الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله ومخلوقاته ويجعلهم يصرفونها عن ظاهرها ويفسرونها وفق أهوائهم، سواء في ذلك الآيات القرآنية أو الآيات الكونية، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1){لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (2){وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ} (3).
تلك أبرز الأسباب المانعة من التفكر، وإذا كان المرء مؤمنا بالله سالما من الغفلة والكبر، فإنه يتفكر في كل ما حوله من الآيات ويعتبر بها.
(1) سورة غافر الآية 56
(2)
سورة غافر الآية 57
(3)
سورة غافر الآية 58
الخاتمة:
وبعد فأحمد الله على ما يسر من إتمام هذا البحث الذي بينت فيه مفهوم التفكر، وأهميته، وأنواعه، ومجالاته، وثمراته، وقد خلصت من ذلك إلى بعض النتائج منها:
1 -
إن التفكر من العبادات القلبية الجليلة، وأن الكتاب والسنة قد جاءا بطلبه والحث عليه.
2 -
إن مفهوم التفكر في الإسلام لا يعني تكلف هيئة معينة، أو ترديد كلمات مخترعة. كما أنه لا يعني التعبد بالصمت إذ لا عبرة ولا
فضيلة للصمت المطلق، بل يعني ترديد العلم بالقلب، وتقليب النظر، اعتبارا وتفكرا بالآيات القرآنية والآيات الكونية.
3 -
إن الإسلام أتاح للمرء حرية التفكر في كل وقت وعلى أي حال، وليس لأحد أن يقوم بالوصاية على المسلم في تفكره.
4 -
إن أهمية التكفر تأتي من كونه أصل الطاعات ومبدأها، كما أن أصل كل معصية إنما يبدأ من الفكرة الرديئة. فهو سعادة المرء إلى العمل، وإدراك حقائق الأشياء، وسعادة المرء وشقاوته تبع لأفكاره.
5 -
إن التفكر الذي ينتفع به صاحبه هو الذي يبعث على التأسي بالكتاب والسنة، ويدعو إلى العمل بهما.
6 -
إن مجالات التفكر عديدة متنوعة أعظمها التفكر في القرآن العظيم، وفي أوامر الله تبارك وتعالى، وفي آياته ومخلوقاته.
7 -
إن التفكر من أعظم الأسباب لزيادة الإيمان واليقين، وهو طريق إلى التذكر وحياة القلوب والانتفاع بالمخلوقات.
8 -
إن من أعظم الأسباب الصارفة عن التفكر الكفر بالله واليوم الآخر، والكبر والغفلة والإعراض.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
صفحة فارغة
تفسير آيات الربا
للدكتور فريد بن مصطفى السلمان (1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، محمد الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد:
فقد كثر الكلام في العصر الحاضر عن الربا، ويحاول البعض أن يسميه بغير اسمه، ويحور معاني الآيات الكريمة، التي أجمع عليها سلف هذه الأمة وخلفها، فاجتهدت في جمع أقوال أهل العلم في تفسير آيات الربا، لعلي أسهم قدر الوسع والطاقة، في بيان مسألة علمية في غاية الأهمية تصدى لها العلماء قديما وحديثا.
وقد حاولت في هذا البحث، بعد بيان أسباب النزول، ومعاني ألفاظ الآيات القرآنية، تركيز البحث في مسائل محددة، بحيث يسهل على القارئ المراجعة والاستفادة، سائلا الله تعالى أن يوفقني فيما قصدت، وأن يتجاوز عما سلف مني من خطأ أو تقصير، إنه ولي
(1) كلية أصول الدين ـ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ذلك والقادر عليه، وأصلي وأسلم على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1){يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (2){إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (3){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (4){فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (5){وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (6){وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (7). 275 - 281 سبب النزول: أخرج أبو يعلى في مسنده وابن منده من
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة البقرة الآية 276
(3)
سورة البقرة الآية 277
(4)
سورة البقرة الآية 278
(5)
سورة البقرة الآية 279
(6)
سورة البقرة الآية 280
(7)
سورة البقرة الآية 281
طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب نزول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (1)
قال: بلغنا أن هذه الآية نزلت في بني عمرو بن عوف من ثقيف، وفي بني المغيرة من بني مخزوم، وكانت بنو المغيرة يربون (2) لثقيف؛ فلما أظهر الله رسوله على مكة، وضع يومئذ الربا كله، فأتى بنو عمرو وبنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد وهو على مكة، فقال بنو المغيرة: أما جعلنا أشقى الناس بالربا؟ ووضع عن الناس غيرنا. فقال بنو عمرو: صولحنا على أن لنا ربانا فكتب عتاب في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية والتي بعدها {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (3) فعرف بنو عمرو أن لا يدان لهم بحرب من الله ورسوله، يقول الله تعالى:
(1) سورة البقرة الآية 278
(2)
أي يأخذ المغيرة من بني عمرو المال بطريق الربا
(3)
سورة البقرة الآية 279
{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ} (1) فتأخذون أكثر ولا تظلمون فتبخسون منه.
وقال السدي: نزلت في العباس وخالد بن الوليد، وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا. فجاء الإسلام، ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب (2)» (3).
وقال عطاء: إنها نزلت في العباس بن عبد المطلب، وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وكانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجذاذ قال لهما صاحب التمر: لا يبقى لي ما يكفي عيالي، إذا أنتما أخذتما حظكما كله، فهل لكما أن تأخذا النصف وتؤخرا النصف، وأضعف لكما، ففعلا، فلما حل الأجل طلبا الزيادة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهما، وأنزل الله هذه الآية، فسمعا وأطاعا وأخذا رؤوس أموالهما (4).
وجاء عن الكلبي في سبب نزول قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (5) قال (6) قالت بنو عمرو بن عمير لبني
(1) سورة البقرة الآية 279
(2)
سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن (3087)، سنن أبو داود البيوع (3334)، سنن ابن ماجه المناسك (3055).
(3)
أسباب النزول للواحدي ص 96 رقم 185.
(4)
أسباب النزول للواحدي ص 96 رقم 184.
(5)
سورة البقرة الآية 280
(6)
أسباب النزول للواحدي ص96 رقم 186.