الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن عشر
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَأَحَدُنَا يَذْهَبُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ، وَلَا يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ. ثُمَّ قَالَ: إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ.
قوله: "يعرف جليسه"، أي: الذي بجنبه، وفي رواية الجوزقي عن شعبة:"فينظر الرجل إلى جليسه إلى جنبه، فيعرف وجهه"، ولأحمد:"فينصرف الرجل فيعرف وجه جليسه"، ولمسلم:"فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرف فيعرفه" وله في أخرى: "وننصرف حين يعرف بعضنا وجه بعض"، واستدل بهذا على التعجيل بصلاة الصبح، لأن ابتداء معرفة الإنسان وجه جليسه يكون في آخر الغَلَس، وقد صرح بأن ذلك كان بعد فراغ الصلاة، ومن المعلوم من عادته صلى الله تعالى عليه وسلم ترتيل القراءة، وتعديل الأركان، فمقتضى ذلك أنه كان يدخل فيها مغلسًا.
وادّعى ابن المنير أنه مخالف لحديث عائشة، حيث قالت فيه:"لا يعرفن من الغَلس"، وتعقب بأن الفرق بينهما ظاهر، وهو أن حديث أبي برزة متعلق بمعرفة من هو مُسفر جالس إلى جنب المصلي، فهو ممكن. وحديث عائشة متعلق بمن هو متلفف، مع أنه على بعد، فهو بعيد، وقوله:"ويقرأ فيها ما بين الستين إلى المئة"، أي: في الصبح، وفي الرواية الآتية قريبًا، ويقرأ بالستين إلى المئة، يعني من الآي. وقدرها في رواية للطبراني بالحاقة ونحوها. وأشار الكرماني في قوله:"ما بين"، إلى أن القياس أن يقول ما بين الستين والمئة،
إن لفظ "بين" يقتضي الدخول على متعدد. قال: وتحتمل أن يكون التقدير: "ويقرأ ما بين الستين وفوقها إلى المئة" فحذف لفظ: فوق، لدلالة الكلام عليه. وفي السياق تأدب الصغير مع الكبير، ومسارعة المسؤول بالجواب إذا كان عارفًا به.
وقوله: "والعصر"، أي: ويصلي العصر. وقوله: "وأحدنا يذهب إلى أقصى المدينة رجع والشمس حية"، ورجع يحتمل أن يكون بمعنى يرجع، وأن يكون بيانًا لقوله:"يذهب"، وأن يكون في موضع الحال، أي: يذهب راجعًا، ويحتمل أن أداة الشرط سقطت. إما "لو" أو"إذا"، والتقدير: لو يذهب أحدنا، إلخ. وجَوّز الكرمانيّ أن يكون "رجع" خبرًا للمبتدأ الذي هو "أحدنا"، و"يذهب" جملة حالية، وهو وإن كان محتملًا من جهة اللفظ، لكنه مخالف لرواية عوف الآتية. وقال أيضًا: يحتمل أن قوله: "رجع" عطف على قوله: "يذهب"، والواو مقدرة، و"رجع" بمعنى يرجع، وهذا الاحتمال جزم به ابن بطال، ويؤيده رواية أبي داود عن حفص بن عمر بلفظ:"وإن أحدنا ليذهب إلى أقصى المدينة، ويرجع والشمس حية". وقوله: "رجع" بلفظ الماضي، هو الذي في رواية أبي ذرٍّ والأصيلي، وفي رواية غيرهما:"ويرجع" بزيادة واو، وبصيغة المضارعة. وظاهره حصول الذهاب إلى أقصى المدينة، والرجوع من ثمّ إلى المسجد، لكن في رواية عوف الآتية، في باب "وقت العصر قريبًا":"ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية"، فليس فيه إلا الذهاب فقط.
وطريق الجمع بينهما وبين رواية الباب أن يقال: يحتمل أن الواو في قوله: "وأحدنا" بمعنى "ثم" على قول من قال إنها تَرِد للترتيب، مثل ثمّ، وفيه تقديم وتأخير، والتقدير: ثم يذهب أحدنا، أي: ممن صلى معه، فرواية عوف أوضحت أن المراد بالرجوع الذهاب إلى المنزل من المسجد، وإنما سمي رجوعًا لأن ابتداء المجيء كان من المنزل إلى المسجد، فكان الذهاب منه إلى المنزل رجوعًا. وطرق الحديث يبين بعضها بعضًا، وقد رواه أحمد عن شعبة بلفظ:"والعصر يرجع الرجل إلى أقصى المدينة، والشمس حية"، ولمسلم