الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسئلة متفرقة وأجوبتها
.
س1: كثير من المسلمين يتساهلون في
الحكم بغير شريعة الله
، والبعض يعتقد أن ذلك التساهل لا يؤثر في تمسكه بالإسلام، والبعض الآخر يستحل الحكم بغير ما أنزل الله، ولا يبالي بما يترتب على ذلك، فما هو الحق في ذلك؟
ج1: هذا فيه تفصيل، وهو أن يقال من حكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم أنه يجب عليه الحكم بما أنزل الله، وأنه خالف الشرع، ولكن استباح هذا الأمر، ورأى أنه لا حرج عليه في ذلك، وأنه يجوز له أن يحكم بغير شريعة الله، فهو كافر كفرا أكبر عند جميع العلماء، كالحكم بالقوانين الوضعية التي وضعها الرجال من النصارى أو اليهود أو غيرهم ممن زعم أنه يجوز الحكم بها، أو زعم أنها أفضل من حكم الله، أو زعم أنها تساوي حكم الله، وأن الإنسان مخير إن شاء حكم بالقرآن والسنة، وإن شاء حكم بالقوانين الوضعية. . . من اعتقد هذا كفر بإجماع العلماء كما تقدم.
أما من حكم بغير ما أنزل الله لهوى، أو لحظ عاجل، وهو يعلم أنه عاص لله ولرسوله، وأنه فعل منكرا عظيما، وأن الواجب عليه الحكم بشرع الله، فإنه لا يكفر بذلك الكفر الأكبر، لكنه قد أتى منكرا عظيما ومعصية كبيرة وكفرا أصغر، كما قال ذلك ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أهل العلم، وقد ارتكب بذلك كفرا دون كفر، وظلما دون ظلم، وفسقا دون فسق، وليس هو الكفر الأكبر، وهذا قول أهل السنة والجماعة، وقد قال الله سبحانه:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (1) وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (2)
(1) سورة المائدة الآية 49
(2)
سورة المائدة الآية 44
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (1){وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (2) وقال عز وجل: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3) وقال عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (4) فحكم الله هو أحسن الأحكام، وهو الواجب الاتباع، وبه صلاح الأمة وسعادتها في العاجل والآجل، وصلاح العالم كله، ولكن أكثر الخلق في غفلة عن هذا. والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(1) سورة المائدة الآية 45
(2)
سورة المائدة الآية 47
(3)
سورة النساء الآية 65
(4)
سورة المائدة الآية 50
س2: هل يكفي النطق بالركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أم لا بد من أشياء أخرى حتى يكتمل إسلام المرء؟
ج2: إذا شهد الكافر أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله عن صدق بذلك ويقين، وعلم بما دلت عليه، وعمل بذلك دخل في الإسلام، ثم يطالب بالصلاة وباقي الأحكام، ولهذا «لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له: ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم (1)» فلم يأمرهم بالصلاة
(1) صحيح البخاري الزكاة (1395)، صحيح مسلم الإيمان (19)، سنن الترمذي الزكاة (625)، سنن النسائي الزكاة (2435)، سنن أبو داود الزكاة (1584)، سنن ابن ماجه الزكاة (1783)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 233)، سنن الدارمي الزكاة (1614).
والزكاة إلا بعد التوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم فإذا فعل الكافر ذلك صار له حكم المسلمين، ثم يطالب بالصلاة وبقية أمور الدين، فإذا امتنع عن ذلك صارت له أحكام أخرى، فإن ترك الصلاة استتابه ولي الأمر، فإن تاب وإلا قتل، وهكذا بقية الأحكام يعامل فيها بما يستحق.
س3: سمعنا عن قوم يأجوج ومأجوج في القرآن الكريم، فما موقفهم الحالي في عالمنا المعاصر، وما دورهم فيه؟
ج3: هم من بني آدم، ويخرجون في آخر الزمان، وهم في جهة الشرق، وكان الترك منهم، فتركوا دون السد، وبقي يأجوج ومأجوج وراء السد، والأتراك كانوا خارج السد. ويأجوج ومأجوج من الشعوب الشرقية (الشرق الأقصى)، وهم يخرجون في آخر الزمان من الصين الشعبية وما حولها بعد خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام لأنهم تركوا هناك حين بنى ذو القرنين السد وصاروا من ورائه من الداخل، وصار الأتراك والتتر من الخارج، والله - جل وعلا - إذا شاء خروجهم على الناس خرجوا من محلهم، وانتشروا في الأرض، وعثوا فيها فسادا، ثم يرسل الله عليهم نغفا في رقابهم، فيموتون موتة نفس واحدة في الحال، كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويتحصن منهم نبي الله عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم والمسلمون؛ لأن خروجهم في وقت عيسى بعد خروج الدجال.
س4: أنا مسلمة والحمد لله، وأعمل كل ما يرضي الله وملتزمة بالحجاب الشرعي، ولكن والدتي سامحها الله لا تريد مني أن ألتزم بالحجاب، وتأمرني أن أشاهد السينما والفيديو. . . إلخ، وتقول لي: إذا لم تتمتعي وتنشرحي تكونين عجوزا ويبيض شعرك؟
ج4: الواجب عليك أن ترفقي بالوالدة، وأن تحسني إليها، وأن تخاطبيها بالتي هي أحسن؛ لأن الوالدة حقها عظيم، ولكن ليس لك طاعتها في غير المعروف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الطاعة في المعروف، (1)» وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، (2)» وهكذا الأب والزوج وغيرهما لا يطاعون في معاصي الله للحديث المذكور، ولكن ينبغي للزوجة والولد ونحوهما أن يستعملوا الرفق والأسلوب الحسن في حل المشاكل، وذلك ببيان الأدلة الشرعية، ووجوب طاعة الله ورسوله، والحذر من معصية الله ورسوله، مع الثبات على الحق، وعدم طاعة من أمر بمخالفته من زوج أو أب أو أم أو غيرهم. ولا مانع من مشاهدة ما لا منكر فيه من التلفاز والفيديو، وسماع الندوات العلمية، والدروس المفيدة، والحذر من مشاهدة ما يعرض فيهما من المنكر، كما لا يجوز مشاهدة السينما؛ لما فيها من أنواع الباطل.
(1) صحيح البخاري الأحكام (7145)، صحيح مسلم الإمارة (1840)، سنن النسائي البيعة (4205)، سنن أبو داود الجهاد (2625)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 82).
(2)
مسند أحمد بن حنبل (1/ 131).
س5: نسمع أن هناك أناسا سموا أبناءهم بعبد الرسول، وعبد النبي، وعبد الحسن، فما التوجيه؟
ج5: التعبيد لا يجوز إلا لله سبحانه، قال أبو محمد بن حزم الإمام المشهور: اتفقوا (العلماء) على تحريم كل اسم معبد لغير الله، كعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب. (انتهى).
ولا يجوز التسمية بالتعبيد لغير الله، كعبد النبي وعبد الكعبة وعبد علي وعبد الحسن وعبد الحسين ونحو ذلك، أما عبد المحسن فلا بأس به؛ لأن المحسن من أسماء الله سبحانه وتعالى.
وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام؛ كما روي عن ابن عمر مرفوعا: «أحب الأسماء إلى الله تعالى
عبد الله، وعبد الرحمن (1)» رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وفي رواية الطبراني عن ابن مسعود قال صلى الله عليه وسلم:«أحب الأسماء إلى الله ما تعبد له وأصدق الأسماء همام وحارث» .
(1) صحيح مسلم الآداب (2132)، سنن الترمذي الأدب (2833)، سنن أبو داود الأدب (4949)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 24)، سنن الدارمي الاستئذان (2695).
س6: عندما استمعت لهذا البرنامج - أعني نور على الدرب - استفدت الكثير، وخاصة عندما عرفت أن الأولياء والموتى لا يفيدون الإنسان، وعندما أخبرت أهلي بذلك اتهموني بأني كافرة، وأن الأولياء سيضرونني، وأنهم يرونني في المنام بأن هؤلاء الصالحين يلومونني. فبماذا تنصحون مثل هؤلاء الذين تشبعت عقولهم بالخرافات والبدع التي تكاد تنتشر في البلاد العربية؟
ج: ننصح الجميع بأن يتقوا الله عز وجل ويعلموا أن السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة في عبادة الله وحده، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه، فهو سيد الأولياء، وأفضل الأولياء، فالرسل والأنبياء هم أفضل الناس، وهم أفضل الأولياء والصالحين، ثم يليهم بعد ذلك في الفضل أصحاب الأنبياء رضي الله عنهم ومن بعدهم، وأفضل هذه الأمة أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ثم من بعدهم سائر المؤمنين على اختلاف درجاتهم ومراتبهم في التقوى. فالأولياء هم أهل الصلاح والاستقامة على طاعة الله ورسوله، وعلى رأس الأنبياء نبينا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ثم أصحابه رضي الله عنهم ثم الأمثل فالأمثل في التقوى والإيمان كما تقدم. وحبهم في الله والتأسي بهم في الخير وعمل الصالحات أمر مطلوب، ولكن لا يجوز التعلق بهم وعبادتهم من دون الله، ولا دعاؤهم مع الله، ولا أن يستعان بهم أو يطلب منهم المدد؛ كأن يقول: يا رسول الله أغثني، أو يا علي أغثني، أو يا الحسن أغثني أو انصرني، أو يا سيدي الحسين، أو يا شيخ عبد القادر أو غيرهم، كل ذلك
لا يجوز؛ لأن العبادة حق الله وحده، كما قال عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) وقال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2) وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) الآية، وقال سبحانه:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (4) وقال عز وجل: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (5) فسماهم كفرة بدعائهم غير الله، وقال سبحانه:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (6) وقال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (7){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (8) فبين سبحانه أن مدعويهم من دون الله من الرسل أو الأولياء أو غيرهم لا يسمعون؛ لأنهم ما بين ميت، أو مشغول بطاعة ربه كالملائكة، أو غائب لا يسمع دعاءهم، أو جماد لا يسمع ولا يعي، ثم أخبر سبحانه أنهم لو سمعوا لم يستجيبوا لدعائهم، وأنهم يوم القيامة يكفرون بشركهم، فعلم بذلك أن الله عز وجل هو الذي يسمع الدعاء، ويجيب الداعي إذا شاء، وهو النافع الضار المالك لكل شيء، والقادر على كل شيء. فالواجب الحذر من عبادة غيره، والتعلق بغيره من
(1) سورة البقرة الآية 21
(2)
سورة غافر الآية 60
(3)
سورة البينة الآية 5
(4)
سورة النمل الآية 62
(5)
سورة المؤمنون الآية 117
(6)
سورة الجن الآية 18
(7)
سورة فاطر الآية 13
(8)
سورة فاطر الآية 14
الأموات والغائبين والجماد وغيرهم من المخلوقات التي لا تسمع الداعي ولا تستطيع نفعه أو ضره، أما الحي الحاضر القادر فلا بأس أن يستعان به فيما يقدر عليه، كما قال عز وجل في قصة موسى:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) الآية، وكما يستعين المسلم في الجهاد وقتال الأعداء بإخوانه المجاهدين. . والله ولي التوفيق.
(1) سورة القصص الآية 15
س7: هل يجوز أن أختم القرآن الكريم لوالدي علما أنهما أميان لا يقرآن ولا يكتبان؟ وهل يجوز أن أختم القرآن لشخص يعرف القراءة والكتابة، ولكن أريد إهداءه هذه الختمة، وهل يجوز لي أن أختم القرآن لأكثر من شخص. .؟
جـ7: لم يرد في الكتاب العزيز ولا في السنة المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام ما يدل على شرعية إهداء القرآن الكريم للوالدين ولا لغيرهما، وإنما شرع الله قراءة القرآن للانتفاع به، والاستفادة منه، وتدبر معانيه، والعمل بذلك، قال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (1) وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (2) وقال سبحانه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (3) وقال نبينا عليه الصلاة والسلام: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة (4)» ويقول صلى الله عليه وسلم: «إنه يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين يعملون به
(1) سورة ص الآية 29
(2)
سورة الإسراء الآية 9
(3)
سورة فصلت الآية 44
(4)
صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (804)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 249).
تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن أصحابهما (1)» المقصود أنه أنزل للعمل به وتدبره والتعبد بتلاوته والإكثار من قراءته لا لإهدائه للأموات أو غيرهم، ولا أعلم في إهدائه للوالدين أو غيرهم أصلا يعتمد عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد، (2)» وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك، وقالوا: لا مانع من إهداء ثواب القرآن وغيره من الأعمال الصالحات، وقاسوا ذلك على الصدقة والدعاء للأموات وغيرهم، ولكن الصواب هو القول الأول للحديث المذكور، وما جاء في معناه، ولو كان إهداء التلاوة مشروعا لفعله السلف الصالح.
والعبادة لا يجوز فيها القياس؛ لأنها توقيفية لا تثبت إلا بالنص من كلام الله عز وجل أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم للحديث السابق، وما جاء في معناه. أما الصدقة عن الأموات وغيرهم، والدعاء لهم، والحج عن الغير ممن قد حج عن نفسه، وهكذا العمرة عن الغير ممن قد اعتمر عن نفسه، وهكذا قضاء الصوم عمن مات وعليه صيام، فكل هذه العبادات قد صحت بها الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. . والله ولي التوفيق.
(1) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (805)، سنن الترمذي فضائل القرآن (2883)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 183).
(2)
صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).
س8: أرجو شرح قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} (1){خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (2){وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (3) هل يفهم من هذا أن من دخل الجنة يخرج منها إذا شاء الله؟ وهل نسخت هاتان الآيتان بشيء من القرآن إذ أنهما وردتا في سورة مكية؟
(1) سورة هود الآية 106
(2)
سورة هود الآية 107
(3)
سورة هود الآية 108
جـ8: الآيتان ليستا منسوختين بل محكمتان، وقوله عز وجل:{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (1) اختلف أهل العلم في معنى ذلك، مع إجماعهم على أن نعيم الجنة دائم أبدا لا ينقضي ولا يزول ولا يخرجون منها، ولهذا قال تعالى:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (2) لإزالة بعض ما قد يتوهم بعض الناس أن هناك خروجا، فهم خالدون فيها أبدا، ولهذا قال سبحانه:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (3){ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} (4) يعنى آمنين من الموت، وآمنين من الخروج، وآمنين من الأمراض، ولهذا قال عز وجل بعد ذلك:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} (5){لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} (6) فهم فيها دائمون، ولا يخرجون ولا يموتون، وقال تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} (7){فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (8){يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ} (9){كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (10){يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} (11){لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} (12){فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (13) فأخبر سبحانه أن أهل الجنة في مقام أمين، لا يعتريه خراب ولا زوال، وأنهم آمنون أيضا لا خطر عليهم من موت ولا مرض ولا خروج ولا يموتون أبدا.
فقوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (14) قال بعض أهل العلم: معناه: مدة مقامهم في القبور ليسوا في الجنة، وإن كان المؤمن في روضة من رياض
(1) سورة هود الآية 108
(2)
سورة هود الآية 108
(3)
سورة الحجر الآية 45
(4)
سورة الحجر الآية 46
(5)
سورة الحجر الآية 47
(6)
سورة الحجر الآية 48
(7)
سورة الدخان الآية 51
(8)
سورة الدخان الآية 52
(9)
سورة الدخان الآية 53
(10)
سورة الدخان الآية 54
(11)
سورة الدخان الآية 55
(12)
سورة الدخان الآية 56
(13)
سورة الدخان الآية 57
(14)
سورة هود الآية 107
الجنة لكنها ليست هي الجنة، ولكنه شيء منها، فإنه يفتح للمؤمن وهو في قبره باب إلى الجنة يأتيه من ريحها وطيبها ونعيمها، وينقل بعد ذلك إلى الجنة فوق السماوات في أعلى شيء.
وقال بعضهم: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (1) يعني مدة إقامتهم في موقف القيامة للحساب والجزاء، وذلك بعد خروجهم من القبور، فإنهم بعد ذلك ينقلون إلى الجنة، وقال بعضهم: مجموع الأمرين مدة بقائهم في القبور ومدة بقائهم في الموقف ومرورهم على الصراط. . . في كل هذه الأماكن ليسوا في الجنة، لكنهم ينقلون منها إلى الجنة.
ومن هذا يعلم أن المقام مقام واضح، ليس فيه شبهة ولا شك، فأهل الجنة في الجنة أبد الآباد، ولا موت، ولا مرض، ولا خروج، ولا كدر، ولا حزن، ولا حيض، ولا نفاس، بل في نعيم دائم، وخير دائم.
وهكذا أهل النار يخلدون فيها أبد الآباد، ولا يخرجون منها كما قال عز وجل في حقهم:{لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} (2) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
أما قوله عز وجل في حقهم: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (3) فقيل: إن المراد بذلك مقامهم في القبور، وقيل مقامهم في الموقف، وهم بعد ذلك يساقون إلى النار ويخلدون فيها أبد الآباد، كما قال تعالى في حقهم في سورة البقرة:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (4) وقال سبحانه في سورة المائدة: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (5) والله ولي التوفيق.
(1) سورة هود الآية 107
(2)
سورة فاطر الآية 36
(3)
سورة هود الآية 107
(4)
سورة البقرة الآية 167
(5)
سورة المائدة الآية 37