الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجهات سامطة، ونزلت دكانا في نفس سامطة، ووضعت فيه البضاعة التي معي، وأول أمر بدأت به وأنا في الدكان تعليم القرآن وثلاثة الأصول، والأربعين والتجويد والفرائض، وآداب المشي إلى الصلاة، وكان ذلك في 21 ربيع الأول 1358هـ. . فكان هذا الدكان أول مدرسة فتحتها في تهامة اليمن (1) لكن الشيخ عمر أحمد جردي، وهو من خواص طلاب القرعاوي، ذكر عن اشتغاله بالتجارة زيادة عما ذكر المشايخ، فقال: إنه لما ملك رشده كان يذهب جمالا إلى العراق، مع عمه يشتغل بالتجارة، في الإبل إلى الشام وفلسطين ومصر، وحمص وحماة ولبنان، وديار بكر والأكراد، يشتري الإبل من الأحساء والقصيم، والكويت وعنيزة والرولة، ثم يبيعها هناك (2).
والشيخ عمر شبيه بالشيخ موسى في الأخذ مشافهة من الشيخ بحكم ملازمتهما للشيخ والتلمذة عليه، والسفر معه في التجول بالمنطقة، مما يتيح لهما بين وقت وآخر اقتناص المعلومات منه مباشرة.
(1) انظر المنهل المجلد (8) العدد (5) ص189 عام 1367هـ.
(2)
انظر مخطوطته عن الشيخ القرعاوي (ص6 - 7).
بعض صفاته:
لكل إنسان صفات خلقية وخلقية تميزه عن غيره، وتنعكس على شخصيته وأعماله، والشيخ عبد الله القرعاوي رحمه الله بانت عليه صفات عديدة تميزه عن غيره، فمحرر مجلة المنهل عندما قابله لإجراء الحديث عن مدارس الجنوب التي أسس بعد انتقاله إلى هناك. وكان اللقاء مع المجلة ضحوة يوم الجمعة الموافق 17/ 4 / 1367 هـ، وصفه قائلا: هو رجل متواضع، بشوش، ربعة، أصفر اللون، مستطيل الوجه، أقنى
الأنف، ناتئ الجبهة، أزج الحواجب، أقرنهما غير واسع العينين، في أوائل العقد السابع من العمر، وقد خط الشيب فوديه ولحيته، وهو دائب الحركة، خفيف نشط، وتبدو في ملامحه أمارات الرضا والغبطة.
وعن تواضعه قال: وقد تحدث إلينا فقال: إنه مع شيبته كان لا يستنكف في تلقي دروس الحساب والخط مع صغار التلاميذ في مدرسة الأستاذ إبراهيم حلواني في مكة المشرفة. (1).
ومثلما ارتسمت ملامحه لدى محرر مجلة المنهل، فكذلك نجد جوانب أخرى من صفاته لدى الكاتبين عنه، وكلهم ممن عرفه عن كثب. .
فالشيخ عبد الله البسام قد أجمل صفاته بقوله: وكان آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، يصدع بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم، وكان يتجول في أسواق عنيزة وشوارعها لهذه الغاية، فلا يرى متخلفا عن الجماعة في المسجد، أو امرأة لابسة شيئا من زينتها، إلا علاه بعصاه، وزجره بلسانه، حتى صار له هيبة وسطوة، يحذره منها الكسالى والمتهاونون، وفي عدة مرات يفتح مكتبا لتعليم الأطفال القرآن الكريم، والكتابة والحساب مجانا لوجه الله تعالى، كما يوجه الكبار منهم إلى مبادئ العلوم، وأنا كنت من الأطفال الصغار الذين دخلوا في كتابه - رحمه الله تعالى - فكان لا يأذن لنا بالخروج حتى نؤدي الصلاة في أوقاتها، وهو يلاحظنا عن اللعب في الصلاة، ثم يخرج بعد ذلك لأداء الصلاة في المسجد. (2).
أما الشيخ محمد القاضي في ترجمته لحياته، فقد وصفه بصفات عديدة، منها قوله: العالم الجليل، والمرشد المصلح النبيل، الصادع بكلمة الحق، الورع الزاهد.
(1) مجلة المنهل: انظر مخطوطته عن الشيخ القرعاوي (ص185 - 186).
(2)
انظر كتابه: علماء نجد خلال ستة قرون (2: 631 - 632).
كما وصفه برخامة الصوت، والتجويد لكتاب الله، والبر بوالدته، وحب الإصلاح بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي عام 1386هـ فقد بصره، وضعفت قواه، وأرهقته الشيخوخة (1).
ولعل أوسع من تناول صفات الشيخ عبد الله القرعاوي بالتفصيل تلميذه موسى السهلي، فقد تحدث في مؤلفه عنه أكثر مما تحدث من ألف قبله، حيث جمع بين النقل عن المصادر التي اطلع عليها، والمعاصرة للشيخ باعتباره من أخص تلاميذه الأوائل الملازمين له، فكان له مع مخالطة الشيخ عن كثب ومعرفة الشيء الكثير عن طبيعة نفسه، مجال للأخذ منه مشافهة، مع الاطلاع على أمور دقيقة، من حركاته وسكناته، ولكون الشيخ موسى من خواص أوائل طلاب الشيخ القرعاوي، الذين يصاحبهم في التنقل في المنطقة: دعوة وتدريسا، ومعلوم أن السفر من الأوضاع التي تبرز فيها بواطن النفس، وخصائص الأعمال؛ لأن الإنسان ينطلق على سجيته، ولذا نرى الشيخ موسى، قد وزع ملامح الشيخ القرعاوي وسماته إلى ثلاث حالات، حيث قال:
صفاته الخلقية: رحم الله الشيخ القرعاوي، فقد جمع الله له من الصفات الخلقية، ما جعله أهلا للدعوة إلى الله، والقيام بالتعليم في هذه البلاد وفي غيرها. فقد كان رحمه الله ربعة بين الرجال، عريض المنكين، قوي البنية، أصفر اللون، مستطيل الوجه، أقنى الأنف، كث اللحية، خفيف العارضين، ناتئ الجبهة، أزج الحاجبين أقرنهما، ضيق العينين، ولم يكن حاد البصر، لرمد أصابة وأحدث في عينيه بياضا، جهوري الصوت، وقورا، له هيبة
(1) راجع روضة الناظرين ضمن ترجمة الشيخ (2: 40 - 42).
في المجالس، دؤوبا على عمله، يتمتع بمكانة سامقة بين طلابه وذويه، وكان رحمه الله ذكيا، حاضر البديهة، بعيد النظر، له فراسة قوية، كثير المبادرة إلى سبل الخير، يغضب للحق، ويعيش من أجله، إذا ذكرته بالله، ارتعدت فرائصه، شديد الغيرة على محارم الله عز وجل، وكان أبي النفس، لا يقبل الضيم، وفي الوقت نفسه كان حليما، لين الجانب، يحب الصغار، ويعطف على المساكين والعجزة من القوم، لا يفتأ يذكر الله في السر والعلن، في الفرح والحزن، كان يتأسى كثيرا بالمصطفى صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله أسوة حسنة لكل مسلم.
2 -
تواضعه: حقا كان شيخنا رحمه الله يتسم بالحلم والوقار، والتواضع الجم، وقد حدثنا عن نفسه: أنه كان مع شيبته لا يستنكف من تلقي دروس الحساب والخط مع صغار التلاميذ في مدرسة الأستاذ إبراهيم حلواني بمكة المشرفة، وذلك غاية النبل، وقمة التواضع، عندما يجلس هذا العالم ليتزود بما ليس لديه من العلم النافع على يد أربابه.
3 -
حرصه على العبادة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: منذ فترة باكرة، وهذا الرجل يحب أمور الخير، يقول الشيخ عبد الله البسام. . . ثم ذكر بعضا من صفاته التي ذكرناها هنا عن ابن بسام، وبعد ذلك أردف قائلا: ناهيك عما قام به من أعمال في الجنوب، مما سنتحدث عنه بتوسع - إن شاء الله - وقد جعل الشيخ موسى القسمين الرابع
والخامس من ص22 إلى ص55 لعمل الشيخ في الدعوة بالجنوب التهامي وعسير وما حولها.
وقد زودني الأخ الشيخ محمد القرعاوي - ابن الشيخ المترجم له - بنسخة مصورة عن مخطوطة من إعداد الشيخ عمر أحمد جردي مدخلي عن سيرة الشيخ القرعاوي وعمله في المنطقة، بدأها منذ طلب منه في عام 1389هـ أن يكتب عن الشيخ ثم بعد التأكيد في عام 1392هـ، ويظهر مما وصلني أنه لم ينته من التأليف بعد. . ومما جاء في هذا المخطوط من صفات الشيخ القرعاوي قوله:
مربوع القامة، أبيض اللون، يميل إلى الحمرة، قوي البنية، نشيط في جسمه، قوي في بدنه، لا يستطيع أحد من طلابه في ذلك الوقت أن يقوم بما يقوم به من نشاط علمي وعملي، كث اللحية، أعطاه الله من الذكاء والفراسة ما لم يعط أحدا في زمانه (1).
داعيا إلى الله بالحكمة واللين والرفق، عالما ورعا، زاهدا مخلصا، صابرا محتسبا في دعوته إلى الله تعالى، وكان رحمه الله سلفي العقيدة: عقيدة أهل السنة والجماعة، أما الفروع فلا يتقيد فيها بمذهب من المذاهب الأربعة فقد كان مذهبه مذهب السلف الصالح، إذا صح الحديث فهو مذهبه، وكان يقوم الليل مع كثرة متاعبه طيلة النهار بالتدريس، وجزء من الليل، وكان ينام مرة على الحصير بالمسجد، ومرة عند القاضي الشيخ: إبراهيم المحمد العمود من أهل عنيزة، وكان يحب المساكين ويكرمهم، وكان
(1) هذه مبالغة وليته قال قدرا كبيرا من الذكاء والفراسة.