الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلبسه ببعض المعاصي والآثام التي ألفها وأحبها، ولذلك فإنه يبتعد عن الفكر الذي قد يؤدي إلى التوبة منها أو إلى توبيخ نفسه وتأنيبها، فيظل غارقا في شؤونه دون تفكير في إصلاح نفسه أو أهله أو مجتمعه.
كما أن سبل المعيشة ووسائل الاتصال في العصر الحاضر جعلت كثيرا من الناس لا يجدون فراغا في أوقاتهم، فالأعمال تأخذ حيزا من وقتهم، كما أن وسائل الاتصال والترفيه تأخذ حيزا آخر من وقتهم وتفكيرهم، وتشغلهم عن التفكر في أنفسهم وما حولهم من الحوادث والآيات. وقد تساهم وسائل الاتصال أحيانا عبر برامجها في الحث على التفكر، ولكنها لا تدعو الإنسان إلى أن يستقل بتفكيره، كما أن وقتها قد لا يكون مناسبا عند عرضها؛ مما يقلل من فائدها، وقد لا يكون لدى المتلقي الاستعداد الذهني لتقبلها، وقد لا يكون لديه الصفاء النفسي الذي يحتاجه عند عرضها، فليس كل وقت يناسب للتفكر، وليس كل موضوع يناسب أيضا.
ثالثا: الكبر:
وهو من أخطر الأدواء وأعظم الذنوب وسبب للمقت من علام الغيوب، والمتكبرون لا ينتفعون بشيء من آيات الله ودلائل وحدانيته وقدرته، قال تعالى {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (1).
(1) سورة الأعراف الآية 146
قال ابن جريج رحمه الله: سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا (1).
وقال السعدي رحمه الله: ((سأصرفهم عن الاعتبار في الآيات الأفقية والنفسية والفهم لآيات الكتاب {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (2) أي: يتكبرون على عباد الله، وعلى الحق، وعلى من جاء به، فمن كان هذه الصفة حرمه الله خيرا كثيرا وخذله ولم يفقه من آيات الله ما ينتفع به، بل ربما انقلبت عليه الحقائق واستحسن القبيح)) (3).
والكبر هو ذنب إبليس اللعين، قال تعالى:{إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (4) وهو ذنب الأقوام الذين كذبوا الرسل عليهم السلام من لدن نوح عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى عن قوم نوح:{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} (5) وقال تعالى عن عاد قوم هود: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} (6)
(1) انظر: ابن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج9، ص 60
(2)
سورة يونس الآية 23
(3)
السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص 266.
(4)
سورة البقرة الآية 34
(5)
سورة نوح الآية 7
(6)
سورة فصلت الآية 15
وعن ثمود قوم صالح: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (1) وعن قوم شعيب {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} (2) وعن قوم موسى قال تعالى: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} (3).
ومنع الكبر أيضا مشركي قريش في مكة من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (4) والكبر هو الذي صرف المنافقين وصدهم عن الانتفاع بالحق، قال تعالى عن المنافقين:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} (5) فالكبر داء يمنع من قبول الحق كما يمنع من التفكر في آيات
(1) سورة الأعراف الآية 75
(2)
سورة الأعراف الآية 88
(3)
سورة العنكبوت الآية 39
(4)
سورة الصافات الآية 35
(5)
سورة المنافقون الآية 5