الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصدق بقدر زكاتها كان خيرا من أن لا يتصدق بشيء منها فإخراج قدر الزكاة منها أحسن من ترك ذلك على كل تقدير - وقال في موضع آخر - وإن كان لا يعرف لها أعيان المملوك ولا مقدار ما أخذه هؤلاء من هؤلاء، ولا هؤلاء من هؤلاء بل يجوز أن يكون مع الواحد أقل من حقه وأكثر ففي مثل هذا يقر كل واحد على ما في يده إذا تاب من التعاون على الإثم والعدوان، فإن المجهول كالمعدوم يسقط التكليف به ويزكي ذلك المال كما يزكيه المالك. اهـ (1).
(1) مجموع الفتاوى حـ30 ص 325، ص327
المبحث الرابع
التفريق بين مال حرام بيد تائب عن تكسبه
ومال حرام بيد من هو مستمر على الاستزادة منه
أجمع العلماء على أن من بيده أموال حرام من مكاسب خبيثة متعددة وكان كافرا فأسلم فإنه يقر على ما بيده من أموال إذا لم تكن أموالا حراما لذاتها كالخمور والخنازير؛ لأن الإسلام يجب ما قبله.
وذكر مجموعة من المحققين من أهل العلم أن نهائب الأعراب إذا تابوا وجهل أصحاب هذه النهائب أن الأعراب التائبين يقرون على ما بيدهم من أموال حرام إذا كانوا فقراء لا سيما إذا كانت هذه النهائب مجهولا أصحابها.
وقد تقدم النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجزء الثلاثين من مجموع الفتاوى ص 325 - 327.
وفي الدرر السنية ما نصه:
جاء في إجابة للشيخ عبد الله العنقري قال: ذكر الشيخ عبد الله أبابطين
وغيره من مشائخ هذه الدعوة أن البدوي إذا عرف ماله عند حضري قد اشتراه من بدوي آخر ليس له انتزاعه منه إذا كان كل من البدويين ينهب من الآخر، ومثل البدو اليوم الذي أرى أنه إن كان المال الذي عرفه عند أخيه المسلم قد أخذه منه قبل أن يتوب عن حاله الأولى فالظاهر أنه ما ينزعه من أخيه المسلم لأنه أخذه منه وهو في حال كل منهما يأخذ مال صاحبه، وإن كان المال أخذ بعد التوبة فهو يأخذه ممن وجده عنده بغير بذل ثمن. اهـ (1).
وقال الشيخ عبد الله العنقري في جواب له عن العدائل المجهول صاحبها وهي المنائح: العلماء رحمهم الله قد ذكروا أن المال المجهول صاحبه يتصدق به صاحبه مضمونا أو يدفعه إلى الحاكم، وقد أفتى الشيخ تقي الدين أن الغاصب إذا تاب جاز له الأكل مما بيده من المال المغصوب مع معرفة المالك وعدمها، وقد يؤخذ منه أن المسئول عنه أولى بجواز أكل ما بيده من المذكور إذا كان فقيرا. اهـ (2).
وذكر بعض أهل العلم ومحققيهم أن من بيده أموال محرمة بوصفها لا بأصلها كالأموال الربوية مما ليس لها أفراد معينون، وهي مختلطة بماله الحلال وبثمن مجهوده في الاكتساب بها، فإذا تاب من بيده هذه الأموال توبة نصوحا مستكملة شروط التوبة إلى الله تعالى فإنه يقر على ما بيده وتوبته النصوح تجب ما قبلها ويعتبر ما بيده ملكا له يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} (3). وذكروا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وأن الموعظة أعم من أن تحصر في
(1) الدرر السنية جـ5 ص 214.
(2)
الدرر السنية جـ5 ص217.
(3)
سورة البقرة الآية 275
انشراح صدر الكافر إلى الإسلام، وقالوا في توجيه هذا القول: إن الأخذ بهذا يدعو أهل الفسوق إلى التوبة إلى الله، وأن القول بغير هذا وذلك بحرمانه مما بيده قد يسد عليه باب التوبة إلى الله ويعين الشيطان عليه في الاستمرار على أخذ المال الحرام والتعاون على الإثم والعدوان.
وأجابوا عن الآية الكريمة: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (1) بأن هذه الآية خاصة بالأموال الذممية المشتملة على الفوائد الربوية، فمن كان له في ذمة أحد الناس مبلغ من المال بعضه ربا، فالتوبة تقتضي أن يتقاضى رأس ماله فقط، ويسقط ما زاد عنه من فائدة ربوية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض كلامه عن المقبوض بعقد فاسد يعتقد صاحبه صحته ثم ظهرت له عدم الصحة ما نصه: وأما إذا تحاكم المتعاقدان إلى من يعلم بطلانها قبل القبض أو استفتياه إذا تبين لهما الخطأ، فرجع عن الرأي الأول، فما كان قد قبض بالاعتقاد الأول أمضي، وإذا كان قد بقي في الذمة رأس المال وزيادة ربوية أسقطت الزيادة، ورجع إلى رأس المال، ولم يجب على القابض رد ما قبضه قبل ذلك بالاعتقاد الأول اهـ (2).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: أقول: اختار الشيخ تقي الدين أن المقبوض بعقد فاسد غير مضمون، وأنه يصح التصرف فيه؛ لأن الله تعالى لم يأمر برد المقبوض بعقد الربا بعد التوبة، وإنما رد الذي لم يقبض؛ ولأنه قبض برضى مالكه فلا يشبه المغصوب
(1) سورة البقرة الآية 279
(2)
مجموع الفتاوى جـ29 ص413.
ولأن فيه من التسهيل والترغيب في التوبة ما ليس في القول بتوقيف توبته على رد التصرفات الماضية مهما كثرت وشقت، والله أعلم. اهـ (1).
أما إذا كانت الأموال المحرمة لأفراد معروفين فمن شروط التوبة إرجاعها إليهم، وإذا كانت محرمة بأصلها كالخمور والخنازير، فمن تمام التوبة التخلص منها بإراقة الخمور وإتلاف أنواعها من مخدرات ونحوها.
والمال الحرام إذا كان حراما لوصفه لا لذاته فهو مال منسوب لمن هو بيده لا سيما إذا كان صاحبه مجهولا، وتقدم النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية في خلاف العلماء في تملكه على ثلاثة أقوال أقربها إلى الصواب أنه إن فات أفاد الملك وإن أمكن رده إلى مالكه ولم يتغير بوصف ولا سعر لم يفد الملك (2). كما تقدم النقل عن شيخ الإسلام في إخراج الزكاة منه (3).
ومما تقدم يتضح أن المال الحرام إما أن يكون حراما لذاته كالخمر والخنزير فهذا لا يعتبر مالا زكويا، ويجب على من بيده هذا المال التخلص منه بإتلافه، والإمساك عليه إثم وعصيان. وإما أن يكون المال الحرام غصوبا أو سرقات أو منهوبات أو ودائع مجحودة، فإن كان أصحابها معلومين فيتعين إعادتها إليهم، ويقومون هم بإخراج زكاتها بعد قبضها ممن هي بيده. وإن كانوا مجهولين تعين إخراج زكاتها على من هي بيده ثم التصدق بها عنهم، وقد تقدم النص على إخراج زكاتها.
وإن كان المال حراما بوصفه لا بأصله كالأموال الربوية، فيده عليه يد تملك، فيجب عليه إخراج زكاته؛ لأنه مال منسوب إلى مسلم متعبد بجميع أحكام الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج وغيرها، فإذا وجد منه تجاوز
(1) الفتاوى السعدية ص321.
(2)
مجموع الفتاوى جـ29 ص327، ص328.
(3)
مجموع الفتاوى جـ 30 ص 325، ص 327
وتعد في التقيد ببعض المقتضيات الشرعية أمرا أو نهيا، فإذا لم يكن تعديه موجبا لخروجه من ملة الإسلام، فإن تجاوزه وتعديه لا يعفيه من القيام بالفرائض الأخرى، وعليه إثم تجاوزه وتقصيره وتعديه، فهو مؤمن بإيمانه فاسق بعصيانه.
فجمهور أهل العلم قالوا بتأثيم من يمتلك حليا محرما كالأواني الذهبية والفضية، ومع ذلك قالوا بوجوب الزكاة فيها، وإن كانت معدة للقنية، وإذا كان من أهداف الزكاة تطهير دافعها من الإثم وسوء الأخلاق، وتنمية المال بإخراجها منه، فالمصر على التمسك بالمال الحرام والاستمرار في الاستزادة منه ليس أهلا لتطهيره من الآثام، وليس ماله الحرام أهلا ليسير نمائه وزيادته.
إذا كان من أهداف الزكاة التطهير والنماء وليس ذلك متحققا في المال الحرام فإن من أهداف الزكاة تعلق حقوق الفقراء في الأموال الزكوية مما بيد إخوانهم المسلمين، وهذا الهدف قد يكفي وحده باستقرار وجوب الزكاة في هذا المال، ولو كان حراما بوصفه، حيث إن جمهور العلماء يقولون بالتخلص من هذا المال الحرام بإنفاقه في وجوه الخير، فإخراج الزكاة منه يعتبر أدنى وجوه التخلص، والله أعلم، وقد قال بإخراج الزكاة منه من المعاصرين فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه "فقه الزكاة" حيث قال:
أما السندات فيقول الشيخ " السند صك بمديونية البنك أو الشركة أو الحكومة لحامله بمبلغ محدود بفائدة معينة - إلى أن قال - وهذا القول يتعين الأخذ به للسندات خاصة؛ لأنها ديون لها خصوصية تميزها عن الديون التي عرفها الفقهاء؛ لأنها تنمي وتجلب للدائن فائدة، وإن كانت محظورة فإن حظر هذه الفائدة لا يكون سببا لإعفاء صاحب السند من الزكاة؛ لأن ارتكاب
الحرام لا يعطي صاحبه مزية على غيره، ولهذا أجمع الفقهاء على وجوب الزكاة في الحلي المحرم على حين اختلفوا في المباح اهـ (1).
وقال الدكتور عبد الله الطيار في كتابه " الزكاة وتطبيقاتها المعاصرة ":
المال الحرام لا زكاة فيه، وذلك مثل المال الذي يحصل عليه الإنسان عن طريق الغصب والسرقة أو التزوير والرشوة والاحتكار والربا والغش ونحوها، من طرق أخذ المال بالباطل، إذ يجب على آخذه أن يعيد إلى أربابه، أو إلى ورثتهم، فإن لم يعلموا فيعطيه الفقراء برمته، ولا يأخذ منه شيئا، ويستغفر ويتوب إلى الله، فإن أصر وبقي في ملكيته وحال عليه الحول، وجب فيه الزكاة. . اهـ (2).
وللهيئة الشرعية العالمية للزكاة مجموعة من التساؤلات أسهم بقدر المستطاع في الإجابة عليها:
السؤال الأول: أثر الكسب الحرام أو حيازته على وجوب الزكاة فيه حيث إن الفقهاء اشترطوا لوجوبها في المال أن يكون مملوكا لمن هو بيده ملكا تاما؟
والإجابة على هذا قد تستخلص فيما تقدم من أن المال الحرام قد يكون حراما بأصله كالخمور والخنازير، فهذا المال ليس مالا زكويا، وإنما هو مال خبيث بذاته يتعين على من هو بيده التخلص منه بإتلافه، ولا يجوز التصرف فيه ببيع ولا شراء ولا هبة ولا وقف، ولا أي نوع من التصرفات المباحة في الأصل، وهذا النوع لا تجوز الزكاة فيه ولا منه ويجب التخلص منه.
وقد يكون المال الحرام حراما بوصفه حلالا بأصله كالحلي المحرم
(1) فقه الزكاة جـ1 ص527.
(2)
الزكاة وتطبيقاتها المعاصرة ص68.
والأموال الربوية، فعلى القول الراجح من أن المال الحرام بوصفه إذا فات ففواته يفيد الملك، ولتعلق حق الفقراء بأموال أغنياء المسلمين في الجملة، ولما اتجه إليه جمهور أهل العلم ومحققوهم من أن المال الحرام ينبغي التخلص منه إما بإتلافه إن كان حراما بذاته، أو برده إلى أهله إن كان غصوبا أو سرقات أو نحو ذلك، أو بإنفاقه في وجوه البر إن لم يعلم أهله، فإذا أخرج من هذا المال قدر الزكاة كان خيرا من ألا يخرج منه شيء في سبيل البر، وبهذا يظهر أن القول بوجوب الزكاة في هذا المال الحرام بوصفه: قول وجيه، وإن كانت ملكيته غير مستقرة، وقد تقدم نقل النص عن شيخ الإسلام ابن تيمية في إخراج الزكاة من هذه الأموال الحرام، وأن هذا أدنى قدر يؤخذ به (1).
السؤال الثاني: مدى اعتبار ملكية المال الحرام ملكية ناقصة، وما يترتب على ذلك من أحكام؟.
الإجابة عن ذلك: أن ملكية هذا المال الحرام وإن كانت غير مستقرة إلا أن القول بإخراج الزكاة منه قول يتقتضيه أحد أهداف الزكاة وهو تعلق حقوق الفقراء بالأموال الزكوية المباحة بأصلها، وعلى من علق بها وصفا موجبا لحرمتها بذلك الوصف إثم ما اكتسبه فيها من عدوان، وفي النص المتقدم ذكره عن شيخ الإسلام ابن تيمية تبرير وجيه للقول بإخراج الزكاة فيها على سبيل التخلص الجزئي منها.
السؤال الثالث: أثر اختلاط المال الحرام بغيره على وجوب الزكاة من حيث تقسيم المال إلى حلال وحرام ما يغلب فيه الحلال على الحرام أو الحرام على الحلال، وما يتساوى فيه الأمران؟.
إن الإجابة على هذا السؤال تتضح مما تقدم من أن المال الحرام إما أن
(1) مجموع الفتاوى جـ30 ص325، ص327.
يكون حراما بأصله، كالخمور والخنازير، فهذه الأموال خبيثة بذواتها، وليست أموالا زكوية فلا زكاة، ويجب التخلص منها بإتلافها، وإما أن يكون المال الحرام لأفراد معينين، فالزكاة فيها على أصحابها بعد قبضهم إياها، وإما أن تكون أموالا محرمة لوصفها مختلطة بالمال الحلال، فسواء كانت هذه الأموال غالبة أو قليلة أو متساوية، فإن القول الراجح إخراج الزكاة منها؛ لأن المتعين على من هي بيده التخلص منها بالتصدق بها وإخراج الزكاة فيها أدنى قدر للتخلص منها، وقد تقدم ذكر النص في ذلك من شيخ الإسلام ابن تيمية توجيها لذلك القول، والله أعلم.
السؤال الرابع: إذا أوجب ولي الأمر الزكاة في المال الحرام بناء على اجتهاد رآه؟
الإجابة على ذلك: إذا كان المال الحرام حراما لوصفه لا لذاته فالذي يظهر ما تقدم أنه ينبغي إخراج الزكاة من هذا المال الحرام، وإذا أوجبها ولي الأمر فيه بناء على اجتهاد رآه فإن ذلك من ولي الأمر مؤكد لوجوب الزكاة في هذا المال الحرام، حيث إن إيجاب الزكاة في هذا المال محل نظر بين العلماء، وأرجح الأقوال القول بإخراج الزكاة منه، فإذا أمر ولي الأمر بذلك فإن أمره بمثابة حكم حاكم في مسألة خلافية، وحكم الحاكم يرفع الخلاف، أما إذا كان المال حراما بأصله كالخمر والخنزير فليس مالا زكويا ويجب التخلص منه بإتلافه، وإذا أمر ولي الأمر بإخراج الزكاة منه فأمره غير معتبر لأنه يستلزم جواز إبقاء هذا المال في يد من هو بحيازته، وهذا باطل فلا زكاة فيه ويجب إتلافه.
السؤال الخامس: زكاة المال المكتسب من عقود مختلف في مشروعيتها؟
الإجابة عن ذلك: الذي عليه محققو أهل العلم أن المال المكتسب من عقود مختلف في مشروعيتها - من قبضه بمثل هذه العقود فقبضه قبض تملك له حق التصرف فيه كتصرفه في ملكه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهكذا من كان قد عامل معاملات ربوية يعتقد جوازها ثم تبين له أنها لا تجوز، وكانت من المعاملات التي تنازع فيها المسلمون، فإنه لا يحرم عليه ما قبضه بتلك المعاملة على الصحيح اهـ (1).
وأصل هذا القول مبني على قاعدة المقبوض بعقد فاسد حيث ذكر رحمه الله القاعدة، وإن الأمر لا يخلو إما أن يكون القابض بهذا العقد معتقدا فساده وقت التعاقد، فهذا فيه خلاف بين العلماء، هل يملكه القابض بالقبض بعد العقد، أو لا يملكه لاعتقاده فساده، وإما أن يكون القابض قبض المقبوض بالعقد الفاسد، لكن يعتقد صحته بتأويل مبني على اجتهاد أو تقليد، فما قبض بهذا العقد يعتبر قبضا صحيحا لا يجوز التعرض له بحكم ولا رجوع عن ذلك الاجتهاد.
ولتمام الفائدة وتوثيق هذا القول أتجه إلى نقل قول الشيخ رحمه الله: قاعدة في المقبوض بعقد فاسد، وذلك أنه لا يخلو إما أن يكون العاقد يعتقد الفساد أو لا يعتقد الفساد.
فالأول يكون بمنزلة الغاصب حيث قبض ما يعلم أنه لا يملكه، لكنه يشبه العقد وكون القبض عن التراضي، هل يملكه بالقبض أو لا يملكه؟ أو يفرق بين أن يتصرف فيه أو لا يتصرف هذا فيه خلاف مشهور في الملك هل يحصل بالقبض في العاقد الفاسد.
(1) مجموع الفتاوى جـ29، ص267.
وأما إن كان العاقد يعتقد صحة العقد مثل أهل الذمة فيما يتعاقدون بينهم من العقود المحرمة في دين الإسلام، مثل بيع الخمر والربا والخنزير، فإن هذه العقود إذا اتصل بها القبض قبل الإسلام والتحاكم إلينا أمضيت لهم ويملكون ما قبضوه بلا نزاع لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1) فأمر بترك ما بقي. . . - إلى أن قال - وهكذا كل عقد اعتقد المسلم صحته بتأويل من اجتهاد أو تقليد مثل المعاملات الربوية التي يبيحها مجوزو الحيل، ومثل بيع النبيذ المتنازع فيه عند من يعتقد صحته، ومثل بيوع الغرر المنهي عنها عند من يجوز بعضها، فإن هذه العقود إذا حصل فيها التقابض مع اعتقاد الصحة لم تنقض بعد ذلك لا بحكم ولا برجوع عن ذلك الاجتهاد، وأما إذا تحاكم المتعاقدان إلى من يعلم بطلانها قبل التقابض أو استفتياه إذا تبين لهما الخطأ فرجع عن الرأي الأول فما كان قد قبض بالاعتقاد الأول أمضي، وإذا كان قد بقي في الذمة رأس المال وزيادة ربوية أسقطت الزيادة ورجع إلى رأس المال ولم يجب على القابض رد ما قبضه قبل ذلك بالاعتقاد الأول. اهـ (2).
ومما تقدم يتضح وجوب الزكاة في المال المكتسب من عقود مختلف في مشروعيتها.
السؤال السادس: علاقة زكاة المال الحرام بما يجب أصلا فيه من رده إلى أصحابه أو إخراجه من الملك؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تتضح مما تقدم من أن من المال الحرام ما لا يملك بالقبض كالغصوب والسرقات والودائع والعواري المجحودة فهذه
(1) سورة البقرة الآية 278
(2)
مجموع الفتاوى جـ29. ص411، ص413.