الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك لأن الربح المزعوم لهذا المال لو بقي في يد صاحبه أمر موهوم مظنون، فقد يحصل وقد لا يحصل، أما الزيادة على رأس المال فهي ملك للفقير على وجه اليقين، وقد يخسر ذلك المحتاج في تعامله برأس المال الذي استدانه، فيجمع عليه خسارته في التجارة، والزيادة التي يطلبها المرابي على رأس المال.
6 -
بيع العينة
(1):
العينة بكسر العين المهملة، ثم ياء تحتية ساكنة، ثم نون.
قال ابن فارس: العين هو المال العتيد الحاضر، يقال: هو عين غير دين، أي هو مال حاضر تراه العيون (2).
ومن المجاز: إطلاق العين على الميل في الميزان. قال الراغب: وتستعار العين للميل في الميزان (3).
وقد اشتقت العينة من هذا الأصل، قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: اشتقت من عين الميزان وهي زيادته.
ووافقه ابن فارس فقال: هذا الذي ذكره الخليل صحيح؛ لأن العينة لا بد أن تجر زيادة (4)، وقال الأزهري: العينة اشتقاقها من
(1) انظر الذرائع الربوية، سليمان الملحم، رسالة ماجستير في كلية الشريعة.
(2)
معجم مقاييس اللغة، مادة (عين)، 4/ 203.
(3)
المفردات في غريب القرآن ص 355.
(4)
معجم مقاييس اللغة، مادة (عين).
العين، وهو النقد الحاضر (1).
وقال الجوهري: العينة بالكسر وسكون المثناة: السلف، ويقال: اعتان الرجل، إذا اشترى الشيء نسيئة (2). وقال ابن منظور: والعينة: الربا (3).
وقال في القاموس المحيط: وعين، أخذ بالعينة، أي السلف أو أعطى بها، والتاجر باع سلعته بثمن إلى أجل، ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن (4).
وللعينة صور متعددة، ولكنها في عامتها تدخل في بيع المضطر، كأن يحتاج رجل إلى نفقة، فلا يعطيه الموسر بالقرض، ولكن يبيعه السلعة بضعف ثمنها، فيضطر المحتاج لبيعها بخسارة من أجل حصوله على المال (5).
وقال ابن قدامة: إن من باع سلعة بثمن مؤجل، ثم اشتراها من المشتري بأقل منه نقدا، فهو عينة (6).
وقال البنا الساعاتي في تعليقه على مسند أحمد (7): فسر الفقهاء
(1) تهذيب اللغة للأزهري، 3/ 207.
(2)
الصحاح للجوهري، (مادة عين).
(3)
لسان العرب، (مادة عين).
(4)
القاموس المحيط، (مادة عين).
(5)
انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية، 3/ 137.
(6)
المغني لابن قدامة، 6/ 260.
(7)
الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد 15/ 44، نيل الأوطار 5/ 319.
العينة، أن يبيع الرجل سلعة لرجل آخر إلى أجل، ثم يشتريها منه بثمن حال نقدا في المجلس، بأقل من الثمن الذي باعها به، ليبقى الكثير في ذمته ويسلما من الربا، وقيل لهذا البيع عينة، لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا، أي نقدا حاضرا معجلا، ليصل به إلى مقصوده، مع بقاء الثمن الكثير في ذمته، وذلك حرام باتفاق العلماء، إن اشترط المشتري على البائع أن يشتريها منه بثمن معلوم؛ لأنه حيلة على تحليل الربا، فإن لم يكن بينهما شرط، أجازها الشافعية، ومنعها جمهور العلماء.
ولو باعها المشتري من غير بائعها في المجلس، فهي عينة أيضا لكنها جائزة بالاتفاق إذا خلت من التواطؤ على الحيلة.
وقال الشوكاني: سميت عينة، لأن العينة هو المال الحاضر، والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة، ليصل إلى مقصوده (1).
وذهب ابن القيم إلى عدم جواز بيع العينة، مستدلا بما روي عن الأوزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع (2)» وقال: هذا الحديث وإن كان مرسلا، فإنه صالح للاعتضاد به بالاتفاق، وله من المسندات ما يشهد له (3).
(1) نيل الأوطار 5/ 319، تفسير القرطبي 5/ 361.
(2)
نيل الأوطار 5/ 319 - الشوكاني.
(3)
نيل الأوطار 5/ 319.
وبيع العينة حيلة ومكر وخديعة، وهو لا يرفع المفسدة التي حرم الربا من أجلها، بل يزيدها قوة وتأكيدا من وجوه عديدة (1).
وقال القرطبي: إن من أباح بيع العينة، فليبح حفر البئر، ونصب الحبالات لهلاك المسلمين والمسلمات، وذلك لا يقوله أحد (2) وقال: لقد اتفقنا على منع من باع العينة، إذا عرف بذلك وكانت عادته (3).
وقد وردت من السنة عدة روايات في تحريم هذا النوع من البيوع الذي هو صورة من صور الربا، نذكر منها ما يلي:
ما أخرجه أحمد وأبو داود، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم (4)» .
2 -
أخرج الدارقطني، عن أبي إسحاق السبيعي، عن
(1) نيل الأوطار 5/ 319.
(2)
يقصد حفر البئر ليقع فيه الناس.
(3)
تفسير القرطبي 3/ 360.
(4)
أخرجه أبو داود رقم 3462، باب في النهى عن العينة، وأحمد في المسند (الفتح الرباني 15/ 44 رقم 145).
امرأته أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم، فقالت: يا أم المؤمنين إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة، وإني ابتعته منه بستمائة نقدا. فقالت لها عائشة: بئس ما اشتريت، وبئس ما شريت، أخبريه أن الله تعالى قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب، فقالت لها: أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي، قالت: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف.
ويدل الحديث أنه لا يجوز لمن باع شيئا بثمن مؤجل، أن
يشتريه من المشتري بأقل من ذلك الثمن نقدا، قبل قبض الثمن الأول. وتصريح عائشة بأن مثل هذا الفعل موجب لبطلان الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنها قد علمت التحريم بنص من الشارع، إما على جهة العموم، أو جهة الخصوص، كما جاء في حديث بيع العينة المتقدم (1).
وقد ذكر العلماء للعينة صورا متعددة، ومن هذه الصور:
أ- أن يعطي الرجل الآخر مبلغا من المال دون زيادة، ولكنه يطلب منه سداد هذا المبلغ عن طريق عمل يؤديه إليه.
ولكنه لا يدفع له أجر أمثاله، بل غالبا ما يكون ذلك الأجر أقل من نصف الأجرة المعتادة.
وقد كان هناك شيخ في قريتنا يفعل ذلك، حتى مع أقاربه المحتاجين، إذ كان يشتري الأرض غير المزروعة بثمن زهيد، ثم يكلف الآخرين الذين يداينهم بالعمل في أرضه بنصف الأجر تقريبا، ويدعي أنه يريد أن يعينهم لكي يقوموا بسداد ما في ذمتهم، فيعملون طيلة السنة في أرضه يزرعونها، ويسمدونها، ويقومون على رعايتها، بأجر زهيد. فيصبح الربا الذي يأخذه منهم مضاعفا، أكبر من ربا البنوك وما شابهها. والقاعدة المشهورة عند العلماء:" أن كل قرض جر نفعا فهو ربا ".
(1) نيل الأوطار 5/ 317.
وما ذكره ابن تيمية، من أن عامة صور بيع العينة يدخل في بيع المضطر، وبالتالي فالحكم يجمع هذه الصور عامة، لأنه استغلال لحاجة المضطر، فهو كلام متفق مع روح الشريعة.
2 -
ومن صور العينة ما يسمى بالتورق وهو أن يشتري الرجل السلعة لا حاجة له بها، بثمن مؤجل، أكثر من سعرها الحقيقي في السوق، ثم يبيعها بثمن معجل، أقل مما اشتراها به، وغالبا ما يبيعها بأقل من سعرها الحقيقي في السوق، فتكون خسارته في السلعة أكبر من الفائدة الربوية، وهو أمر مشتهر في شراء السيارات، فيشتري الرجل سيارة نسيئة من الشركة بعشرة آلاف دينار، على أن يدفع الثمن على أقساط مؤجلة، ثم يأخذ الرجل السيارة ويبيعها في السوق بتسعة آلاف أو أقل، لأنه أصلا لا يريد السيارة، ولكن يريد الحصول على المال.
وقد ذهب عمر بن عبد العزيز إلى تحريم التورق، وقال عنه: إنه أخية الربا، وذهب إلى ذلك الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه،
ورجح ذلك ابن تيمية (1).
وقد ذهب الشيخ عبد العزيز بن باز إلى جواز التورق (2)، ووضع رسالة في ذلك بعنوان (التورق)، كما ذهب إلى جواز ذلك الكمال بن الهمام من الحنفية، والقاضي أبو يوسف (3)، وعامة الشافعية كما هو مشهور عنهم (4)، وابن حزم الظاهري (5).
3 -
ومن صور العينة أن يعطي الرجل لآخر مبلغ ألف دينار قرضا، على أن يبيعه سلعة لا تساوي دينارا بمائة دينار.
وهذه المسألة تسمى مسألة السبحة؛ لأنه بعد أن يعطيه المال، يبيعه سبحة عنده بمبلغ كبير، يفوق النسبة الربوية التي يصرح بها الآخرون. والدليل في هذا المقام قوله تعالى:{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (6).
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 29/ 431.
(2)
انظر: مجلة البحوث الإسلامية، العدد (7) ص 53.
(3)
حاشية ابن عابدين 5/ 326.
(4)
الأم 3/ 38 تكملة المجموع 10/ 149.
(5)
المحلى 9/ 47.
(6)
سورة البقرة الآية 9
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل باع حريرة ثم ابتاعها لأجل زيادة درهم، فقال: دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة. سئل عن ذلك أنس بن مالك فقال: هذا مما حرم الله ورسوله (1).
فمتى كان مقصود التعامل دراهم بدراهم إلى أجل: «وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (2)» .
وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا (3)» وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك (4)»
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 29/ 432.
(2)
أخرجه البخاري 1/ 7 - 15، في بدء الوحي، وفي الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية، وأخرجه مسلم برقم 1907، في الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنية " وانظر: جامع الأصول 11/ 556، حيث قال ابن الأثير الجزري: أخرجه الجماعة إلا الموطأ.
(3)
صحيح الجامع الصغير، رقم 6116، وقال فيه: حديث حسن، أخرجه أبو داود والحاكم وابن أبي شيبه. وانظر: جامع الأصول لابن الأثير الجزري 1/ 533، ونقل المحقق قول ابن القيم في تهذيب السنن 5/ 105 في شرح هذا الحديث، ورجح أن المراد بذلك بيع العينة.
(4)
أخرجه النسائي 7/ 288، 295 في البيوع، باب سلف وبيع، وباب شرطان في بيع، والترمذي رقم 1234، في البيوع باب كراهية بيع ما ليس عندك، وأبو داود رقم 3405 في الإجارة. وانظر: صحيح الجامع الصغير بتحقيق الألباني رقم 7644، وقال: إن المراد بهذا الحديث هو بيع التقسيط المعروف اليوم، والعلة في ذلك الربا.