الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعطف على الأرامل والأيتام ويواسيهم، وكان يحب طلبة العلم حبا لله، وفي الله، وقد لقي من المتاعب والمكائد والحسد ما الله به عليم، لكنه رحمه الله قابله بالصبر والاحتساب (1).
وفي مواصلته الحديث عن الشيخ القرعاوي، حسب معرفته الشخصية يقول: وفي الأعوام الأخيرة قام ببناء المساجد في جهات متعددة من جوامع وغيرها كثير، لا أستطيع حصرها، ولقد حفر آبارا كثيرة للشرب، وقد بذل جهدا كبيرا بالشفاعة عند الحكومة لتوظيف بعض الطلبة، ومشايخ القبائل، فاجتمعت في هذه المنطقة بفضل الله ثم بأسبابه نعمة الدين والدنيا معا، وكان محسنا كبيرا كريما، ويحب أهل الكرم، وقد أوصى بثلث ماله عند موته في المشاريع الخيرية، في بناء المساجد، وحفر الآبار، وغيرها من أعمال الخير، والحمد لله قد نفذ من الثلث الشيء الكثير، وذلك من حسن نيته رحمه الله وحسن تدبير وصيه ولده الأكبر الشيخ محمد - حفظه الله، وكثر أمثاله من الأولاد الأبرار الأتقياء (2)
(1) المخطوطة المذكورة والتي لم يسمها المؤلف بعد (ص4).
(2)
المخطوطة المذكورة والتي لم يسمها المؤلف بعد (ص 5).
رحلاته في طلب العلم:
كابد الشيخ القرعاوي مشاغل الحياة، جريا وراء لقمة العيش، ولم يتفرغ لطلب العلم إلا على كبر، فكان من القلة الذين جعل الله في علمهم بركة، وفي إخلاصهم وصدقهم مع الله نتيجة، وذلك بتفتح السبل، وتذليل الصعاب، وسرعة النتائج، حيث دأب رحمه الله على الإخلاص والنصح والدعوة، منذ كان شابا في عنيزة، ومع تلاميذه في أول مدرسة افتتح في مسقط رأسه للتعليم: قراءة وكتابة كما نوه عن ذلك كل من الشيخين
عبد الله بن بسام (1) ومحمد القاضي (2) وهما ممن عرفا مدرسته إبان طفولتهما، وسبرا أخباره عن كثب. وهو رحمه الله وإن لم يتحدث في رسالته التي نشرتها المنهل عام 1367 هـ عن رحلته في العلم: طلبا واهتماما ومتابعة، إلا أنه أعطى لمحة عابرة تنبئ عن الجهد المبذول في طلب العلم، والانتجاع من أجله، عندما قال: وذلك أني لما رجعت من الهند في 22 رمضان سنة 1357 هـ، وقدمت الرياض، أقمت عند شيخي الفاضل العلامة: محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، أقرأ عليه للمرة الثالثة، وأما الرابعة فكنت مستمعا، وأما الخامسة فلم أجده لأنه كان بمكة يومئذ، وقد ذهبت إلى الأحساء عند فضيلة الشيخ عبد العزيز بن بشر، وإلى قطر عند فضيلة الشيخ محمد بن مانع، فقرأت عليهما كليهما في الحديث (3).
ولكن محرر هذه المجلة، أوضح في مقدمة اللقاء معلومات أكثر فقال: وقد تحدث إلينا القرعاوي فقال: إنه مع شيبته كان لا يستنكف من تلقي دروس الحساب والخط مع صغار التلاميذ، في مدرسة إبراهيم الحلواني في مكة المشرفة، وأنه ارتحل إلى الهند وهو كبير السن لاستكمال الدراسة، وقد كرر الدراسة مرارا في نجد على شيخه العلامة: الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن سليم، والشيخ عمر بن سليم في بريدة، وأنه يطبق على نفسه المبدأ القائل:" اطلب العلم من المهد إلى اللحد ". وأنه كان يستعد بذلك كله لهذا العمل الذي قام به في الأخير. (4).
(1) انظر كتابه (علماء نجد خلال ستة قرون)(2: 630 - 631).
(2)
انظر كتابه (روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين)(2: 40 - 45).
(3)
مجلة المنهل م8 عدد 5 سنة 1367 هـ ص188 - 189.
(4)
مجلة المنهل م8 عدد 5 سنة 1367 هـ (ص 189).
ويزيد الشيخ عبد الله البسام الأمر وضوحا عندما قال عن طلب الشيخ للعمل إجمالا: نشأ المترجم له في مدينة عنيزة، وصار يتعاطى التجارة من حداثته، وعمه يوجهه ويرشده، ثم صار له ميل إلى طلب العلم، فأخذ عن الشيخ عبد الله بن محمد آل مانع، كما رحل إلى بريدة فلتقاه عن الشيخ عبد الله بن سليم، وعمر بن سليم، وترك التجارة وانصرف إلى طلب العلم، فرحل إلى الهند للتزود من العلم، وذلك عام 1334 هـ، والتحق بالمدرسة الرحمانية بدلهي، وتلقى علم الحديث عن علماء السنة في الهند، فلما جاءه خبر مرض والدته بعد سنة من وصوله، عاد إلى عنيزة ولكن توفيت قبل وصوله، ثم جد في طلب العلم، وصار يقوم برحلات إلى العلماء الكبار في أوطانهم وأمكنة عملهم، وفي خلالها يعود إلى بلده عنيزة، فرحل إلى بريدة، للأخذ عن علمائها، كما رحل إلى الرياض، وأخذ عن سماحة الشيخ: محمد بن إبراهيم، كما رحل إلى الأحساء وأخذ عن قاضيه الشيخ عبد العزيز بن بشر، كما رحل إلى قطر فتلقى العلم عن العلامة: الشيخ محمد بن مانع، ثم رحل إلى المجمعة فقرأ على الشيخ عبد الله العنقري، ثم عاد إلى الهند لإكمال دراسته، فتلقى علم الحديث عن الشيخ عبد الله بن أمير القرشي الدهلوي، وأجازه إجازة مطولة، ورحلته الأخيرة عام 1355 هـ، ثم عاد عام 1357 هـ. .
أما الشيخ محمد القاضي فقد أورد أن الشيخ القرعاوي ذكر له عن طلبه العلم، وهو معه في المسجد الحرام، كما أملى عليه رحلاته فقال باستطراد: قرأ القرآن، وشرع في طلب العلم بهمة ونشاط ومثابرة، فقرأ على علماء عنيزة، ومن أبرز مشايخه: الجد صالح بن عثمان، والخال عبد الله بن مانع،
وسليمان العمري، قاضي الاحساء. . هكذا ذكر لي، وأنا معه في المسجد الحرام، وأملى علي رحلاته وسأذكرها: فتح مدرسة للتعليم لكتاب الله والخط والحساب ومبادئ العلوم، وكان مجودا وله صوت رخيم، واستمر يدرس تبرعا لوجه الله، والتف إليه طلبة كثيرون، وإذا حان وقت الصلاة ساقهم إلى المسجد ومعه عصاه، ومتى رأيناه مقبلا ونحن في طفولتنا ينذر بعضنا البعض: جاءكم القرعاوي، فنهرب ويرسل علينا عصاه، وهذا دأبه طول بقائه بعنيزة، داعية خير ورشد، وتخرج عليه قراء مهرة، وإذا قيل له: اكفف عن الضرب لتسلم من أذيتهم يجيب بأنني قادر على الإنكار باليد، وفي الصحيح:«من رأى منكم منكرا فلغيره بيده (1)» وكان إذا طلع الفجر، يقوم فيقرع بيوت جيرانه: قوموا إلى الصلاة. . الصلاة خير من النوم. بصوت عال، ويقرع الأبواب حتى يستيقظوا، ويظهر إلى خارج البلد، فمن رآه ساقه إلى المسجد بالعصا، كما يسوق الراعي غنمه، ومتى لم يمتثلوا ضربهم، أو رفع بهم إلى الحاكم (2).
وقد استمر في إبانة ما يهم الناس في أمور دينهم، بصلابته في الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. . إلى أن قال: وبعد عودته من التجارة في الشام إلى عنيزة، صار يوالي نشاطه التربوي والتأديبي، وفتح دكانا للبيع والشراء، وكان صدوقا في المعاملة، وفي الصباح والليل يلازم مشائخه، ورحل إلى بريدة فقرأ على علمائها، ومنهم عبد الله بن سليم، وعمر بن سليم، وفي عام 1344هـ سافر إلى الهند، فقرأ على علماء الحديث في دلهي حوالي سنة، فبلغه مرض أمه، وطلبها لحضوره، عند ذلك أزمع السفر إلى عنيزة، وماتت - رحمها الله - قبل وصوله، فبقي عشرة
(1) صحيح مسلم الإيمان (49)، سنن الترمذي الفتن (2172)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5009)، سنن أبو داود الصلاة (1140)، سنن ابن ماجه الفتن (4013)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 10).
(2)
روضة الناظرين (2: 40 - 41).
أيام، وغادر عنيزة للاحساء فقرأ على قاضيها، الشيخ عبد العزيز بن بشر ولازمه، ثم إلى قطر والساحل، وقرأ على محمد بن عبد العزيز المانع، وعاد إلى الرياض فلازم علماءه، ومن أبرزهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وسافر إلى المجمعة فقرأ على قاضيها عبد الله بن عبد العزيز العنقري، ثم عاد إلى الرياض فقرأ على مشايخه، ثم رحل إلى الهند للمرة الثانية عام 1355هـ، فقرأ على علماء الحديث في الهند، ولازم حمد الله القرشي الدهلوي (1) وأجازه بسند متصل، وبقي سنتين، ثم عاد إلى عنيزة، وكان يتجول في الأسواق، فمتى رأى امرأة متبرجة ضربها بسوطه، وإذا سمع بأخوين متصارمين، سعى للإصلاح بينهما ما أمكنه، واشتهر بالإصلاح لذات البين، وسافر في عام 1358م (2) للرياض، ولازم سماحة الشيخ محمد، وحج معه، وبعد أداء المناسك، طلب الملك عبد العزيز رحمه الله من سماحته أن يوجه إلى الجنوب مرشدا ومعلما، لأمور الدين، فوجه المترجم له: القرعاوي إليه ووصاه بالإخلاص في دعوته، وبتقوى الله في السر والعلن، فسافر في 25 من ذي الحجة من مكة عام 1358هـ (3) ووصل سامطة (4).
أما الشيخ عمر أحمد في مخطوطته عن الشيخ القرعاوي، فإنه قد ذكر هذه الرحلة العلمية للشيخ، ولكن مع اختلاف عما جاء عند الشيخين عبد الله البسام، ومحمد القاضي، ولعل هذا من تغير الرواية، أو اختلاف
(1) صحة الاسم أحمد الله بن أمير القرشي، كما هو خاتمه في الإجازة.
(2)
لعل صحتها عام 1357 هـ.
(3)
صحة ذلك يوم 20 من صفر عام 1358هـ كما ذكر القرعاوي في مجلة المنهل عام 1367هـ.
(4)
روضة الناظرين (2: 42).
النقل، وذلك عندما: ذكر رحمه الله أنه أول ما سافر إلى الهند لطلب العلم عام 1345 هـ، ودرس بمدرسة الرحمانية بدلهي للمرة الأولى، وأقام بها عشرة أشهر، ثم ذكر أن أمه أرسلت إليه خطابا تطلب فيه حضوره فسافر رحمه الله حال وصول الخطاب حسب طلب أمه، ولما وصل عنيزة، فإذا هي قد ماتت قبل وصوله بثمانية أيام - رحمهما الله رحمة الأبرار.
وفي طلبه العلم بنجد: ذكر رحمه الله أنه جلس بعنيزة سبعة أيام ثم سافر إلى بريدة، وجلس عند الشيخ: عبد الله بن سليم، وعمر بن سليم، ثم سافر إلى مكة، وطلبوا منه الموافقة على تعيينه قاضيا، أو مطوعا فسافر إلى مصر هاربا من الوظيفة، ولقصد طلب العلم، ولما وصل إلى مصر وجد بعض الأساتذة مخالفين للسنة في بعض أمورهم، فجلس ما شاء الله، ثم سافر إلى فلسطين، زاعما أنه يجد في نابلس علماء، فحصلت له قصة مع عالم من علمائها، رواها لي أحد تلامذته، الشيخ أحمد يحيى النجمي، وهي: لما وصل إلى مدينة نابلس، جلس عند شيخ عنده حلقة علم، يعلم الناس وهو جالس وسط الحلقة، فلما سأله من أين جاء؟ فأخبره أنه من نجد، فقال ذلك الشيخ: من العرب الذين يأكلون الشعير؟ قال: نعم. ثم قال له الشيخ عبد الله رحمه الله: تسمح لي يا شيخ؟ قال: نعم. قال: أتعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الشعير؟ قال: نعم. قال له: فكيف تعيرنا بالشعير، والنبي صلى الله عليه وسلم أكله. ثم قال له: أتعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلوس وسط الحلقة. قال: نعم. قال له: فكيف تجلس في وسط الحلقة وأنت تعرف هذا النهي. وبالجملة فقد أفحمه ثم سافر من عنده.
ثم سافر رحمه الله إلى الشام لطلب العلم عن طريق حيفا وعكا
وبيروت، فلم يجد مطلوبه، فسافر إلى عمان ثم إلى معان، ثم رجع إلى القصيم، ثم سافر إلى الرياض، والتقى بابن سليم وابن بليهد (1).
ثم ذكر عن طلبه العلم للمرة الثانية بنجد فقال: ذكر- رحمه الله أنه سافر إلى الرياض فلم يجد الشيخ محمد بن إبراهيم، فسافر إلى الأحساء، وجلس يقرأ على الشيخ ابن بشر، هو وابن دهيش، وذكر رحمه الله أنه كان يدرس على الشيخ ابن بشر، ويبيع ويشتري، وكان جلوسه هذا بعد أن طاف على العراق والكويت، والزبير، فلم يجد أحدا يدرس عليه، ثم مر على عمان وقطر، فوجد لدعوته أثرا طيبا في تلك الجهة، ولكن لم يطل مقامه لعدم المشارك في طلب العلم لديه، والشيخ مشغول بالقضاء، كذلك جلس برأس الخيمة أحد عشر يوما، ثم رجع إلى عنيزة (2).
وعن طلبه العلم بنجد للمرة الثالثة قال: ذكر رحمه الله أنه جلس يقرأ على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وبعد مدة تشاور مع الشيخ محمد: هل يكمل دراسته بالحجاز، أو الهند، فأشار عليه بالسفر إلى عنيزة بلده.
وأخيرا طلب العلم بالهند، وحصل على الإجازة من شيخه أحمد - وأورد جزءا من نص الإجازة - ثم قال: وقد تحصل ولله الحمد على العلم النافع، وصار عالما بارعا بالتفسير والحديث، والتوحيد والفقه، والمصطلح والفرائض وأصول الفقه والتجويد، وفي النحو والصرف، والمعاني والبيان، والبديع والتاريخ، والسيرة والإنشاء، والإملاء والخط والحساب.
(1) انظر مخطوطته هذه (ص 6، 7).
(2)
انظر مخطوطته هذه (ص8)
فكان رحمه الله عالما بهذه الفنون، عاملا بما علم، ويحفظ كتاب الله عن ظهر قلب، وبعد مضي سنتين بالهند رجع إلى الرياض، في شهر رمضان عام 1357هـ (1).
أما الشيخ موسى السهلي، فقد أفاض في مؤلفه: عن طلب الشيخ القرعاوي للعلم، بحيث استغرق منه قرابة خمس صفحات، لم يخرج ما فيها عما جاء عند الشيخين: عبد الله البسام ومحمد القاضي، إلا أنه زاد في شيوخه تاسعا؛ هو الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ بالرياض، وأورد إجازة الشيخ أحمد الله بن أمير القرشي مدير المدرسة الرحمانية السلفية بدلهي، التي بين فيها أهلية القرعاوي العلمية، وفضله ومكانته بين العلماء، وذكر فيها أسماء الكتب التي درسها عليه، وأجازه بتدريسها (2).
كما عرض عليه المسئول بالمدرسة الإقامة عندهم، ليكون مديرا في مدرسة هناك، ويلقي ثلاثة دروس عربية، فوافق مبدئيا إلا أنه ما لبث أن اختلف معهم في الرأى، فاستسمح منهم وعاد إلى نجد، ونزل مدينة الرياض (3).
ومن هذا الاستعراض لمن كتب عن طلب العلم للشيخ القرعاوي ندرك أن رواياتهم تباينت، وأن لدى بعضهم ما يغاير الآخر في الرصد التاريخي، وعن أماكن طلب العلم، وعن عدد شيوخه: اسما ومكانا، ومدة المكث في بعض الجهات لطلب العلم. . إلى غير ذلك.
كما يبرز سبب تطوافه البلدان، في حرصه على طلب العلم الشرعي، واهتمامه بالعقيدة السليمة؛ لأنه يبحث عن بغية رسمها لنفسه بنيه صادقة، ومع هذا فلم يعزب عن باله المهمة الأساسية التي صوب جهده نحوها، منذ
(1) انظر مخطوطته هذه (ص 10 - 11).
(2)
راجع نص هذه الإجازة مع صورتها في ملحق كتابه عن الشيخ القرعاوي ودعوته.
(3)
راجع نص هذه الإجازة مع صورتها في ملحق كتابه عن الشيخ القرعاوي ودعوته (ص 16 - 21).