الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصح التأجيل في العارية لم يصح في القرض وأجاز الشافعي التأجيل في القرض وبالله التوفيق ومنه الإعانة.
باب البيع
قوله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (1) عموم في إباحة سائر البياعات لأن لفظ البيع موضوع لمعنى معقول في اللغة وهو تمليك المال بمال بإيجاب وقبول عن تراض منهما، وهذا هو حقيقية البيع في مفهوم اللسان. ثم منه جائز ومنه فاسد إلا أن ذلك غير مانع من اعتبار عموم اللفظ متى اختلفنا في جواز بيع أو فساده، ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية وإن كان مخرجها مخرج العموم فقد أريد الخصوص؛ لأنهم متفقون على حظر كثير من البياعات نحو بيع ما لم يقبض وبيع ما ليس عند الإنسان وبيع الغرر والمجاهيل وعقد البيع على المحرمات من الأشياء، وقد كان لفظ الآية يوجب جواز هذه البياعات، وإنما خصت منها بدلائل إلا أن تخصيصها غير مانع اعتبار عموم لفظ الآية فيما لم تقم الدلالة على تخصيصه، وجائز أن يستدل بعمومه على جواز البيع الموقوف؛ لقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (2) والبيع اسم للإيجاب والقبول، وليست حقيقته وقوع الملك به للعاقد ألا ترى أن البيع المعقود على شرط خيار المتبايعين لم يوجب ملكا وهو بيع والوكيلان يتعاقدان البيع ولا يملكان
وقوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} (3) حكمه ما قدمناه من الإجمال والوقف على ورود البيان، فمن الربا ما هو بيع ومنه ما ليس ببيع وهو ربا أهل الجاهلية، وهو القرض المشروط فيه الأجل وزيادة مال على المستقرض.
وفي سياق الآية ما أوجب تخصيص ما هو ربا من البياعات من عموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (4) وظن الشافعي أن لفظ الربا لما كان مجملا أنه
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة البقرة الآية 275
(3)
سورة البقرة الآية 275
(4)
سورة البقرة الآية 275
يوجب إجمال لفظ البيع، وليس كذلك عندنا لأن ما لا يسمى ربا من البياعات فحكم العموم جار فيه، وإنما يجب الوقوف فيما شككنا أنه ربا أو ليس بربا فأما ما تيقنا أنه ليس بربا فغير جائز الاعتراض عليه بآية تحريم الربا، وقد بينا ذلك في أصول الفقه. وأما قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} (1) حكاية عن المعتقدين لإباحته من الكفار فزعموا أنه لا فرق بين الزيادة المأخوذة على وجه الربا وبين سائر الأرباح المكتسبة بضروب البياعات، وجهلوا ما وضع الله أمر الشريعة عليه من مصالح الدين والدنيا فذمهم الله على جهلهم وأخبر عن حالهم يوم القيامة وما يحل بهم من عقابه. قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (2) يحتج به في جواز بيع ما لم يره المشتري ويحتج فيمن اشترى حنطة بحنطة بعينها متساوية أنه لا يبطل بالافتراق قبل القبض، وذلك لأنه معلوم من ورود اللفظ لزوم أحكام البيع وحقوقه من القبض والتصرف والملك وما جرى مجرى ذلك، فاقتضى ذلك بقاء هذه الأحكام مع ترك التقابض وهو كقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (3) المراد تحريم الاستمتاع بهن. ويحتج أيضا لذلك بقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (4) من وجهين:
أحدهما: ما اقتضاه من إباحة الأكل قبل الافتراق وبعده من غير قبض.
والآخر: إباحة أكله لمشتريه قبل قبض الآخر بعد الفرقة.
وأما قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} (5) فالمعنى فيه أن من انزجر بعد النهي فله ما سلف من المقبوض قبل نزول تحريم الربا ولم يرد ما لم يقبض لأن قد ذكر في نسق
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة البقرة الآية 275
(3)
سورة النساء الآية 23
(4)
سورة النساء الآية 29
(5)
سورة البقرة الآية 275
التلاوة حظر ما لم يقبض منه وإبطاله بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1) فأبطل الله من الربا ما لم يكن مقبوضا وإن كان معقودا قبل نزول التحريم ولم يتعقب بالفسخ ما كان منه مقبوضا بقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (2) وقد روي ذلك عن السدي وغيره من المفسرين، وقال تعالى:{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (3) فأبطل منه ما بقي مما لم يقبض ولم يبطل المقبوض، ثم قال تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (4) وهو تأكيد لإبطال ما لم يقبض منه وأخذ رأس المال الذي لا ربا فيه ولا زيادة، وروي عن ابن عمر وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته يوم حجة الوداع بمكة - وقال جابر بعرفات -:«إن كل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب (5)» فكان فعله صلى الله عليه وسلم مواطئا لمعنى الآية في إبطال الله تعالى من الربا ما لم يكن مقبوضا وإمضائه ما كان مقبوضا، وفيما روي في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ضروب من الأحكام
أحدها: أن كل ما طرأ على عقد البيع قبل القبض مما يوجب تحريمه فهو كالموجود في حال وقوعه وما طرأ بعد القبض مما يوجب تحريم ذلك العقد لم يوجب في فسخه، وذلك نحو النصرانيين إذا تبايعا عبدا بخمر فالبيع جائز عندنا، وإن أسلم أحدهما قبل قبض الخمر بطل العقد، وكذلك لو اشترى رجل مسلم صيدا ثم أحرم البائع أو المشتري بطل البيع لأنه قد طرأ عليه ما يوجب تحريم العقد قبل القبض كما أبطل الله تعالى من الربا ما لم يقبض لأنه طرأ عليه ما يوجب تحريمه قبل القبض وإن كانت الخمر مقبوضة ثم أسلما أو أحرما لم يبطل البيع كما لم يبطل الله الربا المقبوض حين أنزل التحريم، فهذا جائز في
(1) سورة البقرة الآية 278
(2)
سورة البقرة الآية 275
(3)
سورة البقرة الآية 278
(4)
سورة البقرة الآية 279
(5)
صحيح البخاري التمني (7230)، صحيح مسلم كتاب الحج (1218)، سنن الترمذي الحج (856)، سنن النسائي مناسك الحج (2763)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1905)، سنن ابن ماجه المناسك (3074)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 321)، موطأ مالك الحج (836)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1850).
نظائره من المسائل، ولا يلزم عليه أن يقتل العبد المبيع قبل القبض ولا يبطل البيع، وللمشتري اتباع الجاني من قبل أنه لم يطرأ على العقد ما يوجب تحريم العقد لأن العقد باق على هيئته التي كان عليها، والقيمة قائمة مقام المبيع، وإنما يعتبر المبيع وللمشتري الخيار فحسب. وفيها دلالة على أن هلاك المبيع في يد البائع وسقوط القبض فيه يوجب بطلان العقد، وهو قول أصحاب الشافعي، وقال مالك: لا يبطل والثمن لازم للمشتري إذا لم يمنعه، ودلالة الآية ظاهرة في أن قبض المبيع من تمام البيع وأن سقوط القبض يوجب بطلان العقد؛ وذلك لأن الله تعالى لما أسقط قبض الربا أبطل العقد الذي عقداه وأمر بالاقتصار على رأس المال، فدل ذلك على أن قبض المبيع من شرائط صحة العقد، وأنه متى طرأ على العقد ما يسقطه أوجب ذلك بطلانه، وفيها الدلالة على أن العقود الواقعة في دار الحرب إذا ظهر عليها الإمام لا يعترض عليها بالفسخ، وإن كانت معقودة على فساد؛ لأنه معلوم أنه كان بين نزول وبين خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ووضعه الربا الذي لم يكن مقبوضا عقود من عقود الربا بمكة قبل الفتح ولم يتعقبها بالفسخ ولم يميز ما كان منها قبل نزول الآية مما كان منها بعد نزولها، فدل ذلك على أن العقود الواقعة في دار الحرب بينهم وبين المسلمين إذا ظهر عليها الإمام لا يفسخ منها ما كان مقبوضا.
وقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (1) يدل على ذلك أيضا لأنه قد جعل له ما كان مقبوضا منه قبل الإسلام.
وقد قيل إن معنى قوله الله تعالى: {فَلَهُ مَا سَلَفَ} (2) من ذنوبه على معنى أن الله يغفرها له، وليس هذا كذلك لأن الله تعالى قد قال:{وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} (3) يعني فيما يستحقه من عقاب أو ثواب فلم يعلمنا حكمه في الآخرة، ومن جهة أخرى أنه لو كان هذا مرادا لم ينتف به ما ذكرنا فيكون على الأمرين جميعا لاحتماله لهما فيغفر
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة البقرة الآية 275
(3)
سورة البقرة الآية 275
الله ذنوبه ويكون له المقبوض من ذلك قبل إسلامه وذلك يدل على أن بياعات أهل الحرب كلها ماضية إذا أسلموا بعد التقابض فيها لقوله تعالى: {فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} (1) وقوله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (2){فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (3) قال أبو بكر يحتمل ذلك معنيين:
أحدهما: إن لم تقبلوا أمر الله تعالى ولم تنقادوا له
الثاني: إن لم تذروا ما بقي من الربا بعد نزول الأمر بتركه فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن اعتقدوا تحريمه، وقد روي عن ابن عباس وقتادة والربيع بن أنس فيمن أربى أن الإمام يستتيبه فإن تاب وإلا قتله، وهذا محمول على أن يفعله مستحلا له لأنه لا خلاف بين أهل العلم أنه ليس بكافر إذا اعتقد تحريمه. وقوله تعالى:{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (4) لا يوجب إكفارهم لأن ذلك قد يطلق على ما دون الكفر من المعاصي، قال زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر رأى معاذا يبكي فقال: ما يبكيك؟ فقال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: «اليسير من الرياء شرك ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة (5)» . فأطلق اسم المحاربة عليه وإن لم يكفر.
وروى أسباط عن السدي عن صبيح مولى أم سلمة عن زيد بن أرقم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم: «أنا حرب لمن حاربتم سلم لمن سالمتم (6)» وقال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (7).
والفقهاء متفقون على أن ذلك حكم جار في أهل الملة وأن هذه السمة تلحقهم بإظهارهم قطع الطريق، وقد دل على أنه جائز إطلاق اسم المحاربة لله ورسوله على من عظمت معصيته وفعلها مجاهرا بها وإن كانت
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة البقرة الآية 278
(3)
سورة البقرة الآية 279
(4)
سورة البقرة الآية 279
(5)
سنن ابن ماجه كتاب الفتن (3989).
(6)
سنن الترمذي المناقب (3870)، سنن ابن ماجه المقدمة (145).
(7)
سورة المائدة الآية 33
دون الكفر وقوله تعالى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (1) إخبار منه بعظم معصيته وأنه يستحق بها المحاربة عليها وإن لم يكن كافرا وكان ممتنعا على الإمام، فإن لم يكن ممتنعا عاقبه الإمام بمقدار ما يستحقه من التعزير والردع.
وكذلك ينبغي أن يكون حكم سائر المعاصي التي أوعد الله عليها العقاب إذا أصر الإنسان عليها وجاهر بها، وإن كان ممتنعا حورب عليها هو ومتبعوه، وقوتلوا حتى ينتهوا، وإن كانوا غير ممتنعين عاقبهم الإمام بمقدار ما يرى من العقوبة.
وكذلك حكم من يأخذ أموال الناس من المتسلطين الظلمة، وآخذي الضرائب واجب على كل المسلمين قتالهم وقتلهم إذا كانوا ممتنعين، وهؤلاء أعظم جرما من آكلي الربا؛ لانتهاكهم حرمة النهي وحرمة المسلمين جميعا، وآكل الربا إنما انتهك حرمة الله تعالى في أخذ الربا، ولم ينتهك لمن يعطيه ذلك حرمة لأنه أعطاه بطيبة نفسه، وآخذو الضرائب في معنى قطاع الطريق المنتهكين لحرمة نهي الله تعالى وحرمة المسلمين إذ كانوا يأخذونه جبرا وقهرا لا على تأويل ولا شبهة، فجائز لمن علم من المسلمين إصرار هؤلاء على ما هم عليه من أخذ أموال الناس على وجه الضريبة أن يقتلهم كيف أمكنه قتلهم وكذلك أتباعهم وأعوانهم الذين بهم يقومون على أخذ الأموال.
وقد كان أبو بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة لموافقة من الصحابة إياه على شيئين: أحدهما الكفر والآخر منع الزكاة، وذلك لأنهم امتنعوا من قبول فرض الزكاة ومن أدائها فانتظمها به معنيين أحدهما الامتناع من قبول أمر الله تعالى؛ وذلك كفر، والآخر الامتناع من أداء الصدقات المفروضة في أموالهم إلى الإمام، فكان قتاله إياهم للأمرين جميعا، ولذلك قال: لو منعوني عقالا، وفي بعض الأخبار عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. فإنما قلنا: إنهم كانوا كفارا ممتنعين من قبول فرض الزكاة لأن الصحابة سموهم أهل الردة وهذه السمة لازمة لهم إلى يومنا هذا، وكانوا سبوا نساءهم وذراريهم، ولو لم
(1) سورة البقرة الآية 279
يكونوا مرتدين لما سار فيهم هذه المسيرة وذلك شيء لم يختلف فيه الصدر الأول ولا من بعدهم من المسلمين؛ أعني في أن القوم الذين قاتلهم أبو بكر كانوا أهل ردة، فالمقيم على أكل الربا إن كان مستحلا له فهو كافر، وإن كان ممتنعا بجماعة تعضده سار فيهم الإمام بسيرته في أهل الردة إن كانوا قبل ذلك من جملة أهل الملة، وإن اعترفوا بتحريمه وفعلوه غير مستحلين له قاتلهم الإمام إن كانوا ممتنعين حتى يتوبوا، وإن لم يكونوا ممتنعين ردعهم عن ذلك بالضرب والحبس حتى ينتهوا.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران وكانوا ذمة نصارى: «إما أن تذروا الربا وإما أن تأذنوا بحرب من الله ورسوله،» وروى أبو عبيد القاسم بن سلام قال حدثني أيوب الدمشقي قال حدثني سعدان بن يحيى عن عبد الله بن أبي حميد عن أبي مليح الهذلي: «أن رسول الله صلى عليه وسلم صالح أهل نجران فكتب إليهم كتابا في آخره: على أن لا تأكلوا الربا، فمن أكل الربا فذمتي منه بريئة» . فقول الله تعالى {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (1) عقيب قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (2) هو عائد عليهما جميعا من رد الأمر على حاله ومن الإقامة على أكل الربا مع قبول الأمر، فمن رد الأمر قوتل على الردة، ومن قبل الأمر وفعله محرما له قوتل على تركه إن كان ممتنعا ولا يكون مرتدا، وإن لم يكن ممتنعا عزر بالحبس والضرب على ما يرى الإمام.
وقوله تعالى {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (3) إعلام بأنهم إن لم يفعلوا ما أمروا به في هذه الآية فهم محاربون لله ورسوله، وفي ذلك إخبار منه بمقدار عظم الجرم وأنهم يستحقون به هذه السمة؛ وهي أن يسموا محاربين لله ورسوله، وهذه السمة يعتورها معنيان: أحدهما الكفر إذا كان مستحلا والآخر الإقامة على أكل الربا مع اعتقاد
(1) سورة البقرة الآية 279
(2)
سورة البقرة الآية 278
(3)
سورة البقرة الآية 279
التحريم على ما بيناه، ومن الناس من يحمله على أنه إعلام منه بأن الله تعالى يأمر رسوله والمؤمنين بمحاربتهم، ويكون إيذانا لهم بالحرب حتى لا يؤتوا على غرة قبل العلم بها؛ كقوله تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} (1) فإذا حمل على هذا الوجه كان الخطاب بذلك متوجها إليهم إذا كانوا ذوي منعة، وإذا حملناه على الوجه الأول دخل كل واحد من فاعلي ذلك في الخطاب، وتناوله الحكم المذكور فيه فهو أولى.
(1) سورة الأنفال الآية 58
(ب) قال أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي في كتابه "أحكام القرآن": الآية السابعة والثمانون قوله تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} (1) هذه الآية من أركان الدين، وفيها خمس مسائل:
(المسألة الأولى) في سبب نزولها. ذكر من فسر أن الله تعالى لما حرم الربا قالت ثقيف: وكيف ننتهي عن الربا وهو مثل البيع؟! فنزلت فيهم الآية.
(المسألة الثانية) قال علماؤنا: قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} (2) كناية عن استيجابه في البيع وقبضه باليد لأن ذلك إنما يفعله المربي قصدا لما يأكله فعبر بالأكل عنه وهو مجاز من باب التعبير عن الشيء بفائدته وثمرته وهو أحد قسمي المجاز كما بيناه في غير موضع.
(المسألة الثالثة) قال علماؤنا: الربا في اللغة هو الزيادة ولا بد في الزيادة من مزيد عليه تظهر الزيادة به، فلأجل ذلك اختلفوا: هل هي عامة في تحريم كل ربا أو مجملة لا بيان لها إلا من غيرها، والصحيح أنها عامة لأنهم كانوا يتبايعون ويربون، وكان الربا عندهم معروفا يبايع الرجل الرجل إلى أجل فإذا حل الأجل قال: أتقضي أم تربي، يعني أم تزيدني على ما لي عليك وأصبر
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة البقرة الآية 275
أجلا آخر، فحرم الله تعالى الربا وهو الزيادة، ولكن لما كان كما قلنا لا تظهر الزيادة إلا على مزيد عليه، ومتى قابل الشيء غير جنسه في المعاملة لم تظهر الزيادة، وإذا قابل جنسه لم تظهر الزيادة أيضا إلا بإظهار الشرع، ولأجل هذا صارت الآية مشكلة على الأكثر معلومة لمن أيده الله تعالى بالنور الأظهر وقد فاوضت فيها علماء وباحثت رفعاء فكل منهم أعطى ما عنده حتى انتظم فيها سلك المعرفة بدرره وجوهرته العليا: أن من زعم أن هذه الآية مجملة فلم يفهم مقاطع الشريعة فإن الله تعالى أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم هو منهم بلغتهم، وأنزل عليهم كتابه تيسيرا منه بلسانهم، وقد كانت التجارة والبيع عندهم من المعاني المعلومة فأنزل عليهم مبينا لهم ما يلزمهم فيهما ويعقدونهما عليه فقال تعالى {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (1) والباطل كما بيناه في كتب الأصول هو الذي لا يفيد وقع التعبير به عن تناول المال بغير عوض في صورة العوض، والتجارة هي مقابلة الأموال بعضها ببعض وهو البيع وأنواعه في متعلقاته بالمال كالأعيان المملوكة، أو ما في معنى المال كالمنافع، وهي ثلاثة أنواع:
عين بعين: وهو بيع النقد، أو بدين مؤجل: وهو السلم، أو حال: وهو يكون في الثمن، أو على رسم الاستصناع، أو بيع عين بمنفعة وهو الإجارة.
والربا في اللغة هو الزيادة، والمراد به في الآية كل زيادة لم يقابلها عوض، فإن الزيادة ليست بحرام لعينها بدليل جواز العقد عليها على وجهه ولو كانت حراما ما صح أن يقابلها عوض ولا يرد عليها عقد كالخمر والميتة وغيرهما، وتبين أن معنى الآية: وأحل الله البيع المطلق الذي يقع فيه العوض على صحة القصد والعمل وحرم منه ما وقع على وجه الباطل، وقد كانت الجاهلية تفعله كما تقدم، فتزيد زيادة لم يقابلها عوض، وكانت تقول: إنما البيع مثل الربا أي إنما الزيادة عند حلول
(1) سورة النساء الآية 29
الأجل آخرا مثل أصل الثمن في أول العقد فرد الله تعالى عليهم قولهم وحرم ما اعتقدوه حلالا عليهم، وأوضح أن الأجل إذا حل ولم يكن عنده ما يؤدى أنظر إلى الميسرة تخفيفا، يحققه أن الزيادة إنما تظهر بعد تقدير العوضين فيه، وذلك على قسمين:
أحدهما: تولي الشرع تقدير العوض فيه وهو الأموال الربوية، فلا تحل الزيادة فيه، وأما الذي وكله إلى المتعاقدين فالزيادة فيه على قدر مالية العوضين عند التقابل على قسمين: أحدهما ما يتغابن الناس بمثله فهو حلال بإجماع، ومنه ما يخرج عن العادة، واختلف علماؤنا فيه: فأمضاه المتقدمون وعدوه من فن التجارة، ورده المتأخرون ببغداد ونظرائها وحدوا المردود بالثلث.
والذي أره أنه إذا وقع عن علم المتعاقدين فإنه حلال ماض لأنهما يفتقران إلى ذلك في الأوقات وهو داخل تحت قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (1) وإن وقع عن جهل من أحدهما فإن الآخر بالخيار، وفي مثله ورد الحديث:«أن رجلا كان يخدع في البيوع فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بايعت فقل: لا خلابة (2)» زاد الدارقطني وغيره: «ولك الخيار ثلاثا» وقد مهدناه في شرح الحديث ومسائل الخلاف فهذا أصل علم هذا الباب.
فإن قيل: أنكرتم الإجمال في الآية وما أوردتموه من البيان والشروط هو بيان ما لم يكن في الآية مبينا ولا يوجد عنها من القول ظاهرا.
قلنا: هذا سؤال من لم يحضر ما مضى من القول ولا ألقي إليه السمع وهو شهيد وقد توضح في مسائل الكلام أن جميع ما أحل الله لهم أو حرم عليهم كان معلوما عندهم لأن الخطاب جاء فيه بلسانهم فقد أطلق لهم حل ما كانوا يفعلونه من بيع وتجارة ويعلمونه، وحرم عليهم أكل المال بالباطل وقد كانوا يفعلونه
(1) سورة النساء الآية 29
(2)
صحيح البخاري البيوع (2117)، صحيح مسلم البيوع (1533)، سنن النسائي البيوع (4484)، سنن أبو داود البيوع (3500)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 130)، موطأ مالك البيوع (1393).
ويعلمونه ويتسامحون فيه، ثم إن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقي إليهم زيادة فيما كان عندهم من عقد أو عوض لم يكن عندهم جائزا فألقى إليهم وجوه الربا المحرمة في كل مقتات، وثمن الأشياء مع الجنس متفاضلا وألحق به بيع الرطب بالتمر والعنب بالزبيب والبيع والسلف وبين وجوه أكل المال بالباطل في بيع الغرر كله أو ما لا قيمة له شرعا فيما كانوا يعتقدونه متقوما كالخمر والميتة والدم وبيع الغش، ولم يبق في الشريعة بعد هاتين الآيتين بيان يفتقر إليه في الباب، وبقي ما وراءهما على الجواز إلا أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يصح ستة وخمسون معنى نهي عنها:
الأول والثاني: ثمن الأشياء جنسا بجنس.
والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع: بيع المقتات أو ثمن الأشياء جنسا بجنس متفاضلا أو جنسا بغير جنسه نسيئة أو بيع الرطب بالتمر أو العنب بالزبيب أو بيع المزابنة على أحد القولين أو عن بيع وسلف وهذا كله داخل في الربا وهو مما تولى الشرع تقدير العوض فيه فلا تجوز الزيادة عليه.
الثامن: بيعتان في بيعة. التاسع: بيع الغرر، ورد بيع الملامسة والمنابذة والحصاة وبيع الثنيا وبيع العريان وما ليس عندك والمضامين والملاقيح وحبل حبلة ويتركب عليهما من وجه بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها وبيع السنبل حتى يشتد والعنب حتى يسود وهو مما قبله وبيع المحاقلة والمعاومة والمخابرة والمحاصرة وبيع ما لم يقبض وربح ما لم يضمن وبيع الطعام قبل أن يستوفي من بعض ما تقدم والخمر والميتة وشحومها وثمن الدم وبيع الأصنام وعسيب الفحل والكاب والسنور وكسب الحجام ومهر البغي وحلوان الكاهن وبيع المضطر وبيع الولاء وبيع الولد أو الأم فردين أو الأخ والأخ فردين وكراء الأرض والماء والكلأ والنجس وبيع الرجل على بيع أخيه وخطبته على خطبة أخيه وحاضر لباد وتلقي السلع والقينات.
فهذه ستة وخمسون معنى حضرت الخاطر مما نهي عنه أوردناها حسب نسقها في
الذكر، وهي ترجع في التقسيم الصحيح الذي أوردناه في المسائل إلى سبعة أقسام: ما يرجع إلى صفة العقد، وما يرجع إلى صفة المتعاقدين، وما يرجع إلى العوضين، وإلى حال العقد، والسابع وقت العقد كالبيع وقت نداء يوم الجمعة أو في آخر جزء من الوقت المعين للصلاة، ولا تخرج عن ثلاثة أقسام وهي الربا والباطل والغرر، ويرجع الغرر بالتحقيق إلى الباطل فيكون قسمين على الآيتين.
وهذه المناهي تتداخل ويفصلها المعنى، ومنها أيضا ما يدخل في الربا والتجارة ظاهرا، ومنها ما يخرج عنها ظاهرا، ومنها ما يدخل فيها باحتمال، ومنها ما ينهى عنها مصلحة للخلق وتألفا بينهم لما في التدابر من المفسدة.
(المسألة الرابعة): قد بينا أن الربا على قسمين: زيادة في الأموال المقتاتة والأثمان والزيادة في سائرها، وذكرنا حدودها وبينا أن الربا فيما جعل التقدير فيه للمتعاقدين جائز بعلمهما ولا خلاف فيه، وكذلك يجوز الربا في هبة الثواب.
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أيما رجل وهب هبة يرى أنها للثواب فهو على هبته حتى يرضى منها. فهو مستثنى من الممنوع الداخل في عموم التحريم، وقد انتهى القول في هذا الغرض ها هنا وشرحه في تفسير الحديث ومسائل الخلاف، ومنه ما تيسر على آيات القرآن في هذا القسم من الأحكام.
(المسألة الخامسة): من معنى هذه الآية وهي في التي بعدها قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (1) ذهب بعض الغلاة من أرباب الورع إلى أن المال الحلال إذا خالطه حرام حتى لم يتميز ثم أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل ولم يطب لأنه يمكن أن يكون الذي أخرج هو الحلال.
(1) سورة البقرة الآية 279
والذي بقي هو الحرام وهو غلو في الدين فإن كل ما لم يتميز فالمقصود منه ماليته لا عينه، ولو تلف لقام المثل مقامه، والاختلاط إتلاف لتميزه كما أن الإهلاك إتلاف لعينه والمثل قائم مقام الذاهب وهذا بين حسابين معنى، والله أعلم).
(جـ) قال أبو الفداء إسماعيل بن كثير في تفسيره: قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1).
لما ذكر الله تعالى الأبرار المؤدين النفقات المخرجين الزكوات المتفضلين بالبر والصدقات لذوي الحاجات والقرابات في جميع الأحوال والأوقات: شرع في ذكر أكلة الربا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشبهات. أخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم فقال: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (2) أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياما منكرا، وقال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق، رواه ابن أبي حاتم، قال: وروي عن عوف بن مالك وسعيد بن جبير والسدي والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك، وحكي عن عبد الله بن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومقاتل بن حيان أنهم قالوا: في قوله {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (3) يعني.
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة البقرة الآية 275
(3)
سورة البقرة الآية 275
لا يقومون يوم القيامة، وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد والضحاك وابن زيد، وروى ابن أبي حاتم من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حنيف عن أبي عبد الله بن مسعود عن أبيه أنه كان يقرأ:" الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس يوم القيامة " - وقال ابن جرير: حدثني المثنى حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا ربيعة بن كلثوم حدثنا أبي - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب وقرأ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (1) وذلك حين يقوم من قبره.
وفي حديث أبي سعيد في الإسراء كما هو مذكور في سورة "سبحان": «أنه عليه السلام مر ليلتئذ بقوم لهم أجواف مثل البيوت، فسأل عنهم فقيل: هؤلاء أكلة الربا» . رواه البيهقي مطولا، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الحسن بن موسى عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي الصلت عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات تجري من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا (2)» ورواه الإمام أحمد عن حسن وعفان كلاهما عن حماد بن سلمة به، وفي إسناده ضعف
وقد روى البخاري عن سمرة بن جندب في حديث المنام الطويل: «فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع الحجارة عنده فيفغر له فاه فيلقمه حجرا (3)» وذكر في تفسيره أنه آكل الربا.
وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (4) أي إنما جوزوا بذلك لاعتراضهم على أحكام الله في شرعه، وليس هذا قياسا منهم
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سنن ابن ماجه التجارات (2273).
(3)
صحيح البخاري التعبير (7047)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 9).
(4)
سورة البقرة الآية 275
للربا على البيع؛ لأن المشركين لا يعترفون بمشروعية أصل البيع الذي شرعه الله في القرآن، ولو كان هذا من باب القياس لقالوا: إنما الربا مثل البيع وإنما قالوا (إنما البيع مثل الربا) أي هو نظيره فلم حرم هذا وأبيح هذا؟ وهذا اعتراض منهم على الشرع أي هذا مثل هذا وقد أحل هذا وحرم هذا.
وقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (1) يحتمل أن يكون من تمام الكلام ردا عليهم؛ أي على ما قالوه من الاعتراض مع علمهم بتفريق الله بين هذا وهذا حكما، وهو العليم الحكيم الذي لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها، وما ينفع عباده فيبيحه لهم وما يضرهم فينهاهم عنه، وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها الطفل، ولهذا قال:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} (2)؛ أي من بلغه نهي الله عن الربا فانتهى حال وصول الشرع إليه فله ما سلف من المعاملة لقوله: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} (3) وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين، وأول ربا أضع ربا العباس (4)» ولم يأمرهم برد الزيادات المأخوذة في حال الجاهلية بل عفا عما سلف، كما قال تعالى:{فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} (5) قال سعيد بن جبير والسدي: فله ما سلف ما كان أكل من الربا قبل التحريم.
وقال ابن أبي حاتم: قرأ علي محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن أبي إسحاق الهمداني عن أم يونس يعني امرأته العالية بنت أبقع أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لها أم محبة أم ولد زيد بن أرقم: يا أم المؤمنين أتعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم، قالت: فإني بعته عبدا إلى العطاء بثمانمائة فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة، فقالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب، قالت: فقلت: أرأيت
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة البقرة الآية 275
(3)
سورة المائدة الآية 95
(4)
صحيح مسلم كتاب الحج (1218)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1905)، سنن ابن ماجه المناسك (3074)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1850).
(5)
سورة البقرة الآية 275
إن تركت المائتين وأخذت الستمائة قالت: نعم {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (1) وهذا الأثر مشهور وهو دليل لمن حرم مسألة العينة مع ما جاء فيها من الأحاديث المذكورة المقررة في كتاب الأحكام، ولله الحمد والمنة.
ثم قال تعالى: {وَمَنْ عَادَ} (2) أي إلى الربا ففعله بعد بلوغه نهي الله عنه فقد استوجب العقوبة وقامت عليه الحجة، ولهذا قال:{فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (3) وقد قال أبو داود: حدثنا يحيى أبو داود حدثنا يحيى بن معين أخبرنا عبد الله بن رجاء المكي عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير عن جابر قال: لما نزلت {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (4) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله (5)» ورواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي خيثم، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وإنما حرمت المخابرة وهي المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض، والمزابنة وهي اشتراء الرطب في رؤوس النخل بالتمر على وجه الأرض، والمحاقلة وهي اشتراء الحب في سنبله في الحقل بالحب على وجه الأرض، إنما حرمت هذه الأشياء وما شاكلها حسما لمادة الربا؛ لأنه لا يعلم التساوي بين الشيئين قبل الجفاف، ولهذا قال الفقهاء: الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة، ومن هذا حرموا أشياء بما فهموا من تضييق المالك المفضية إلى الربا والوسائل الموصلة إليه وتفاوت نظرهم بحسب ما وهب الله لكل منهم من العلم، وقد قال تعالى:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (6).
باب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا فيهن عهدا ننتهي إليه: الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا- يعني بذلك بعض المسائل التي فيها شائبة الربا، والشريعة
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة البقرة الآية 275
(3)
سورة البقرة الآية 275
(4)
سورة البقرة الآية 275
(5)
سنن أبو داود البيوع (3406).
(6)
سورة يوسف الآية 76
شاهدة بأن كل حرام فالوسيلة إليه مثله لأن ما أفضى إلى الحرام حرام كما أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه (1)» .
وفي السنن عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (2)» .
وفي الحديث الآخر: «الإثم ما حاك في القلب وترددت فيه النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس (3)» وفي رواية: «استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك (4)» .
وقال الثوري عن عاصم عن الشعبي عن ابن عباس قال: آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الربا، رواه البخاري عن قبيصة بن عقبة وقال أحمد عن يحيى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن عمر قال: من آخر ما نزل آية الربا وإن رسول الله قبض قبل أن يفسرها لنا فدعوا الربا والريبة. وقال: رواه ابن ماجه وابن مردويه من طريق هياج بن بسطام عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: " إني لعلي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم، وآمركم بأشياء لا تصلح لكم، وإن من آخر القرآن نزولا آية الربا، وإنه قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبينه لنا فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم" وقد قال ابن أبي عدي بالإسناد موقوفا فذكره، ورده الحاكم في مستدركه وقد قال ابن ماجه: حدثنا عمرو بن علي الصيرفي حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن زيد عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله هو ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والربا ثلاثة وسبعون بابا (5)» ورواه الحاكم في مستدركه من حديث عمرو بن علي الفلاس بإسناد مثله وزاد: «أيسرها أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم (6)» وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال ابن ماجه: حدثنا عبد الله بن
(1) صحيح البخاري الإيمان (52)، صحيح مسلم المساقاة (1599)، سنن الترمذي البيوع (1205)، سنن النسائي البيوع (4453)، سنن أبو داود البيوع (3329)، سنن ابن ماجه الفتن (3984)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270)، سنن الدارمي البيوع (2531).
(2)
سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2518)، سنن النسائي الأشربة (5711)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 200)، سنن الدارمي البيوع (2532).
(3)
صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2553)، سنن الترمذي الزهد (2389)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 182)، سنن الدارمي الرقاق (2789).
(4)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 228)، سنن الدارمي البيوع (2533).
(5)
سنن ابن ماجه التجارات (2275).
(6)
سنن ابن ماجه التجارات (2274).
سعيد حدثنا عبد الله بن إدريس عن أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الربا سبعون جزءا أيسرها أن ينكح الرجل أمه (1)»
وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم عن عباد بن راشد عن سعيد بن أبي خيرة حدثنا الحسن منذ نحو من أربعين أو خمسين سنة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا " قال: قيل له: الناس كلهم؟ قال: من لم يأكله منهم ناله من غباره (2)» وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من غير وجه عن سعيد بن أبي خيرة عن الحسن به.
ومن هذا القبيل تحريم الوسائل المفضية إلى المحرمات، الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عائشة قالت:«لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقرأهن فحرم التجارة في الخمر (3)» وقد أخرجه الجماعة سوى الترمذي من طرق عن الأعمش به وهكذا لفظ رواية البخاري عند تفسير هذه الآية فحرم التجارة وفي لفظ له عن عائشة قالت: «لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس ثم حرم التجارة في الخمر (4)» قال بعض من تكلم على هذا الحديث من الأئمة: لما حرم الربا ووسائله حرم الخمر وما يفضي إليه من تجارة ونحو ذلك كما قال عليه السلام في الحديث المتفق عليه: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها. وأكلوا أثمانها (5)» وقد تقدم في حديث علي وابن مسعود وغيرهما عند لعن المحلل في تفسير قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (6) قوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه (7)» قالوا: وما يشهد عليه ويكتب إلا إذا أظهر في صورة عقد شرعي ويكون داخله فاسدا بالاعتبار بمعناه لا بصورته لأن الأعمال بالنيات، وفي الصحيح:«إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم (8)» وقد
(1) سنن ابن ماجه التجارات (2274).
(2)
سنن النسائي البيوع (4455)، سنن أبو داود البيوع (3331)، سنن ابن ماجه التجارات (2278)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 494).
(3)
صحيح البخاري تفسير القرآن (4540)، صحيح مسلم المساقاة (1580)، سنن النسائي البيوع (4665)، سنن أبو داود البيوع (3490)، سنن ابن ماجه الأشربة (3382)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 127)، سنن الدارمي البيوع (2569).
(4)
صحيح البخاري تفسير القرآن (4540)، صحيح مسلم المساقاة (1580)، سنن النسائي البيوع (4665)، سنن أبو داود البيوع (3490)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 127)، سنن الدارمي البيوع (2569).
(5)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3460)، صحيح مسلم المساقاة (1582)، سنن النسائي الفرع والعتيرة (4257)، سنن ابن ماجه الأشربة (3383)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 25)، سنن الدارمي الأشربة (2104).
(6)
سورة البقرة الآية 230
(7)
صحيح مسلم المساقاة (1597، 1598)، سنن الترمذي البيوع (1206)، سنن أبو داود البيوع (3333)، سنن ابن ماجه التجارات (2277)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 304)، سنن الدارمي البيوع (2535).
(8)
صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2564).
صنف الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية كتابا في إبطال التحليل تضمن النهي عن تعاطي الوسائل المفضية إلى كل باطل، وقد كفى في ذلك وشفى فرحمه الله ورضي عنه.
{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (1){إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2).
يخبر تعالى أنه يمحق الربا أي يذهبه إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به بل يعذبه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة كما قال تعالى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} (3) وقال تعالى: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} (4) وقال: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} (5) الآية وقال ابن جرير: قوله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} (6) وهذا نظير الخبر الذي روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل (7)» وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد في مسنده فقال: حدثنا حجاج حدثنا شريك عن الركين بن الربيع عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل (8)» وقد رواه ابن ماجه عن العباس بن جعفر عن عمرو بن عون عن يحيى بن أبي زائدة عن إسرائيل عن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري عن أبيه عن ابن مسعود عن
(1) سورة البقرة الآية 276
(2)
سورة البقرة الآية 277
(3)
سورة المائدة الآية 100
(4)
سورة الأنفال الآية 37
(5)
سورة الروم الآية 39
(6)
سورة البقرة الآية 276
(7)
سنن ابن ماجه التجارات (2279)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 395).
(8)
سنن ابن ماجه التجارات (2279)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 395).
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قل (1)» وهذا من باب المعاملة بنقيض المقصود كما قال الإمام أحمد حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا الهيثم بن نافع الظاهري حدثني أبو يحيى - رجل من أهل مكة - عن فروخ مولى عثمان أن عمر وهو يومئذ أمير المؤمنين خرج من المسجد فرأى طعاما منشورا فقال: ما هذا الطعام؟ فقالوا: طعام جلب إلينا، قال: بارك الله فيه وفيمن جلبه، قيل: يا أمير المؤمنين إنه قد احتكر قال: من احتكره؟ قالوا: فروخ مولى عثمان، وفلان مولى عمر، فأرسل إليهما فقال: ما حملكما على احتكار طعام المسلمين؟ قالا: يا أمير المؤمنين نشتري بأموالنا ونبيع، فقال: عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالإفلاس أو بجذام (2)» فقال فروخ عند ذلك: أعاهد الله وأعاهدك أن لا أعود في طعام أبدا، وأما مولى عمر فقال: إنما نشتري بأموالنا ونبيع، قال أبو يحيى: فقد رأيت مولى عمر مجذوما ورواه ابن ماجه من حديث الهيثم بن رافع به ولفظه: «من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالإفلاس والجذام (3)» .
وقوله: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (4) قرئ بضم الياء والتخفيف من ربا الشيء يربو وأرباه يربيه أي كثره ونماه ينميه وقرئ يربي بالضم والتشديد من التربية، قال البخاري: حدثنا عبد الله بن كثير أخبرنا كثير سمع أبا النضر حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى يكون مثل الجبل (5)» كذا رواه في كتاب الزكاة
وقال في كتاب التوحيد: وقال خالد بن مخلد بن سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار فذكر بإسناده نحوه وقد رواه مسلم في الزكاة عن أحمد بن عثمان بن حكيم عن خالد
(1) سنن ابن ماجه التجارات (2279).
(2)
سنن ابن ماجه التجارات (2155)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 21).
(3)
سنن ابن ماجه التجارات (2155)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 21).
(4)
سورة البقرة الآية 276
(5)
صحيح البخاري الزكاة (1410)، صحيح مسلم الزكاة (1014)، سنن الترمذي الزكاة (661)، سنن النسائي الزكاة (2525)، سنن ابن ماجه الزكاة (1842)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 331)، موطأ مالك الجامع (1874)، سنن الدارمي الزكاة (1675).
بن مخلد فذكره قال البخاري: ورواه مسلم بن أبي مريم وزيد بن أسلم وسهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: أما رواية مسلم بن أبي مريم فقد تفرد البخاري بذكرها وأما طريق زيد بن أسلم فرواها مسلم في صحيحه عن أبي الظاهر بن السرح عن أبي وهب عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم به وأما حديث سهيل فرواه مسلم عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل به والله أعلم.
قال البخاري وقال: ورقاء عن ابن دينار عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد أسند هذا الحديث من هذا الوجه الحافظ أبو بكر البيهقي عن الحاكم وغيره عن الأصم عن العباس المروزي عن أبي الزناد هاشم بن القاسم عن ورقاء وهو ابن عمر اليشكري عن عبد الله بن دينار عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه فيربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى يكون مثل أحد (1)» وهكذا روى هذا الحديث مسلم والترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن الليث بن سعد عن سعيد المقبري وأخرجه النسائي من رواية مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري ومن طريق يحيى القطان عن محمد بن عجلان ثلاثتهم عن سعيد بن يسار أبي الحباب المدني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقد روي عن أبي هريرة من وجه آخر فقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي حدثنا وكيع عن عباد بن منصور حدثنا القاسم بن محمد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره أو فلوه حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد (2)» وتصديق ذلك في كتاب الله {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (3) وكذا رواه أحمد عن وكيع وهو في تفسير وكيع ورواه الترمذي
(1) صحيح البخاري الزكاة (1410)، صحيح مسلم الزكاة (1014)، سنن الترمذي الزكاة (661)، سنن النسائي الزكاة (2525)، سنن ابن ماجه الزكاة (1842)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 331)، موطأ مالك الجامع (1874)، سنن الدارمي الزكاة (1675).
(2)
صحيح البخاري الزكاة (1410)، صحيح مسلم الزكاة (1014)، سنن الترمذي الزكاة (662)، سنن النسائي الزكاة (2525)، سنن ابن ماجه الزكاة (1842)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 404)، موطأ مالك الجامع (1874)، سنن الدارمي الزكاة (1675).
(3)
سورة البقرة الآية 276
عن أبي كريب عن وكيع به وقال حسن صحيح، وكذا رواه الترمذي عن عباد بن منصور به، ورواه أحمد أيضا عن خلف بن الوليد عن ابن المبارك عن عبد الواحد بن ضمرة وعباد بن منصور كلاهما عن أبي نضرة عن القاسم به، وقد رواه ابن جرير عن محمد بن عبد الملك بن إسحاق عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن القاسم بن محمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا تصدق من طيب يقبلها الله منه فيأخذها بيمينه ويربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله أو قال في كف الله حتى تكون مثل أحد فتصدقوا (1)» وهكذا رواه أحمد عن عبد الرزاق وهذا طريق غريب صحيح الإسناد ولكن لفظه عجيب والمحفوظ ما تقدم، وروي عن عائشة أم المؤمنين فقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد عن ثابت عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى يكون مثل أحد (2)» تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقال البزار حدثنا يحيى بن المعلى بن منصور حدثنا إسماعيل حدثني أبي عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الضحاك بن عثمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل ليتصدق من الكسب الطيب ولا يقبل الله إلا الطيب فيتلقاها الرحمن بيده فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو وصيفه (3)» أو قال فصيله ثم قال: لا نعلم أحدا رواه عن يحيى بن سعيد عن عمرة إلا أبا أويس.
وقوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (4) أي لا يحب كفور القلب أثيم القول والفعل ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة فهو
(1) مسند أحمد بن حنبل (2/ 268).
(2)
مسند أحمد بن حنبل (6/ 251).
(3)
صحيح البخاري الزكاة (1410)، صحيح مسلم الزكاة (1014)، سنن الترمذي الزكاة (661)، سنن النسائي الزكاة (2525)، سنن ابن ماجه الزكاة (1842)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 541)، موطأ مالك الجامع (1874)، سنن الدارمي الزكاة (1675).
(4)
سورة البقرة الآية 276
جحود لما عليه من النعمة ظلوم آثم يأكل أموال الناس بالباطل - ثم قال تعالى مادحا للمؤمنين بربهم المطيعين أمره المؤدين شكره المحسنين إلى خلقه في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مخبرا عما أعد لهم من الكرامة وأنهم يوم القيامة من التبعات آمنون فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (2){فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (3){وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (4){وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (5).
يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بتقواه ناهيا لهم عما يقربهم إلى سخطه ويبعدهم عن رضاه فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} (6) أي خافوه وراقبوه فيما تفعلون {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (7) أي اتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رؤوس الأموال بعد هذا الإنذار {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (8) أي بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحريم الربا وغير ذلك.
وقد ذكر زيد بن أسلم وابن جريج ومقاتل بن حيان والسدي أن هذا السياق نزل في بني عمرو بن عمير من ثقيف وبني المغيرة من بني مخزوم كان بينهم ربا في الجاهلية فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه طلبت ثقيف أن تأخذه منهم فتشاوروا، وقالت بنو المغيرة لا نؤدي الربا في الإسلام بكسب الإسلام، فكتب في ذلك عتاب بن أسيد نائب مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه
(1) سورة البقرة الآية 277
(2)
سورة البقرة الآية 278
(3)
سورة البقرة الآية 279
(4)
سورة البقرة الآية 280
(5)
سورة البقرة الآية 281
(6)
سورة البقرة الآية 278
(7)
سورة البقرة الآية 278
(8)
سورة البقرة الآية 248
الآية، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1) {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (2) فقالوا: نتوب إلى الله ونذر ما بقي من الربا، فتركوه كلهم، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار، قال ابن جريج قال ابن عباس:{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ} (3) أي استيقنوا بحرب من الله ورسوله، وتقدم من رواية ربيعة بن كلثوم عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب، ثم قرأ:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (4) وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (5) فمن كان مقيما على الربا لا ينزع عنه كان حقا على إمام المسلمين أن يستتيبه فإن نزع وإلا ضرب عنقه.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي عن الحسين حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الأعلى حدثنا هشام بن حسان عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا: والله إن هؤلاء الصيارفة لأكلة الربا وإنهم قد أذنوا بحرب من الله ورسوله ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح، وقال قتادة: أوعدهم الله بالقتل كما يسمعون وجعلهم بهرجا أين ما أتوا فإياكم ومخالطة هذه البيوع من الربا فإن الله قد أوسع الحلال وأطابه فلا يلجئنكم إلى معصيته فاقة. رواه ابن أبي حاتم
وقال الربيع بن أنس: أوعد الله آكل الربا بالقتل رواه ابن جرير وقال السهيلي: ولهذا قالت عائشة لأم محبة مولاة زيد بن أرقم في مسألة العينة أخبريه أن جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم قد أبطل إلا أن يتوب فخصت الجهاد لأن ضد قوله: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (6) قال: وهذا المعنى ذكره كثير قال: ولكن هذا إسناده إلى عائشة ضعيف.
ثم قال تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (7) أي بأخذ الزيادة ولا تظلمون أي بوضع رؤوس الأموال أيضا بل لكم
(1) سورة البقرة الآية 278
(2)
سورة البقرة الآية 279
(3)
سورة البقرة الآية 279
(4)
سورة البقرة الآية 279
(5)
سورة البقرة الآية 279
(6)
سورة البقرة الآية 279
(7)
سورة البقرة الآية 279
ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن الحسين بن أشكاب حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن شبيب بن غرقدة البارقي عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: «ألا إن كل ربا كان في الجاهلية موضوع عنكم كله لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله (1)» كذا وجده سليمان بن الأحوص وقد قال ابن مردويه: حدثنا الشافعي حدثنا معاذ بن المثنى أخبرنا مسدد أخبرنا أبو الأحوص حدثنا شبيب بن غرقدة عن سليمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إلا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (2)» وكذا رواه من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي حمزة الرقاشي عن عمرو هو ابن خارجة فذكره.
وقوله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (3) يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء فقال: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (4) لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حل عليه الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي. ثم يندب إلى الوضع عنه ويعد على ذلك الخير والثواب الجزيل فقال: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (5) أي وإن تتركوا المال بالكلية وتضعوه عن المدين.
(1) سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن (3087)، سنن ابن ماجه المناسك (3055).
(2)
سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن (3087)، سنن أبو داود البيوع (3334)، سنن ابن ماجه المناسك (3055).
(3)
سورة البقرة الآية 280
(4)
سورة البقرة الآية 280
(5)
سورة البقرة الآية 280