَيْفَ وَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِهِ يَدَهُ كَمَا أَنْبَأَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَبَدَّدَ لِي عَطَاءٌ بَيْنَ أَصَابِعِهِ شَيْئًا مِنْ تَبْدِيدٍ، ثُمَّ وَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ عَلَى قَرْنِ الرَّأْسِ، ثُمَّ ضَمَّهَا، يُمِرُّهَا كَذَلِكَ عَلَى الرَّأْسِ، حَتَّى مَسَّتْ إِبْهَامُهُ طَرَفَ الأُذُنِ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ عَلَى الصُّدْغِ، وَنَاحِيَةِ اللِّحْيَةِ، لَا يُقَصِّرُ وَلَا يَبْطُشُ إِلَاّ كَذَلِكَ، وَقَالَ:"لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوا هَكَذَا".
وقوله: "شغل عنها ليلة فأَخَّرها"، هذا التأخير مغاير للتأخير المذكور في حديث جابر وغيره، المقيد بتأخير اجتماع المصلين، وسياقه يشعر بأن ذلك لم يكن من عادته. قلت: الحديث هنا مصرح بأن التأخير كان لشغل، كما مرَّ في حديث أبي موسى، فيحتمل أن يكون للشغل الذي ذكره أبو موسى، ويحتمل أن يكون شغلًا آخر. وقوله:"حتى رقدنا في المسجد"، استدل به من ذهب الى
أن النوم لا ينقض الوضوء ولا دلالة فيه لاحتمال أن يكون الراقد منهم كان قاعدًا متمكنًا، أو لاحتمال أن يكون مضطجعًا لكنه توضأ، وإن لم ينقل اكتفاء بما عرف من أنهم لا يصلون على غير وضوء.
وقوله: "وكان يرقد قبلها"، أي: ابن عمر، قبلها، أي: قبل صلاة العشاء، وهو محمول على ما إذا لم يخش أن يغلبه النوم عن وقتها، كما صرح به قبل هذا حيث قال:"وكان لا يبالي أَقَدَّمَها أَم أخَّرها". وروى عبد الرزاق فيما مرّ أن ابن عمر كان ربما رقد عن العشاء الآخرة، ويأمر أن يوقظوه، والمصنف حمل ذلك في الترجمة على ما إذا غلبه النوم، وهو اللائق بحال ابن عمر.
وقوله: "قال ابن جريج"، هو بالإسناد الذي قبله، ووهم من زعم أنه معلق، وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بالإسنادين، وأخرجه من طريقه الطبرانيّ، وعنه أبو نعيم في مستخرجه. وقوله:"فقام عمر، فقال: الصلاة"، زاد في "التمني":"رقد النساء والصبيان"، وهو مطابق لحديث عائشة الماضي. وقوله:"واضعًا يده على رأسه"، كأنَّه كان اغتسل قبل أن يخرج.
وقوله: "فاستثبت"، هو مقول ابن جريج. وقوله:"فبدد لي"، أي: فرق والتبديد التفريق. وقوله: "على قَرْن الرأس"، قَرْن الرأس بالفتح جانبه. وقوله:"ثم ضمّها"، كذا له بالضاد المعجمة والميم، ولمسلم "وصبها" بالصاد المهملة والموحدة، وصوَّبه عياض، قال: لأنه يصف عصر الماء في الشعر باليد. ورواية المصنف أوجه، لأن ضم اليد صفة للعاصر. وقوله:"حتَّى مسّت إبهامه طرفَ الأُذن"، كذا بإفراد الإبهام للكشميهنيّ، وهو فاعل، وطرف منصوب على المفعولية، ولغير الكشميهنيّ "إبهاميه" منصوب مفعول به، والفاعل طرف الأذن، ويؤيد الرواية الأُولى ما عند النَّسائيّ وأبي نعيم، عن ابن جريج:"حتى مست إبهاماه طرفَ الأذن".
وقوله: "لا يقصر ولا يبطش"، أي: لا يبطىء ولا يستعجل، ويقصر بالقاف للأكثر، وعند الكشميهنيّ: لا يعصر بالعين، والأُولى أصوب وقوله: "لأَمرتهم
أن يصلوها هكذا"، أي: في هذا الوقت. بيّن ذلك المصنّف في كتاب التمني، عن ابن جريج في هذا الحديث، فال: إنه للوقت. وزاد الطبرانيّ عن ابن عباس، في هذا الحديث: "قال: وذهب الناسُ إلا عثمان بن مظعون، في ستة عشر رجلًا، فخرج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: ما صلَّى هذه الصلاة أمَّةٌ قبلَكُم".
قلت: كيف يصح أن يكون ابن عباس حضر القصة كما في الحديث، كأني أنظر إليه، ويكون عثمان بن مظعون حاضرًا لها، مع كون عثمان توفي بكثيرٍ قبل قدوم ابن عباس المدينة؟ اللهمَّ إلا أن تكون القصة متعددة. وفي الحديث دلالة على أن النوم لا ينقض الوضوء، لأنه محال أن يذهب على أصحابه أن النوم ناقض، ويصلُّون معه، والجواب عنه ما مرّ، واختلف العلماء في النوم، فعند مالك: ينقض الثقيل مطلقًا، ولا ينقض الخفيف مطلقًا، من غير اعتبارٍ لهيئة النائم على المشهور في مذهبه.
ومذهب الشافعي: أنه إذا نام جالسًا ممكنًا مقعدته من الأرض لم ينتقض، وإلا انتقض فسواء قلَّ أو كثر، وسواء كان في الصلاة أو خارجها.
ومذهب أبي حنيفة: أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لم ينتقض وضوءه، سواء كان في الصلاة أو لم يكن، وإن نام مضطجعًا أو مستلقيًا على قفاه انتقض، وهو قول داود، وبه قال الشافعي في قول غريب.
ومذهب أحمد: ينقض النوم الثقيل، إلا يسيرًا عرفًا من جالس وقائم، لا من راكع وساجد ومضطجع ومستند ومتكىء ومحتبٍ فناقض، ومذهب البعض أن النوم ينقض الوضوء على أي حال كان، وهذا محكي عن أبي موسى وسعيد بن المسيب وأبي مُجلز وشعبة وحُميد الأعرج. ومذهب البعض أنه ينقض بكل حال، وهو مذهب الحسن البصريّ والمُزنيّ وأبي عُبيد القاسم بن سَلاّم وإسحاق بن راهويه، وهو قولٌ غريبٌ للشافعيّ.