الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن، قال علماؤنا: طلاق السنة ما جمع سبعة شروط، وهي أن يطلقها واحدة، وهي ممن تحيض، طاهرا لم يمسها في ذلك الطهر، ولا تقدمه طلاق في حيض، ولا تبعه طلاق في طهر يتلوه، وطلاق عن العوض. انتهى (1).
وهذه الشروط كلها مستنبطة من حديث ابن عمر المتقدم في قصة طلاق زوجته.
ومن صور طلاق السنة أيضا أن يطلقها وهي حامل، فقد جاء في بعض روايات حديث ابن عمر «أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعمر مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا (2)» . رواه مسلم.
(1) أحكام القرآن لابن العربي 4/ 264.
(2)
صحيح مسلم 4/ 181.
المبحث الثاني
حكمة المنع من الطلاق في الحيض
وحكم المراجعة منه ووقت الطلاق بعده
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: حكمة المنع من الطلاق في الحيض:
اختلف العلماء رحمهم الله في حكمة المنع من الطلاق في الحيض على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أن المنع من الطلاق في الحيض لكونه حال النفرة والزهد في الوطء، فلا يطلقها إلا في حال الرغبة في الوطء، وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية، وهو قول أبي الخطاب من الحنابلة، فقد جاء في تبيين الحقائق
للزيلعي ما نصه: (وليس له أن يطلقها في حالة الحيض؛ لأنها زمان النفرة، فلعله يندم في زمان الطهر عند توقان النفس إلى الجماع، فلا يملك تفويت ما جعل الشرع نظرا له ولا يقال إنما كره في حالة الحيض لأجل تطويل العدة لأنا نقول لو طلقها في حالة الحيض بعدما طلقها في طهر لم يجامعها فيه، كان مكروها، وليس فيه تطويل العدة (1).
وجاء في الإنصاف ما نصه: " أكد الأصحاب على أن العلة في منع الطلاق في الحيض هي تطويل العدة، وخالفهم أبو الخطاب فقال: لكونه في زمن رغبة عنها.
القول الثاني:
أن الحكمة هي تطويل العدة، وهذا هو مذهب جمهور العلماء إذ هو المشهور من مذهب مالك والشافعي، وقول أكثر أصحاب أحمد، وهو قول في مذهب الحنفية، قال ابن رشد في مقدماته ما نصه: " وإنما نهى المطلق أن يطلق في الحيض؛ لأنه إذا طلق فيه طول عليها العدة، وأضر بها؛ لأن ما بقي من تلك الحيضة لا تعتد به في أقرائها، فتكون في تلك المدة كالمعلقة لا معتدة ولا ذات زوج ولا فارغة من زوج، وقد نهى الله عن إضرار المرأة بتطويل العدة عليها بقوله:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} (2)، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يطلق المرأة ثم يمهلها، فإذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ولا حاجة له بها، ثم طلقها فأمهلها حتى شارفت انقضاء عدتها راجعها لتطول العدة عليها، فنهى الله عن ذلك بهذه الآية (3).
(1) تبيين الحقائق للزيلعي 2/ 190.
(2)
سورة البقرة الآية 231
(3)
مقدمات ابن رشد مطبوع مع المدونه الكبرى لمالك 2/ 74 وما بعدها.
وقال النووي في روضة الطالبين ما نصه: " فصل الآيسة والصغيرة والتي ظهر حملها وغير الممسوسة لا بدعة في طلاقهن ولا سنة، إذ ليس فيه تطويل عدة ولا ندم بسبب ولد. انتهى. قلت ومقتضى كلامه بدعية الطلاق في الحيض؛ لأن فيه تطويل العدة (1).
وجاء في المجموع شرح المهذب ما نصه: " ولأنه إذا طلقها حال الحيض أضر بها في تطويل العدة "(2).
وجاء في الإنصاف للمرداوي الحنبلي ما نصه: " أكثر الأصحاب على أن العلة في منع الطلاق من الحيض هي تطويل العدة ".
وقال الكاساني: في بدائع الصنائع حول الطلاق في الحيض ما نصه: ولأن فيه - أي الطلاق في الحيض - تطويل العدة عليها؛ لأن الحيضة التي صادفها الطلاق فيه محسوبة من العدة، فتطول العدة عليها، وذلك إضرار بها (3).
القول الثالث:
أن منع الطلاق في الحيض تعبدي لا يعقل معناه، وهذا القول ذكره ابن تيمية رحمه الله عن بعض المالكية، حيث قال ما نصه: وتنازعوا في علة منع طلاق الحائض: هل هو تطويل العدة كما يقوله أصحاب مالك والشافعي وأكثر أصحاب أحمد، أو لكونه حال الزهد في وطئها فلا تطلق إلا في حال رغبة الوطء؛ لكون الطلاق ممنوعا لا يباح إلا لحاجة كما يقوله أصحاب أبي حنيفة وأبو الخطاب من أصحاب أحمد، أو هو تعبد لا يعقل معناه كما يقوله بعض المالكية على ثلاثة أقوال. انتهى كلامه.
(1) روضة الطالبين 8/ 7 وما بعدها.
(2)
انظر تكملة المجموع الثانية 17/ 77.
(3)
بدائع الصنائع 3/ 94.
وفي نظري أن الحكمة في المنع من الطلاق في الحيض تتضمن كل ما تقدم، فالإسلام نهى عن ذلك لحكمة عظيمة، ومصلحة شرعية لها مكانتها، تلك هي المحافظة على الأسرة ومراعاة جانب المرأة وحمايتها، أما المحافظة على الأسرة:
فلأن الطهر زمان رغبة الرجل في المرأة لا سيما في الطهر الذي لم يجامعها فيه؛ لأن الطلاق أيضا في الطهر المجامع فيه غير مشروع، وإذا كانت المرأة في حال طهر لم تجامع فيه كان الزوج على حال كمال في الرغبة بها، والرجل لا يطلق امرأته في زمان كمال الرغبة إلا لشدة الحاجة إلى الطلاق فيكون الطلاق واقعا للحاجة، ومثل هذا المطلق لا يلحقه الندم ولا يكون طلاق ضررا بخلاف زمان الحيض، فإن الطبيعة تنفر فيه عن المرأة، كذلك الأمر بالنسبة لما بعد الجماع فإن الرجل تضعف رغبته في زوجته، فقد يتسرع إلى إيقاع الطلاق دون حاجة حقيقية لإيقاعه.
وأما مراعاة جانب المرأة فإنها لو طلقت حائضا لطالت عدتها، فتعاني مزيدا من الانتظار والتربص، فتكون في تلك المدة كالمعلقة لا مطلقة ولا ذات زوج ولا فارغة من زوج، وقد نهى الشارع عن الإضرار بالمرأة قال تعالى {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (1) وهكذا نجد أن الإسلام قد منع من الطلاق في الحيض لما يترتب عليه من الضرر والإضرار، ولما يترتب على المنع منه من مصلحة ظاهرة للزوجين بل للأسرة جميعا، فلله الحمد على ذلك وله الحكمة البالغة في أمره ونهيه وقضائه وحكمه، {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (2).
(1) سورة البقرة الآية 231
(2)
سورة المائدة الآية 50