الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في السلم وهو ظاهر فيه، وأما الكفيل فقال الإسماعيلي: ليس في هذا الحديث ما ترجم به، ولعله أراد إلحاق الكفيل بالرهن؛ لأنه حق ثبت الرهن به، فيجوز أخذ الكفيل فيه. قلت: هذا الاستنباط بعينه سبق إليه إبراهيم النخعي راوي الحديث. وإلى ذلك أشار البخاري في الترجمة، فسيأتي في الرهن (عن مسدد، عن عبد الواحد عن الأعمش قال: تذاكرنا عند إبراهيم الرهن والكفيل في السلف، فذكر إبراهيم هذا الحديث) فوضح أنه هو المستنبط لذلك. وأن البخاري أشار بالترجمة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث على عادته، وفي الحديث الرد على من قال إن الرهن في السلم لا يجوز، وقد أخرج الإسماعيلي من طريق ابن نمير عن الأعمش أن رجلا قال لإبراهيم النخعي إن سعيد بن جبير يقول: إن الرهن في السلم هو الربا المضمون، فرد عليه إبراهيم بهذا الحديث، وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الرهن إن شاء الله تعالى. قال الموفق: رويت كراهة ذلك عن ابن عمر، والحسن، والأوزاعي، وإحدى الروايتين عن أحمد، ورخص فيه الباقون، والحجة فيه قوله تعالى:{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (1) إلى أن قال: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (2) واللفظ عام، فيدخل السلم في عمومه، لأنه أحد نوعي البيع، واستدل لأحمد بما رواه أبو داود من حديث أبي سعيد:«من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره (3)» وجه الدلالة منه أنه لا يأمن هلاك الرهن في يده بعدوان، فيصير مستوفيا لحقه من غير المسلم فيه، وروى الدارقطني من حديث ابن عمر رفعه:«من أسلف في شيء فلا يشترط على صاحبه غير قضائه (4)» وإسناده ضعيف، ولو صح فهو محمول على شرط ينافي مقتضى العقد. والله أعلم.
(1) سورة البقرة الآية 282
(2)
سورة البقرة الآية 283
(3)
سنن أبو داود البيوع (3468)، سنن ابن ماجه التجارات (2283).
(4)
سنن أبو داود البيوع (3468)، سنن ابن ماجه التجارات (2283).
باب السلم إلى أجل معلوم:
وبه قال ابن عباس، وأبو سعيد، والحسن، والأسود.
قال ابن عمر: لا بأس في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل معلوم ما لم يكن ذلك في زرع لم يبد صلاحه.
حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال «قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث فقال: أسلفوا في الثمار في كيل معلوم إلى أجل معلوم (1)» . وقال عبد الله بن الوليد حدثنا سفيان، حدثنا ابن أبي نجيح، وقال (في كيل معلوم ووزن معلوم).
حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا سفيان عن سليمان الشيباني، عن محمد بن أبي مجالد، قال (أرسلني أبو بردة وعبد الله بن شداد إلى عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى فسألتهما عن السلف فقالا: كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزيت إلى أجل مسمى. قال: قلت: أكان لهم زرع أو لم يكن لهم زرع؟ قالا: ما كنا نسألهم من ذلك).
قوله (باب السلم إلى أجل معلوم) يشير إلى الرد على من أجاز السلم الحال، وهو قول الشافعية، وذهب الأكثر إلى المنع، وحمل من أجاز الأمر في قوله (إلى أجل معلوم) على العلم بالأجل فقط، فالتقدير عندهم من أسلم إلى أجل فليسلم إلى أجل معلوم لا مجهول. وأما السلم لا إلى أجل فجوازه بطريق الأولى لأنه إذا جاز مع الأجل وفيه الغرر فمع الحال أولى لكونه أبعد عن الغرر. وتعقب بالكتابة وأجيب بالفرق: لأن الأجل في الكتابة شرع لعدم قدرة العبد غالبا. قوله (وبه قال ابن عباس) أي باختصاص السلم بالأجل، وقوله (وأبو سعيد) هو الخدري والحسن (أي البصري) والأسود (أي ابن يزيد النخعي) فأما قول ابن عباس فوصله الشافعي من طريق ابن حسان الأعرج، عن ابن عباس قال: أشهد أن السلف المضمون إلى
(1) صحيح البخاري السلم (2253)، سنن النسائي البيوع (4616)، سنن أبو داود البيوع (3463)، سنن ابن ماجه التجارات (2280)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 358)، سنن الدارمي البيوع (2583).
أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه، ثم قرأ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (1) وأخرجه الحاكم من هذا الوجه وصححه، وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لا يسلف إلى العطاء ولا إلى الحصاد واضرب أجلا. ومن طريق سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس بلفظ آخر سيأتي. وأما قول أبي سعيد فوصله عبد الرزاق من طريق نبيح بنون وموحدة ومهملة مصغر، وهو العنزي بفتح المهملة والنون ثم الزاي، الكوفي عن أبي سعيد الخدري قال:(السلم بما يقوم به السعر ربا، ولكن أسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم). وأما قول الحسن فوصله سعيد بن منصور من طريق يونس بن عبيد عنه (أنه كان لا يرى بأسا بالسلف في الحيوان، إذا كان شيئا معلوما إلى أجل معلوم). وأما قول الأسود فوصله ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن أبي إسحاق عنه، قال:(سألته عن السلم في الطعام فقال: لا بأس به. كيل معلوم إلى أجل معلوم). ومن طريق سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس قال: (إذا سميت في السلم قفيزا وأجلا فلا بأس) وعن شريك عن أبي إسحاق عن الأسود مثله. واستدل بقول ابن عباس الماضي (لا تسلف إلى العطاء) لاشتراط تعيين وقت الأجل بشيء لا يختلف، فإن زمن الحصاد يختلف ولو بيوم، وكذلك خروج العطاء، ومثله قدوم الحاج، وأجاز ذلك مالك، ووافقه أبو ثور، واختار ابن خزيمة من الشافعية تأقيته إلى الميسرة، واحتج بحديث عائشة:«أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودي: ابعث لي ثوبين إلى الميسرة، (2)» وأخرجه النسائي، وطعن ابن المنذر في صحته بما وهم فيه، والحق أنه لا دلالة فيه على المطلوب؛ لأنه ليس في الحديث إلا مجرد الاستدعاء، فلا يمتنع أنه إذا وقع العقد قيد بشروطه، ولذلك لم يصف الثوبين.
قوله: (وقال ابن عمر: لا بأس في
(1) سورة البقرة الآية 282
(2)
سنن الترمذي البيوع (1213)، سنن النسائي البيوع (4628)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 147).