الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثالث: أن الطهر الأول مع الحيض الذي يليه وهو الذي طلق فيه كقرء واحد، فلو طلقها في أول الطهر لكان كمن طلق في الحيض.
والرابع: أنه نهى عن طلاقها في الطهر ليطول مقامه معها، فلعله يجامعها فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها فيمسكها (1).
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 10/ 60.
الفرع الثالث: في بيان المراد بالطهر
في قوله صلى الله عليه وسلم: «ثم ليطلقها طاهرا (1)» اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بالطهر في قوله صلى الله عليه وسلم «ثم ليطلقها طاهرا (2)» وفي لفظ «فإذا طهرت فليطلقها إن شاء (3)» هل المراد به انقطاع الدم، أو التطهير بالغسل أو ما يقوم مقامه من التيمم؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن المراد به انقطاع الدم، وهو قول الشافعي والمشهور من مذهب أحمد وبناء عليه يجوز طلاقها بانقطاع الدم مباشرة ولو لم تغتسل.
القول الثاني: التفصيل وهو قول الحنفية، ومفاده أنها إن طهرت لأكثر الحيض حل طلاقها بانقطاع الدم، وإن طهرت لدون أكثر الحيض لم يحل طلاقها حتى تصير في حكم الطاهرات بأحد ثلاثة أشياء: إما أن تغتسل، وإما أن تتيمم عند العجز وتصلي، وإما أن يخرج عنها وقت صلاة. قالوا: لأنه متى وجد أحد هذه الأشياء حكمنا بانقطاع الدم، وأقل مدة الحيض عند أبي حنيفة في المشهور عنه ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام (4).
القول الثالث: أن المراد به التطهر بالغسل وهذا قول المالكية وهو
(1) سنن النسائي الطلاق (3395)، سنن ابن ماجه الطلاق (2021).
(2)
سنن النسائي الطلاق (3395)، سنن ابن ماجه الطلاق (2021).
(3)
سنن النسائي الطلاق (3555)، سنن أبو داود الطلاق (2179)، سنن ابن ماجه الطلاق (2019)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 102)، موطأ مالك الطلاق (1220)، سنن الدارمي الطلاق (2262).
(4)
انظر بدائع الصنائع للكاساني 1/ 40.
قول في مذهب أحمد، هذه هي أقوال الفقهاء رحمهم الله في المراد بالطهر الذي يحل به الطلاق، وإليك بعض نصوص من ذكرت:
- جاء في روضة الطالبين مسائل: الأولى: قال لحائض أو نفساء: أنت طالق للبدعة طلقت في الحال، وإن قال للسنة لم تطلق حتى تشرع في الطهر ولا يتوقف على الاغتسال (1).
- وجاء في تكملة المجموع شرح المهذب (فصل) وإن قال لها وهي حائض: إذا طهرت فأنت طالق طلقت بانقطاع الدم لوجود الصفة.
- وجاء في المغني ما نصه: (فصل) إذا انقطع الدم من الحيض فقد دخل زمان السنة، ويقع عليها طلاق السنة، وإن لم تغتسل كذلك قال أحمد، وهو ظاهر كلام الخرقي، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: إن طهرت لأكثر الحيض مثل ذلك، وإن انقطع الدم لدون أكثره، ولم يقع حتى تغتسل، أو تتيمم عند عدم الماء وتصلي، أو يخرج عنها وقت الصلاة، لأنه متى لم يوجد فما حكمنا بانقطاع حيضها.
هذا وبخصوص القول الثاني للحنابلة وهو اشتراط الغسل، فقد قال ابن قدامة في الكافي: وإن قال لها: إذا طهرت فأنت طالق، طلقت بانقطاع الدم نص عليه. . . وذكر أبو بكر قولا آخر: أنها لا تطلق حتى تغتسل؛ لأن بعض أحكام الحيض باقية (2).
- وجاء في المدونة للإمام مالك ما نصه: (قلت): أرأيت المرأة طهرت من حيضتها ولم تغتسل بعد، ألزوجها أن يطلقها قبل أن تغتسل أم حتى تغتسل في قول مالك؟ (قال): لا يطلقها حتى تغتسل، وإن رأت القصة البيضاء (3).
(1) روضة الطالبين 8/ 9.
(2)
الكافي لابن قدامة 3/ 195.
(3)
المدونة الكبرى لمالك 2/ 70.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول والذين يرون جواز الطلاق بمجرد انقطاع الدم: بأن انقطاع دم الحيض دليل على الطهر، ولو لم تغتسل فهي في حكم الطاهرات، فيصح منها الصوم، ولو لم تغتسل وتجب الصلاة في ذمتها، قالوا: والدليل على أنها طاهرة أنها تؤمر بالغسل ويلزمها ذلك ويصح منها، وتؤمر بالصلاة وتصح صلاتها، ولأن في حديث ابن عمر «فإذا طهرت طلقها إن شاء (1)» وقد طهرت بانقطاع الدم.
أدلة القول الثاني:
وهم الذين فرقوا بين ما إذا طهرت لأكثر الحيض أو لأقله: بأنها إذا طهرت لأكثر الحيض فيحكم بانقطاعه، فيصح الطلاق ويقع، ولو لم يغتسل، بخلاف ما إذا طهرت لدون أكثره، قالوا فإننا لا نحكم بانقطاعه فلا يقع الطلاق حتى تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء، وتصلي أو يخرج عنها وقت الصلاة (2).
أدلة القول الثالث:
استدلوا بما رواه النسائي في سننه من حديث المعتمر بن سليمان قال سمعت عبيد الله عن نافع عن عبد الله: «أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة، فانطلق عمر فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مر عبد الله فليراجعها، فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها، فإن شاء أن يمسكها فليمسكها، فإنها العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء (3)» .
(1) سنن النسائي الطلاق (3389)، سنن ابن ماجه الطلاق (2019)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 102)، موطأ مالك الطلاق (1220)، سنن الدارمي الطلاق (2262).
(2)
انظر المغني 7/ 106
(3)
سنن النسائي 6/ 140 في باب ما يفعل إذا طلق تطليقة وهي حائض.
قال ابن القيم عن هذا الحديث: وهذا على شرط الصحيحين وهو مفسر لقوله: فإذا طهرت فيجب حمله عليه (1).
الترجيح والمناقشة:
قلت: والراجح، والله أعلم، هو القول الثالث والذي مضمونه أن قوله صلى الله عليه وسلم «ثم ليطلقها طاهرا (2)» يراد به التطهر بالغسل؛ لدلالة الحديث الذي رواه النسائي بسنده عن عبد الله بن عمر في قصة طلاقه لزوجته والذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم «مره فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها (3)». الحديث فهو مفسر لقوله صلى الله عليه وسلم «ثم ليطلقها طاهرا (4)» وقد تقدم قول ابن القيم رحمه الله بأن هذا الحديث على شرط الصحيحين. وقال ابن القيم لمناقشته للأقوال في هذه المسألة ما نصه: وسر المسألة أن الأحكام المترتبة على الحيض نوعان: منها ما يزول بنفس انقطاعه كصحة الغسل والصوم ووجوب الصلاة في ذمتها.
ومنها ما لا يزول إلا بالغسل كحل الوطء، وصحة الصلاة، وجواز اللبث في المسجد، وصحة الطواف، وقراءة القرآن على أحد الأقوال، فهل يقال الطلاق من النوع الأول أو الثاني؟
ولمن رجح إباحته قبل الغسل أن يقول: الحائض إذا انقطع دمها كالجنب يحرم عليها ما يحرم عليه، ويصح منها ما يصح منه، ومعلوم أن المرأة الجنب لا يحرم طلاقها، ولمن رجح الثاني أن يجيب عن هذا بأنها لو كانت كالجنب لحل وطؤها ويحتج بما رواه النسائي. . ثم ذكر رحمه الله الحديث السابق الذي ذكرته دليلا للقول الثالث، والذي فيه: «فإذا اغتسلت من
(1) شرح سنن أبي داود لابن القيم المطبوع مع عون المعبود 6/ 247.
(2)
سنن النسائي الطلاق (3395)، سنن ابن ماجه الطلاق (2021).
(3)
سنن النسائي الطلاق (3396).
(4)
سنن النسائي الطلاق (3395)، سنن ابن ماجه الطلاق (2021).
حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها (1)» قال وهذا على شرط الصحيحين وهو مفسر لقوله «إذا طهرت» فيجب حمله عليه (2).
هذا وقد رجح أيضا ابن حجر في الفتح هذا القول حيث قال: واختلف الفقهاء في المراد بقوله: طاهرا هل المراد به انقطاع الدم أم التطهر بالغسل؟ على قولين وهما روايتان عن أحمد والراجح الثاني. ثم استدل بالحديث المتقدم الذي رواه النسائي وقال: إنه مفسر لقوله «إذا طهرت» فليحمل عليه.
(1) سنن النسائي الطلاق (3396).
(2)
شرح سنن أبي داود لابن القيم المطبوع مع عون المعبود 6/ 247.
قلت: وهذه المسألة مرتبطة بمسألتين أخريين:
إحداهما: هل تنقضي العدة بانقطاع الدم من الحيضة الثالثة وتنقطع الرجعة أم لا تنقطع الرجعة إلا بالغسل؟ خلاف بين أهل العلم، والراجح أنها لا تنقطع إلا بالغسل، وهو قول عدد من الصحابة، قال ابن قدامة في المغني (فصل): إذا انقطع حيض المرأة في المرة الثالثة ولم تغتسل فهل تنقضي عدتها بطهرها؟ فيه روايتان ذكرهما ابن حامد إحداهما: لا تنقضي عدتها حتى تغتسل، ولزوجها رجعتها في ذلك، وهذا ظاهر كلام الخرقي فإنه قال في العدة: فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة أبيحت بلا زواج، وهذا قول كثير من أصحابنا، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وسعيد بن المسيب والثوري وأبي عبيد، وروي نحوه عن أبي بكر الصديق وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء، وروي عن شريك: له الرجعة وإن فرطت في الغسل عشرين سنة، ووجه هذا قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فيكون إجماعا، ولأن أكثر أحكام الحيض لا تزول إلا بالغسل وكذلك هذا.
قلت: ثم ذكر الرواية الثانية ومن قال بها، وهي أن العدة تنقضي بمجرد الطهر قبل الغسل، انتهى محل الغرض منه (1).
(1) المغني لابن قدامة 7/ 280 وما بعدها.