الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويدل على أن الرجعة لا تنقطع إلا بالغسل أيضا ما رواه البيهقي والطبري (1) بسنديهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت جالسا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجاء رجل وامرأته فقال: امرأتي طلقتها ثم راجعتها، فقالت المرأة: طلقني ثم تركني حتى إذا كان آخر ثلاث حيض، وانقطع عني الدم، ووضعت غسلي ونزعت ثيابي فقرع الباب وقال: قد راجعتك فتركت غسلي ولبست ثيابي، فقال عمر ما تقول فيها يا بن مسعود؟ فقال: أرى أنه أحق بها دون أن تحل لها الصلاة، وفي رواية ما لم تغتسل، فقال عمر: نعم ما رأيت وأنا أرى ذلك. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(1) انظر جامع البيان للطبري 2/ 439 وما بعدها.
المسألة الثانية:
هل يباح وطء الحائض بمجرد انقطاع الدم ولو لم تغتسل
، أم لا بد من الاغتسال؟ على قولين للعلماء، والراجح أنه لا يباح الوطء إلا بعد الاغتسال، وهو قول جماهير أهل العلم؛ لقوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (1).
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} (2) يعني اغتسلن، ولأن الله تعالى قد أثنى على المتطهرين، فدل على أنه فعل منهم أثنى عليهم من أجله، والفعل هذا هو الاغتسال دون انقطاع الدم، ثم إن الآية شرطت لإباحة الوطء شرطين: انقطاع الدم، والاغتسال، فلا يباح إلا بهما. وقد ذكر ابن قدامة عن ابن المنذر أنه كالإجماع، حيث قال رحمه الله في
(1) سورة البقرة الآية 222
(2)
سورة البقرة الآية 222
المغني على قول الخرقي: (فإن انقطع دمها فلا توطأ حتى تغتسل) قال: وجملته: أن وطء الحائض قبل الغسل حرام، وإن انقطع دمها في قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر: هذا كالإجماع منهم، وقال أحمد بن محمد المروزي لا أعلم في هذا خلافا. وقال أبو حنيفة: إن انقطع الدم لأكثر الحيض حل وطؤها، وإن انقطع لدون ذلك لم يبح حتى تغتسل، أو تتيمم أو يمضي عليها وقت صلاة؛ لأن وجوب الغسل لا يمنع من الوطء بالجنابة.
ولنا قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (1) يعني إذا اغتسلن، هكذا فسره ابن عباس؛ ولأن الله تعالى قال في الآية {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (2) فأثنى عليهم، فيدل على أنه فعل منهم أثنى عليهم به، وفعلهم هو الاغتسال دون انقطاع الدم فشرط لإباحة الوطء شرطين: انقطاع الدم والاغتسال فلا يباح إلا بهما لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (3) لما اشترط لدفع المال إليهم بلوغ النكاح والرشد لم يبح إلا بهما، كذا هاهنا.
ولأنها ممنوعة من الصلاة لحدث الحيض فلم يبح وطؤها كما لو انقطع لأقل الحيض، وما ذكروه من المعنى منقوض بما إذا انقطع لأقل الحيض، ولأن حدث الحيض آكد من حدث الجنابة فلا يصح قياسه عليه (4).
وقد قال ابن جرير الطبري في معنى قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} (5) الآية. قال: فتأويل الآية إذا: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا جماع نسائكم في وقت حيضهن ولا تقربوهن حتى يغتسلن فيتطهرن من حيضهن بعد انقطاعه.
(1) سورة البقرة الآية 222
(2)
سورة البقرة الآية 222
(3)
سورة النساء الآية 6
(4)
المغني لابن قدامة 1/ 338.
(5)
سورة البقرة الآية 222
ثم قال واختلف أهل التأويل في قوله {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} (1) فقال بعضهم: معنى ذلك: فإذا اغتسلن، وذكر أنه قول ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسفيان، وعثمان بن الأسود، والحسن وغيرهم. ثم قال: وقال آخرون: معنى ذلك فإذا تطهرن للصلاة، وذكر بسنده عن طاوس ومجاهد أنهما قالا: إذا طهرت المرأة من الدم فشاء زوجها أن يأمرها بالوضوء قبل أن تغتسل إذا أدركه الشبق فليصب، ثم قال: وأولى التأويلين بتأويل الآية قول من قال معنى قوله {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} (2) فإذا اغتسلن لإجماع الجميع على أنها لا تصير بالوضوء بالماء طاهرا الطهر الذي يحل لها الصلاة. . . وفي إجماع الجميع من الأمة على أن الصلاة لا تحل لها إلا بالاغتسال، أوضح الدلالة على صحة ما قلنا من أن غشيانها حرام إلا بعد الاغتسال وأن معنى قوله {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} (3) فإذا اغتسلن فصرن طواهر الطهر الذي يجزيهن به الصلاة (4).
هذا ولم أفصل أقوال العلماء وأدلتهم في تلك المسألتين؛ لأنهما ليستا من موضوع البحث الذي هو الطلاق في الحيض، وقد أشرت إليهما لما لهما من صلة بموضوع قوله صلى الله عليه وسلم «ثم ليطلقها طاهرا (5)» وقد تحقق لنا من مجموع ما تقدم أن المراد به التطهر بالغسل. والله أعلم.
(1) سورة البقرة الآية 222
(2)
سورة البقرة الآية 222
(3)
سورة البقرة الآية 222
(4)
جامع البيان في تأويل آي القرآن للطبري 2/ 386 وما بعدها.
(5)
سنن النسائي الطلاق (3395)، سنن ابن ماجه الطلاق (2021).