الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العمل، وإن زاد عمل أحدهما على الآخر فبذله تبرعا، إذ الزيادة تحتمل من كل واحد فلا غرر على واحد منهما في المبدأ بحيث يتصور أن أحدهما يأخذ مال الآخر الذي هيأه بل إن كل واحد منهما بذل الوسع في العمل.
أحكام شركة الأبدان
1 -
بطلانها عند الشافعية.
2 -
اتفاق المذاهب الثلاثة الحنفية والمالكية والحنابلة على مبدأ جواز شركة الأبدان.
3 -
أوسعها مذهب الحنابلة.
4 -
اتفق المجيزون لها على الصنائع، لكن اختلفوا في شروطها فالحنابلة يطلقون الجواز والمالكية يشترطون اتحاد الصنعة والمكان.
5 -
اتفق الحنابلة والحنفية على عدم اشتراط الصنعة والمكان.
6 -
اتفق الحنفية والحنابلة على جواز شركة الأبدان للتقبل.
7 -
انفرد الحنابلة بجواز شركة الأبدان في المباحات كما سيأتي إن شاء الله في ذكر صور من شركة الأبدان.
صور من شركة الأبدان
وحيث إن أوسع المذاهب فيها مذهب الحنابلة وسلامة وجهتهم في نظري وتحقيق المصلحة من شركة الأبدان أكثر في مذهب الحنابلة، فسأذكر جملة من صور شركة الأبدان مما تبرز أهميتها وفائدتها، وتبرز أيضا وضوح الرؤية في مصلحة شركة الأبدان، وأن التقعيد لها مواكب وملائم لكل مكان
وزمان، وأن الفقهاء قعدوا في الفقه على ضوء ما فهموه من الشريعة الخالدة إلى يوم القيامة ولهذا ما حدث من بعدهم إن لم تجده منصوصا عليه عندهم وجدته ضمن قواعدهم وأمثلتهم، ومن ذلك ما يلي:
1 -
استدل الفقهاء على تأصيل شركة الأبدان بما روى أبو داود والأثرم بإسنادهما عن أبي عبيدة بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " اشتركنا أنا وسعد وعمار يوم بدر، فلم أجئ أنا وعمار بشيء وجاء سعد بأسيرين " ومثل هذا لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقرهم عليه، وقال أحمد: أشرك بينهم النبي صلى الله عليه وسلم
2 -
وفي هذا الخبر رد على الشافعية الذين أبطلوا شركة الأبدان حيث إن الغنائم إنما جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن غنموا واختلفوا في الغنائم فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (1) والشركة كانت قبل ذلك، ويدل على صحة هذا أنها لو كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخل: إما أن يكون قد أباحهم أخذها فصارت كالمباحات أو لم يبحها لهم فكيف يشتركون في شيء لغيرهم.
وفي هذا الخبر حجة على أبي حنيفة القائل بمنع شركة الأبدان في المباحات لأنهم اشتركوا في مباح وفيما ليس بصناعة.
وهذه أمثلة وصور لشركة الأبدان مما ذكره الفقهاء نسوقها ونبينها ليتيسر تصورها ويسهل إلحاق ما جد في أي زمان بما ذكره الفقهاء مبتدئا بتعريفها عند الحنابلة ثم قواعد لا بد منها ثم الصور والأمثلة مما ذكره الفقهاء ومما ينطبق عليه في وقتنا الحاضر، وبيان الصحيح منها والفاسد مع ذكر أسباب الصحة والفساد.
وقد اخترت مذهب الحنابلة في شركة الأبدان لما سأذكره من الأمثلة
(1) سورة الأنفال الآية 1
والصور لسعته مع انضباط قواعده ودعاء المصالح إلى هذه الشركة في كل زمان ومكان، وما فيه مصلحة مبناه على التيسير ما لم يعارض نصا شرعيا أو مفسدة أكبر، ولأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولتضمن شركة الأبدان التعاون ما لم يتضح فيها الإثم والعدوان.
وقبل أن أدخل في ذكر صورها وأمثلتها أشير إلى تعريف شركة الأبدان عند الحنابلة الذي اخترته، وربط الصور والأمثلة به، قال في كشاف القناع (1):
" فصل: القسم الرابع شركة الأبدان أي شركة بالأبدان فحذفت الباء ثم أضيفت لأنهم بذلوا أبدانهم في الأعمال لتحصيل المكاسب، وهي ضربان:
أحدهما: أن يشتركا أي اثنان فأكثر فيما يتقبلان بأبدانهما في ذممهما من العمل فهي شركة صحيحة، روى أبو طالب: لا بأس أن يشترك القوم بأبدانهم وليس لهم مال مثل الصيادين والبقالين والحمالين، وقد أشرك النبي صلى الله عليه وسلم بين عمار وسعد وابن مسعود فجاء سعد بأسيرين ولم يجيئا بشيء. والحديث رواه أبو داود والأثرم، وكان ذلك في غزوة بدر وكانت غنائمها لمن أخذها قبل أن يشرك الله تعالى بين الغانمين، ولهذا نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أخذ شيئا فهو له (2)» فكان ذلك من قبيل المباحات.
الضرب الثاني: ذكره بقوله: ويصح الاشتراك في تملك المباحات من الاحتشاش والاصطياد والتلصص على دار الحرب وسائر المباحات لما تقدم من نص الإمام واحتجاجه ".
(1) كشاف القناع 3/ 527.
(2)
رواه أبو داود والحاكم، التلخيص الحبير 3/ 103.
وأما القواعد التي أشرت إليها فهي ما يلي:
القاعدة الأولى: أن شركة الأبدان عقد جائز يصح لكل شريك فسخها ما لم ينتج عن ذلك ضرر على أحد.
القاعدة الثانية: عدم اشتراط اتفاق الصنعة.
القاعدة الثالثة: ما يتقبله أحدهما من العمل يكون في ضمانهما سواء عمله بنفسه أو أقام غيره مقامه.
القاعدة الرابعة: الاتفاق على أن أحدهما يتقبل والآخر يعمل فهذه شركة صحيحة.
القاعدة الخامسة: أن لكل شريك المطالبة بالأجرة وللمستفيد دفع الأجرة لأي واحد منهما، وبهذا التسليم لأحدهما يبرأ الدافع.
القاعدة السادسة: عدم ضمان الأجرة على أحدهما إذا تلف ما في يده من غير تفريط لأن كلا منهما أمين للآخر فتضيع عليهما.
القاعدة السابعة: تحمل من فرط منهما في تلف العين أو الأجرة نتيجة تفريطه.
القاعدة الثامنة: إقرار أحدهما على ما في يده إقرار عليه وعلى شريكه.
القاعدة التاسعة: عدم قبول إقرار أحدهما على الآخر من عين أو دين لأنه لا يد له عليه.
القاعدة العاشرة: إذا ترك أحد الشريكين العمل بعذر أو بلا عذر فالكسب بينهما على ما شرطاه.
القاعدة الحادية عشر: إذا طالب الشريك شريكه الذي ترك العمل أن يقيم مقامه لزمه وله الفسخ إن امتنع الشريك، كما أن له الفسخ حتى ولو لم يمتنع لأن الشركة عقد جائز كما تقدم.
القاعدة الثانية عشرة: موجب العقد المطلق في شركة وجعالة وإجارة التساوي في العمل والأجر لأنه لا مرجح لواحد، ولو عمل واحد أكثر ولم يتبرع بالزيادة طالب بالزيادة ليحصل التساوي.
أما الصور والأمثلة التي ذكرها الفقهاء مع ذكر ما يطابقها من الواقع فهي كما يلي:
1 -
لو قال أحدهما: أنا أتقبل وأنت تعمل صحت الشركة لأن تقبل العمل يوجب الضمان على المتقبل ويستحق به الربح فصار كتقبله المال في المضاربة، والعمل يستحق به العامل الربح كعمل المضارب فينزل بمنزلة المضارب (1) ومثل هذه الصورة لو اجتمع جماعة فعقدوا الشركة بما يكسبون وتقاسموا الأعمال فكان منهم من يتقبل العمل ومنهم من يحضر المواد ومنهم من يعمل بيده، مثل مقاولة في البنيان أو خياطة كأن يخيط أحدهم والآخر يفصل والثالث يكوي، ومثل أن يؤجروا سياراتهم فيكون منهم من يؤجر ومنهم من يقود السيارات ومنهم من يحملها ومنهم من يلاحظها فيما تحتاجه من زيوت وإصلاح أعطال أو غير ذلك.
2 -
إذا اشترك رجلان لكل واحد منهما دابة على أن يؤجراهما فما رزقهما الله من شيء فهو بينهما صح (2) والمراد بالدواب الصالحة للتأجير كبعيرين أو بغلين، وأما لو كان أحدهما صالحا للتأجير والآخر غير صالح كبعير وبقرة والعقد على التحميل فغير صحيحة لاختلاف المعقود عليه وظهور الغبن على أحدهما دون الآخر، أما
(1) المغني 5/ 7.
(2)
المغني 5/ 8.
وأن يكون العقد على تشغيل الدابتين في المجال الصالح لكل منهما كتأجير البقر للحرث والسقي والإبل للتحميل فأرجو أن لا يكون به بأس.
ومثل ذلك لو اشترك اثنان في تأجير سيارتيهما وما رزق الله فبينهما فصحيحة -إن شاء الله- ما لم تتفاوت السيارتان كأن تكون إحدى السيارتين شاحنة أطنان والأخرى غير صالحة للشحن فلا نسبة بينهما في الأجرة فمثل هذه الشركة غير صحيحة لظهور التفاوت، وشركة الأبدان مبنية على احتمال التساوي في العمل والإنتاج أو رجحان أحدهما في وقت والآخر في وقت آخر، أما وأن يتحقق ظهور كسب أحدهما دون الآخر فهذا لا يعتبر شركة، وإنما قد يدخل في التبرع وحينئذ لا يكون مبناه مبنى الشركة.
3 -
إذا تقبلا حمل شيء معلوم إلى مكان معلوم في ذمتهما ثم حملاه على البهيمين أو غيرهم صح (1)، ومما تلخص عندي أن العاملين إذا تقبلا حمل شيء بذممهما صحت الشركة على أي ناقلة نقلوه والأجرة بينهما على ما اشترطا، سواء اتفقت الناقلات أم اختلفت، أما إن أجرا ناقلاتهما كل واحد بعينها، سواء كانت الناقلة سيارة أو دابة أو سفينة أو طائرة فلكل واحد أجرة ما يخصه ولا تصح الشركة في هذه الصورة لعدم اشتراكهما في العمل.
4 -
إن كان لقصار أداة ولآخر بيت فاشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا والكسب بينهما جاز، والأجرة على ما شرطاه فيه (2) فجازت الشركة في هذه الصورة لوجود العمل من كل من الشريكين
(1) المغني 5/ 8 - 9.
(2)
المغني 5/ 9.
ووجود متطلبات الشركة من الشريكين فهذا منه الآلة وهذا منه المكان، والعمل منهما جميعا كأن يكون من أحدهما ماكينة الخياطة ومن الآخر الدكان ومن الآخر الكي، ومثل هذه الصورة.
5 -
لو انعقدت الشركة على العمل في بيت أحدهما أو على آلة صحت لوجود العمل منهما (1) وكذا لو انعقدت الشركة بين اثنين فأكثر على أن من بعض الآلات ومن بعضهم العمل صحت الشركة إن شاء الله لما فيها من التعاون؛ ولأنه ليس كل واحد يستطيع أن يعمل بآلته، كأن يكون عند أحدهم آلة حفر أو سيارة نقل لا يستطيع استغلالها أو أرض لا يستطيع استغلالها فيشترك مع من يستغلها على ما يتفقون عليه ولو لم يقع من صاحب الأصل عمل كما اشترطه بعضهم كما في المساقاة والمزارعة والمضاربة ولو لم يشترك صاحب الأصل في العمل.
6 -
نقل أبو داود عن أحمد رحمه الله فيمن يعطي فرسه على النصف من الغنيمة أرجو أن لا يكون به بأس قال إسحاق بن إبراهيم قال أبو عبد الله: إذا كان على النصف والربع فهو جائز (2) ومثله لو أعطى سيارته لمن يعمل عليها من حطب أو نقل بضائع وما رزقهما الله فهو بينهما.
7 -
نقل أحمد بن سعيد عن أحمد رحمه الله فيمن دفع عبده إلى رجل ليكسب عليه ويكون له ثلث ذلك أو ربعه فجائز (المغني 5/ 11) ولعل مثل هذه الصورة آلة الصيد من الطيور والكلاب المعلمة والبندقية لو دفعها إلى من يصيد بها بجزء مما يتحصل عليه بسببها.
(1) المغني 5/ 9.
(2)
المغني 5/ 10 - 11.
8 -
إن دفع ثوبه إلى خياط ليفصل قمصانا يبيعها وله نصف ربحها بحق عمله جاز، نص عليه في رواية حرب (المغني 5/ 11) ولعل مثل هذه الصورة لو دفع أرضا لمن يخططها بجزء معلوم منها جاز، وكذا لو اتفقا على أن يخططها ويبيعها بنسبة من الثمن جاز ذلك.
9 -
إن دفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها وما يرزق الله بينهما نصفين أو أثلاثا أو كيفما شرطا صح نص عليه في رواية الأثرم ومحمد بن حرب وأحمد بن سعيد (1) ومثله:
10 -
لو دفع غزلا إلى رجل ينسجه ثوبا بثلث ثمنه أو ربعه جاز نص عليه (2) ومثله:
11 -
لو دفع شبكة إلى صياد ليصيد بها السمك بينهما نصفين صحت الشركة، وما رزق الله بينهما على ما شرطاه (3) ومثله:
12 -
لو أعطى رجل لطحان أقفزة معلومة يطحنها بقفيز دقيق منها قياس قول أحمد جوازه (4).
وهذا مثل لو أعطى حبه لطحان ليطحنه بجزء منه، ومثله لو أعطى دقيقه للخباز ليخبزه بجزء منه فجائز، ومثله لو أعطى جزارا ذبيحة أكل ليذبحها بجزء منها فذلك جائز أيضا، والأمثلة من الواقع على هذا كثيرة.
13 -
إذا بذل كل من الشركاء آلة كثروا أو قلوا فهل يشترط أن يكون العمل منهم جميعا أو يكون العامل غيرهم؟، فالأظهر من كلام
(1) المغني 5/ 9 - 10.
(2)
المغني 5/ 11.
(3)
المغني 5/ 11.
(4)
المغني 5/ 12.
العلماء جواز الشركة ولو لم يعملوا كلهم، ومنهم من اشترط وجود العمل من الشركاء حتى تتحقق شركة الأبدان.
14 -
لو اشترك شخصان من أحدهما السيارة أو السفينة ومن الآخر البضائع والعمل لبيعها وما رزقا من ربح فبينهما فغير صحيحة لأن الوكالة لا تصح من أحدهما على الآخر فيكون الربح لصاحب البضائع ولصاحب السيارة أو السفينة أجرة المثل ولأنهما لم يشتركا في العمل والغرض يحصل بغير صورة الشركة، وذلك بأن يؤجر السيارة أو السفينة أو الطائرة أو الدابة على من يحمل بضائعه عليها ومن ثم يسير العمل بوضوح وبدون غرر وبمعرفة كل واحد ما يخص الآخر بدون إجحاف على الآخر وتؤمن الخلافات والمنازعات.
15 -
تصح الشركة في الاحتشاش؛ لأنه اشتراك في مكسب مباح كالقصارة والاصطياد والتلصص على دار الحرب وسائر المباحات كالحطب والثمار المأخوذة من الجبال والمعادن، وهذا هو الأصح فيهن (المبدع 5/ 40) ومثله لو اشتركا في جلب تراب أو حصى من البرية أو أي مادة مباح أخذها.
16 -
لو جمع الشركاء بين عدد من الشركات الصحيحة جاز ذلك (قال في المبدع (1) وإن جمعا بين شركة العنان والأبدان والوجوه والمضاربة صح لأن كل واحد منها يصح منفردا فصح مع غيره).
17 -
إن اشترك الشهود على أن كل ما حصله كل واحد منهم فهو بينهم بحيث إذا كتب أحدهم وشهد شاركه الآخر وإن لم يعمل فهي شركة الأبدان تجوز حيث تجوز الوكالة (2)(الإنصاف).
(1) 5/ 43.
(2)
5/ 462.