الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دلالة وحجة على أنه لا إله إلا الله، كما قال تعالى:{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} (1).
وإن " من تأمل الحبة تقع في الأرض، وتصل إليها نداوة تنفذ فيها فينشق أعلاها، ويخرج منه ساق الشجرة، وينشق أسفلها فيخرج منه عروقها، ثم تنمو ويخرج منها الأوراق والأزهار والأكمام والثمار، ويشتمل كل منها على أجسام مختلفة الأشكال والطبائع "(2). من تأمل ذلك علم أن لا بد من قادر حكيم، واستدل بها على عظمة خالقها، وأنه الإله الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وهذه الحبة من دلائل البعث، لأنها تدفن في التراب ليس لها ورق ولا غصن ولا ثمر ولا لون ولا طعم ولا حركة، فيمكثها الله في التراب، ثم يحييها فالق الحب والنوى، فيخرجها من الأرض، وكذلك يخرج الموتى وهو على كل شيء قدير (3).
(1) سورة النمل الآية 60
(2)
محي الدين زاده، حاشية زاده على البيضاوي، ج3، ص 170.
(3)
انظر: أبا الشيخ الأصبهاني، كتاب العظمة، ج1، ص286.
8 -
التفكر في مصارع الغابرين:
ومن مجالات التفكر العظيمة، التفكر في مصارع الأمم الغابرة، فيما نقل من أخبارهم في القرآن الكريم والسنة المطهرة، كيف كانوا؟ وأين هم الآن؟ فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا، وإن
الناظر إلى ديار الأمم الغابرة يرى ما وصلوا إليه من قوة وحضارة، فبادوا وأصبحوا عبرة لمن بعدهم، وقد أرشد القرآن العظيم إلى أن هذه الأمم الغابرة كان لهم شأن عظيم في بناء القصور، ونحت الجبال، وأعطاهم الله قوة في أجسامهم، فما أغنى عنهم كل ذلك لما كذبوا بآيات الله واستكبروا عن عبادته، وقالوا: من أشد منا قوة؟ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة.
وقد قص القرآن الكريم علينا قصص أولئك الأمم: عاد وثمود وقوم نوح وقوم لوط، وغيرهم، وقص علينا نبأ الذين استكبروا وطغوا وتجبروا: فرعون وهامان وقارون وغيرهم، بماذا قابلوا نعم الله عليهم وماذا كان مصيرهم؟.
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} (1){إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} (2){الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} (3){وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} (4){وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} (5){الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ} (6){فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} (7){فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} (8){إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} (9).
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاتعاظ بهؤلاء الأقوام الذين استحقوا مقت الله وغضبه، وفي غزوة تبوك عندما مر عليه الصلاة والسلام على ديار ثمود قال لأصحابه رضي الله عنهم: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا
(1) سورة الفجر الآية 6
(2)
سورة الفجر الآية 7
(3)
سورة الفجر الآية 8
(4)
سورة الفجر الآية 9
(5)
سورة الفجر الآية 10
(6)
سورة الفجر الآية 11
(7)
سورة الفجر الآية 12
(8)
سورة الفجر الآية 13
(9)
سورة الفجر الآية 14
باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم (1)»، وفي رواية:«أن يصيبكم (2)» . قال ابن حجر رحمه الله: " أي خشية أن يصيبكم، ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعث على التفكر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه، وهو سبحانه مقلب القلوب، فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك، والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به، والطاعة له، فمن مر عليهم ولم يفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال، ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم "(3).
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه هذا الحديث في باب النهي عن الدخول على أهل الحجر إلا لمن يدخل باكيا.
قال النووي رحمه الله: " فيه الحث على المراقبة عند المرور بديار الظالمين ومواقع العذاب، ومثله الإسراع في وادي محسر؛ لأن أصحاب الفيل هلكوا هناك، فينبغي للمار في مثل هذا الموضع المراقبة
(1) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، رقم الحديث 415، ورواه مسلم كتاب الزهد والرقاق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، رقم الحديث 5292.
(2)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3380)، صحيح مسلم الزهد والرقائق (2980)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 117).
(3)
ابن حجر، فتح الباري، ج1، ص 531.