الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله، (1)» فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق.
فالزكاة واجبة في مال كل مسلم بشرطه، وقد اشترط العلماء رحمهم الله لوجوب الزكاة في المال أن يكون مملوكا لمن هو بيده ملكا تاما، وقد ذكر الشيخ منصور البهوتي: أن معنى تمام الملك ألا يتعلق به حق غيره، بحيث يكون له حق التصرف فيه حسب اختياره وفوائده عائدة عليه، وذكر أن الزكاة في مقابلة تمام النعمة والملك الناقص ليس بنعمة تامة (2).
ومما تقدم يتضح أن المسلم يجب عليه أن يخرج زكاة ما عنده من مال له حق التصرف فيه التصرف المطلق. أما إذا كان المال الذي بيده متعلقا بحق غيره كأن يكون مغصوبا أو مسروقا أو منهوبا أو وديعة عنده أو دينا في ذمته، فهذا زكاته على مالكه لا على من هو بيده.
وإذا كان المال الحرام نتيجة تعامل ربوي مثلا بحيث لا يعرف من كان متعاملا معه بالربا فإن هذا المال بيده يتصرف فيه، وله فوائده ونماؤه، فهل يعتبر هذا المال ملكا تاما بيد مسلم تجب عليه الزكاة فيه؟.
(1) صحيح البخاري الزكاة (1400)، صحيح مسلم الإيمان (20)، سنن الترمذي الإيمان (2607)، سنن النسائي الجهاد (3092)، سنن أبو داود الزكاة (1556)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 19).
(2)
شرح منتهى الإرادات جـ1 ص 367.
المبحث الثاني
في معرفة وجه حرمة المال وأثر ذلك على التملك
قد تكون حرمة المال في ذات المال نفسه كالخمور والمخدرات والخنازير والأصنام والأوثان وآلات اللهو المحرمة، وقد تكون حرمة المال لمعنى تعلق
بالمال نفسه لأخذه بلا عهد ولا عقد ولا عوض كالأعيان المغصوبة والمسروقة والمنهوبة والمصادرة بغير حق. وقد تكون حرمة المال لوصف علق به وأصله مباح، كالمعاملات الربوية في قضايا الصرف والربا، فالزيادة في ذلك ربا فضل، والتأجيل في الاستيفاء لأحد العوضين ربا نسيئة، فلو خلصت المعاملة من الزيادة والتأجيل لزالت الصفة الموجبة للتحريم.
لقد فرق بعض العلماء في الأحكام بين ما كان حراما في ذاته وأصله، وما كان حراما لوصف تعلق به مع إباحة أصله.
فاختلفوا في صحة الصلاة في الأرض المغصوبة والثوب المغصوب أو المصنوع من حرير، فذهب بعضهم إلى صحة الصلاة مع إثم المصلي في ذلك.
قال في المقنع وحاشيته:
ولا تصح الصلاة. . . والموضع المغصوب وعنه تصح مع التحريم. اهـ (1).
وقال في الحاشية:
ولا تصح الصلاة في الموضع المغصوب في أظهر الروايتين وأحد قولي الشافعي، والرواية الثانية تصح، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، والقول الثاني للشافعي؛ لأن النهي لا يعود إلى الصلاة فلم يمنع صحتها. اهـ (2).
وقال في المقنع وحاشيته:
ومن صلى في ثوب من حرير أو غصب لم تصح صلاته وعنه تصح مع التحريم. اهـ (3).
(1) جـ1 ص 127.
(2)
جـ1 ص127، ص128.
(3)
جـ1 ص116.
قال في الحاشية:
وعنه تصح مع التحريم، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي؛ لأن النهي لا يعود إلى الصلاة اهـ (1).
وقد قالوا بإباحة ما يأخذه الأجير على إجارة مباحة ممن لا يتورع من أكل الربا، وغيره من الأموال الحرام، إذا لم تكن الأجرة محرمة في ذاتها كالخمر والخنزير، فقد ثبت «أن امرأة يهودية استأجرت علي بن أبي طالب رضي الله عنه على سقي بستان لها بتمرات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأقره على ذلك» .
ومن وجبت له نفقة على من لا يتورع عن أكل المال الحرام فله أخذها منه إذا لم يكن من مال حرام بذاته، فإن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن رجل يعامل بالربا إذا أضاف غيره فقال ابن مسعود: كل فإن مهناه لك وحسابه عليه. اهـ (2).
ومن كان وارثا فله حقه الإرثي من مورثه من غير نظر إلى وسائل كسب هذا المال من المورث إلا أن يكون في المال الموروث مالا حراما بذاته كالخمور والخنازير وغيرها، فلا يجوز أخذها بل يجب إتلافها.
وقد اتجه جمهور أهل العلم إلى وجوب الزكاة في الحلي المحرم وإن كان معدا للاستعمال كالأواني الذهبية والفضية والحلي المحرم على الرجال، فلم يكن التحريم موجبا لسقوط الزكاة، لأن التحريم لم يتعلق بذات المحرم بل تعلق بوصف صار سبب تحريمه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وأما ما يحرم كالأواني ففيه الزكاة. . وأما حلية الفرس كالسرج
(1) جـ1 ص117.
(2)
مجموع الفتاوى جـ29 ص 247.
واللجام والبرذون فهذا فيه الزكاة عند جمهور العلماء، وقد منع من اتخاذه مالك والشافعي وأحمد، وكذلك الدواة والمكحلة ونحو ذلك فيه الزكاة عند الجمهور، سواء كان فضة أو ذهبا. اهـ (1).
وقال في شرح المنتهى:
وتجب الزكاة في حلي محرم، وآنية ذهب، أو فضة؛ لأن الصناعة المحرمة كالعدم. اهـ (2).
كما اتجهوا إلى تصحيح حج من حج على راحلة مسروقة أو مغصوبة مع قيام الإثم على من حج عليها. وكذلك تصحيح حج امرأة سافرت بلا محرم مع قيام الإثم عليها لحجها بدون محرم.
وقالوا رحمهم الله ببطلان صلاة من صلى في ثوب نجس، أو بدن فيه نجاسة، أو بقعه نجسة، وقالوا بحرمة أخذ الأجرة من مال حرام بذاته كالخمر والخنزير وآلات اللهو ونحوها، وقالوا بحرمة أخذ المال الحرام من الذمي جزية إذا كان المال حراما بذاته كالخمر والخنزير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
قال عمر بن الخطاب: ولو هم بيعها وخذوا أثمانها. وهذا كان سببه أن بعض عماله أخذ خمرا في الجزية، وباع الخمر لأهل الذمة، فبلغ ذلك عمر فأنكر ذلك وقال: ولو هم بيعها وخذوا أثمانها. اهـ (3).
وقالوا: يحرم شراء سلعة يعرف الراغب في شرائها أن عارضها للبيع
(1) مجموع الفتاوى جـ25 ص 17.
(2)
شرح المنتهى جـ1 ص404.
(3)
مجموع الفتاوى جـ29 ص 265.
لا يملكها، وأنها بيده على سبيل الغصب أو النهب أو السرقة، وأن مالكها. . . . . . . . . .
هذه الأمثلة تدل على التفريق في الحكم بين ما كان حلالا بأصله وذاته ولكن تعلق به وصف أوجب حرمته، وبين ما كان حراما بأصله كالخمر والخنزير، فهل لهذا التفريق في وجوب الزكاة في المال الحرام لوصف تعلق به دون ذاته أثر؟ وهل يعتبر المال الحرام لوصفه دون ذاته مملوكا إلى من هو بيده؟.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما المقبوض بعقد فاسد كالربا والميسر ونحوهما فهل يفيد الملك على ثلاثة أقوال للفقهاء:
أحدها: أنه يفيد الملك وهو مذهب أبي حنيفة.
والثاني: لا يفيده وهو مذهب الشافعي، وأحمد في المعروف من مذهبه.
والثالث: أنه إن فات أفاد الملك وإن أمكن رده إلى مالكه ولم يتغير في وصف ولا سعر لم يفد الملك وهو المحكي عن مذهب مالك. اهـ (1).
فتلخص من هذا المبحث أن المال الحرام نوعان:
أحدهما: حرام لذاته كالخمر والخنزير، أو حرام على من هو بيده لأخذه بغير حق كالغصوب والمسروقات والودائع المجحودة، فهذا لا يجوز أن تنسب ملكيته لمن هو بيده، ولا يجوز المعاوضة به، ولا التصرف فيه تصرف المالك في ملكه المباح، ويلزم من هو بيده من المسلمين التخلص منه بإتلاف ما لا يجوز تملكه لحرمة ذاته، وبرد الغصوب والودائع والمسروقات إلى أهلها، وليس في هذا النوع زكاة على من هو بيده.
(1) مجموع الفتاوى جـ29 ص 327، ص328.
الثاني: حرام لوصفه كالربا والميسر، فهذا للعلماء في اعتبار ملكيته لمن هو بيده ثلاثة أقوال تقدم ذكرها، ولعل الثالث منها أقربها إلى الصواب، والله أعلم، فهذا النوع إخراج الزكاة منه أدنى حد للتخلص منه.
المبحث الثالث
في أثر تخلف بعض أهداف الزكاة على وجوبها
تقدم لنا أن للزكاة أهدافا عدة، أهمها تطهير دافعها من الآثام وسوء الأخلاق وتنمية المال بدفعها واستقرار حق أهل الزكاة فيها.
لا شك أن من بيده مال حرام، فدفع الزكاة منه، قد لا يطهره مما اكتسب من هذا المال الحرام، كما أن الزكاة لا تنمي مالا حراما؛ حيث إن الزكاة في مقابلة تمام النعمة والمال الحرام ليس بنعمة، ولكن نظرا إلى أن هذا المال بيد مسلم وهو لبنة اجتماعية في الكيان الإسلامي المكون من فئات من الناس ما بين غني وفقير وتقي وفاسق، وقد استقرت حقوق الفقراء في أموال الأغنياء يدفعونها لهم طوعا أو كرها، والمال الحرام إذا كان حراما لوصفه ووسيلة اكتسابه كالمال الربوي والحلي المحرم، تعتبر يد من يضعها عليه يد تمليك على القول المختار، فهل لبقاء هذا الهدف - حق الفقراء في المال - أثر في بقاء وجوب الزكاة في هذا المال؟.
يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الزكاة واجبة في الأموال التي بيد المتناهبين من الأعراب إذا لم يعرف لها مالك معين فقال رحمه الله: والأموال التي بأيدي هؤلاء الأعراب المتناهبين إذا لم يعرف لها مالك معين فإنه يخرج زكاتها فإنها إن كانت ملكا لمن هي في يده كانت زكاتها عليه، وإن لم تكن ملكا له ومالكها مجهول لا يعرف فإنه يتصدق بها كلها فإذا