الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ذيلها الشيخ القرعاوي بالإجازة أيضا لتلميذه، وزوج ابنته: حافظ بن أحمد الحكمي بخط يده أيضا فقال: أقول وأنا كاتب الأحرف عبد الله بن محمد القرعاوي، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين:
أما بعد: فقد أجزت الأخ حافظ بن أحمد علي حكمي، بما أجازني به شيخي أحمد الله بن أمير القرشي الدهلوي بسنده المذكور، وأوصيته ونفسي بتقوى الله، ثم بما أوصاني به شيخي، وأن يداوم على التعليم، ويحافظ على المتعلمين، وخاصة الغرباء والمنقطعين منهم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
غرة رجب عام 1364 هـ.
ويتضح من نص الإجازة أنها تتعلق بأمهات كتب الحديث، رواية ودراية، وهذا مما ينبئ عن مكانة الشيخ عبد الله القرعاوي، وما وصل إليه في فترة زمنية قصيرة، كما نوهت الإجازة إلى ما تحصل عليه رحمه الله في مجيئه الأول. . وهو علم انعكس أثره في طلابه، ووصايا طبقها رحمه الله في دعوته وتعليمه في منطقة هي في أمس الحاجة إليه وإلى جهوده المخلصة، إذا بانت الآثار، وبرزت النتائج.
دعوته في الجنوب:
إن بغية الشيخ القرعاوي، وهدفه الذي كان يقصد إليه تحقق، عندما استقر في جنوب المملكة، منطقة جازان وما حولها، حيث وجد نفوسا
متعطشة، وأفئدة متهيئة، فكان داعية لله مخلصا، وصادقا في جهده تعليما وأمرا ونهيا وترغيبا وحبا للخير.
وقد عرف الله نيته، فهيأ له قلوبا حريصة، ونيات خالصة كالأرض التي صادفها الوابل بعد انقطاع، أو كالمريض الذي هيأ الله له طبيبا يعينه في تلمس العلاج للعلة التي ألمت به.
فالعالم الشرعي، والطبيب البشري، لكل منهما هدف وغاية، محسوسة وظاهرة، ويترقب من الله أجرا مدخرا، - إن صدق النية مع الله-، ويتطلع لنتيجة في العمل الذي يقوم به، بصدقه وبذله.
والعالم الشرعي، ينقذ الناس - بعد توفيق الله - من الضلالات والشركيات، ويبعدهم عما يتنافى مع دين الله الذي ارتضاه سبحانه لعباده، ليجدوا بذلك لذة في قلوبهم، وراحة في نفوسهم.
والطبيب الشرعي مثله في الهدف والغاية، إذا صدقت نيته، وأخلص في أمانته، وهذا مصداق الحديث الشريف:«إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (1)»
العالم الصادق في نيته مع الله، هو العالم النافع لنفسه، والمؤثر في غيره، وليس من الضروري بأن يكون العالم متبحرا في معارفه، إذ تقوى الله جل وعلا، ومراقبته في السر والعلن، هي خير زاد يدفع العالم للعمل، ويجعل لعمله ثمرة بارزة فيمن حوله، وقبولا لدى الناس، ألم يقل سبحانه:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (2).
أما ثمرة العلم: فهي العمل، كما أنه له صدقة، يجب أن تؤدى،
(1) جزء من حديث متفق عليه رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
سورة البقرة الآية 282
وذلك ببذره في الناس، ونفع الآخرين به، ولذلك وسيلة يؤدى بها، وهي الإخلاص والصبر، والتحمل في سبيله، كما أن له نتيجة مرتقبة، هي احتساب الأجر عند الله، وبروز الأثر فيمن يقدم له العلم.
وعلمنا الذي نترجم له قد خطا خطوات لا يبلغها فحول العلماء، ونفع الله به، حيث بقي أثره خالدا في المنطقة التي اتجه إليها وخارجها، كما ظهرت آثاره جلية في تلاميذه الذين تزايد عددهم في جازان وغيرها.
أما قول القاضي: والقرعاوي وإن لم تكن معلوماته واسعة، فقد خطا خطوات لا يبلغها فحول العلماء، ممن نفعهم قاصر (1) فيقال حياله:
- إن الفترة الزمنية القصيرة في طلب العلم بالهند، أهلته لأخذ أمهات كتب الحديث وغيرها.
- وإن ما برز في تلميذه الشيخ حافظ حكمي الذي لم يجلس لطلب العلم عند أحد غير الشيخ القرعاوي، ومع هذا يعتبر نابغة الجنوب وعالمها، وظهر أثر هذا في مؤلفاته في العقيدة والأصول والحديث والفقه وغيرها.
- وإن ما عرف عن المكانة العلمية لكثير من طلاب الشيخ القرعاوي الذين عملوا في القضاء وفي التدريس وفي الدعوة. ممن توفي أو بقي على قيد الحياة.
- وإن كثرة شيوخه رحمه الله وحرصه على التنقل للأخذ من العلماء البارزين في داخل المملكة وخارجها. كل هذا وغيره يدل على أن معلومات الشيخ القرعاوي واسعة، وليست قاصرة كما قيل.
ذلك أن الشيخ القرعاوي امتداد لعمل الأفذاذ من علماء الإسلام قديما وحديثا، وهو من القلة الذين جعل الله في علمهم بركة، وفي إخلاصهم
(1) روضة الناظرين (2: 43).
وصدقهم نتيجة، وذلك بتفتح السبل، وتذليل الصعاب، وسرعة النتائج، مع القبول في قلوب الناس في منطقة واسعة امتدت من مكة وجدة، حتى وسط اليمن وجنوبه، من الجهة الجنوبية: سهولا وجبالا.
وقد كان دأبه في كل مكان طوف به: مسقط رأسه عنيزة وغيرها، حب التعليم، والحرص على إزالة المنكرات، دعوة لله وترغيبا في الخير، وإنكارا للمنكر بصدق وإخلاص، ولم يثن عزمه الفقر أو قلة ما في اليد.
إلا أن أفق الدعوة اتسع أمامه مع مطلع 1358 هـ عندما أبلغ شيخه: الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، برغبته في الدعوة إلى الله في المنطقة الجنوبية، وطلب منه النصح والتوجيه، بعدما سمع عما في أهلها من جهل، وما هم واقعون فيه من شرك، وتبرك بالأولياء وقبور الصالحين لعدم وجود الداعية المخلص الموحد، فوقع في قلب الشيخ القرعاوي حب الدعوة إلى الله في تلك المنطقة، ومكن ذلك تلك الرؤيا التي حفزته للإسراع بالمهمة، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو يشير بيده الشريفة عليه، بأن يتوجه إلى الجنوب (1)، فاتجه من يومه إلى جدة ومنها بحرا إلى جازان.
وندعه يتحدث عن ذلك فيقول: وفي اليوم العشرين من صفر توجهت لجازان، وأخذت منه بضاعة، وتوجهت لسامطة، ثم تجولت بجهات سامطة، ونزلت دكانا في نفس سامطة، ووضعت فيه البضاعة التي معي، وأول أمر بدأت به وأنا في الدكان تعليم القرآن الكريم، وثلاثة الأصول، والأربعين النووية، والتجويد والفرائض وآداب المشي إلى الصلاة، كان ذلك في 21 ربيع الأول عام 1358هـ فكان هذا الدكان
(1) انظر كتاب: (الشيخ القرعاوي ودعوته في الجنوب) للشيخ موسى السهلي (ص 20 - 21).
أول مدرسة فتحتها في تهامة اليمن، وفي آخر جمادى الأولى من هذه السنة، توجهت إلى فرسان، وفتحت فيه مدرسة، ومنه توجهت إلى مزهر قرية الحكميين " الحكامية " ففتحت فيها مدرسة، في أول رجب وأصلحت مسجدها، وهو أول مسجد أصلحت بتهامة وفي غرة شعبان توجهت إلى سامطة، ففتحت المدرسة بها ثانيا، في بيت ناصر خلوفه؛ لأنه لا يستطيع المشي وهو من خيار الطلبة وأكبرهم، فأردت أن لا يتكلف، وفيها استقريت حتى الآن
رعاية الحكومة:
رغم ما كابده الشيخ القرعاوي رحمه الله من مشكلات سببها نفثات الحاسدين، وتلبيس المغرضين، فإن الحكومة وفقها الله أرسلت لجانا عديدة للوقوف على الحقيقة، فكتبت تقارير تنبئ عن إعجابها بالمدارس وتدعو لتشجيعها ومساندة الشيخ القرعاوي في عمله لصدقه وإخلاصه وسلامة مقصده، وكان يرأس إحداها الشيخ محمد البيز رحمه الله، فكان لذلك أثر حسن لدى المسئولين في الدولة. .
فالملك عبد العزيز رحمه الله ارتاح لعمل القرعاوي وأمر له بمكافأة تعينه على مسيرة العمل عام 1367 هـ (1).
والملك سعود رحمه الله ولي العهد يومئذ في عام 1363هـ تفضل ببعث إعانة كبيرة للشيخ جعلها عادة سنوية وأوصى به أمراء الجهات وقضاتها (2).
(1) انظر السمط الحاوي (ص39)، ومخطوطة عمر جردي (ص42).
(2)
المنهل، جمادى الأولى عام 1367هـ (ص 163).
والأمير خالد السديري في عام 1362هـ وقبل أن ينتقل من إمارة جازان قد توسط عند الحكومة بطلب إعانة للطلبة فجاء الأمر بصرف ثلاثمائة ريال 300 شهريا. . فكانت تصرف من مالية سامطة لثلاثين طالبا.
كما تبرع الأمير خالد بقيمة الدفاتر والأدوات المدرسية على حسابه، وحول الشيخ القرعاوي على صاحب دكان في جازان بذلك (1).
والأمير محمد بن أحمد السديري لما جاء لجازان عام 1364هـ سلك مسلك أخيه خالد بالمساعدة والتأكيد على القضاة وأمراء المقاطعة بمساعدة الشيخ القرعاوي (2).
ثم فيما بعد عين الشيخ عبد الله القرعاوي معتمدا للمعارف بمنطقة جازان 1373 هـ ولكنه استقال في نفس السنة، واستمر في مدارسه (3).
وهكذا استمرت رعاية الحكومة لمدارس القرعاوي، التي شملت منطقة كبيرة من البلاد، حيث أمر الملك سعود رحمه الله بأن يكون لها ميزانية مستقلة عام 1374هـ، وأن يسند إشرافها إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله لكنه اعتذر بمشاغله الكثيرة، فقال الملك سعود رحمه الله، عند زيارته لأبها في مجلس عام: مدارس القرعاوي أنا المشرف عليها. . كما ذكر الشيخ أحمد جردي في مخطوطته، وقد اتخذ القرعاوي لها مقرا في مكة، لتكون الإدارة قريبة من وزارة المالية والجهات
(1) مخطوط عمر أحمد جردي (ص 33)، وفي صفحات أخرى.
(2)
مجلة المنهل الرسالة القرعاوية (ص 184).
(3)
مخطوط عمر أحمد جردي (ص 56).