الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: حكم الطلاق في الحيض:
الطلاق في الحيض طلاق بدعي مخالف للسنة، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على ذلك.
قال ابن المنذر ما نصه: (وأجمعوا على أن الطلاق السنة: أن يطلقها طاهرا في قبل عدتها (1) بل قد ذكر النووي وابن قدامة الإجماع على تحريمه).
قال رحمه الله في شرح صحيح مسلم ما نصه: (أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها فلو طلقها أثم).
وقال ابن قدامة في المغني (وأما المحضور) فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه ويسمى طلاق البدعة (2).
الأدلة على تحريم الطلاق في الحيض:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (3).
(1) الإجماع لابن المنذر ص 79.
(2)
المغني لابن قدامة 7/ 97.
(3)
سورة الطلاق الآية 1
قال ابن جرير في تفسيره حدثنا أبو كريب قال: حدثنا ابن إدريس قال سمعت الأعمش عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله قال: الطلاق للعدة طاهرا من غير جماع. وروى ابن جرير أيضا بسنده عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه كان يرى طلاق السنة طاهرا من غير جماع وفي كل طهر، وهي العدة التي أمر الله بها.
وروى بسنده أيضا عن مجاهد في قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (1) قال طاهرا من غير جماع، وروى بسنده أيضا عن الحسن في قوله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (2) قال: طاهرا من غير حيض، أو حاملا قد استبان حملها.
وعن ابن سيرين نحوه، وروي أيضا عن معمر عن قتادة في قوله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (3) قال: إذا طهرت من الحيض في غير جماع، قلت كيف؟ قال إذا طهرت فطلقها من قبل أن تمسها، فإن بدا لك أن تطلقها أخرى، تركتها حتى تحيض حيضة أخرى، ثم طلقها إذا طهرت الثانية، فإذا أردت طلاقها الثالثة، أمهلتها حتى تحيض، فإذا طهرت طلقها الثالثة، ثم تعتد حيضة واحدة، ثم تنكح إن شاءت.
هذا، وقد ذكر ابن جرير بسند عن الضحاك والسدي نحوا مما تقدم (4).
وقد روى الدارقطني بسنده عن ابن عباس قال: (الطلاق على أربعة وجوه: وجهان حلال، ووجهان حرام، فأما الحلال فإنه يطلقها طاهرا من غير جماع، وأن يطلقها حاملا مستبينا، وأما الحرام فأن يطلقها وهي حائض، أو يطلقها حين يجامعها، لا تدري اشتمل الرحم على ولد أو لا (5).
(1) سورة الطلاق الآية 1
(2)
سورة الطلاق الآية 1
(3)
سورة الطلاق الآية 1
(4)
جامع البيان للطبري 14/ 129 وما بعدها.
(5)
سنن الدارقطني 4/ 5.
ومن الأدلة على تحريم الطلاق في الحيض ما جاء في الصحيحين وغيرهم عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له: مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء (1)» .
وفي رواية لمسلم في قصة طلاق ابن عمر لزوجته: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليراجعها فردها وقال: إذا طهرت فليطلق أو يمسك. قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن (2)» وفي راوية لمسلم أيضا عن سالم بن عبد الله، «أن عبد الله بن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال مره فليرجعها حتى تحيض حيضة أخرى مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا من حيضتها قبل أن يمسها، (3)» فذلك الطلاق لعدة كما أمر الله، وكان عبد الله طلقها تطليقة واحدة فحسبت من طلاقها، وراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذه الأدلة واضحة الدلالة على تحريم الطلاق في الحيض، ولهذا تغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلاق ابن عمر في الحيض ولا يغضب صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان حراما، ويدل على الحرمة أيضا الأمر بإمساكها بعد المراجعة، ثم يطلقها في الطهر.
هذا وليعلم أن تحريم الطلاق في الحيض خاص بالمدخول بها، أما من لم
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 458، 480، ومسلم في صحيحه 4/ 180 وأبو داود في سننه رقم 1279 ورقم 2180، والنسائي 2/ 94 والدارقطني 4/ 6.
(2)
صحيح مسلم 4/ 183.
(3)
صحيح مسلم ص180.
يدخل بها فيجوز طلاقها حائضا وطاهرا، قال ابن القيم رحمه الله ما نصه: وأما من لم يدخل بها فيجوز طلاقها حائضا وطاهرا، كما قال تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (1).
وقال تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (2).
وهذه لا عدة لها، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:«فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء (3)» ولولا هاتان الآيتان اللتان فيهما إباحة الطلاق قبل الدخول لمنع من طلاق من لا عدة له عليها (4).
هذا وقد قال ابن حجر في فتح الباري، إنه يستثنى من تحريم طلاق الحائض صور:
منها ما لو كانت حاملا، ورأت الدم، وقلنا الحامل تحيض فلا يكون طلاقا بدعيا، ولا سيما إن وقع بقرب الولادة، ومنها إذا طلق الحاكم على المولى، واتفق وقوع ذلك في الحيض، وكذا في صورة الحكمين إذا تعين ذلك طريقا لرفع الشقاق، وكذا الخلع (5).
قال المرداوي في الإنصاف: اختلف الأصحاب في الطلاق في الحيض، هل هو محرم لحق الله، فلا يباح، وإن سألته إياه أو لحقها فيباح بسؤالها؟ فيه وجهان:
قال الزركشي: والأول ظاهر إطلاق الكتاب والسنة. قلت: وهو ظاهر كلام المصنف هنا وغيره (6).
(1) سورة البقرة الآية 236
(2)
سورة الطلاق الآية 1
(3)
صحيح البخاري الطلاق (5252)، موطأ مالك الطلاق (1220)، سنن الدارمي الطلاق (2262).
(4)
زاد المعاد 4/ 43، الطبعة المصرية، الطبعة الثانية 1392هـ.
(5)
فتح الباري شرح صحيح البخاري 9/ 346 وما بعدها.
(6)
الإنصاف للمرداوي 8/ 449.