الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المغيرة: هاتوا رؤوس أموالنا ولكم الربا ندعه لكم. فقال بنو المغيرة: نحن اليوم أهل عسرة فأخرونا إلى أن ندرك الثمرة، فأبوا أن يؤخروهم، فأنزل الله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} (1) الآية.
مناسبة الآيات لما قبلها:
لما ذكر الله تعالى عباده الأبرار الذين يؤدون الزكوات، المتفضلين بالبر والصدقات، لذوي الحاجات والقرابات، في جميع الأحوال والأوقات، شرع في ذكر أكلة الربا وأموال الناس بالباطل، وأنواع الشبهات (2).
وذلك من باب المقابلة، وكما يقولون " وبضدها تتميز الأشياء "، وقد أكثر الله تعالى من هذا الأسلوب في كتابه العزيز، فنجد ذكر صفة أصحاب النار يأتي في مقابلة صفات أهل الجنة وهكذا.
(1) سورة البقرة الآية 280
(2)
تفسير ابن كثير 1/ 326، تفسير البحر المحيط 2/ 703، تفسير الرازي 7/ 87، تفسير القاسمي 3/ 700.
بيان معاني الألفاظ:
1 -
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} (1) الربا لغة الزيادة، ومنه قوله تعالى:{فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} (2) أي زادت بنمو النبات، فزاد على ما حوله.
ومنه ما جاء في الحديث الصحيح: «فلا والله ما أخذنا من
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة الحج الآية 5
لقمة إلا ربا من تحتها (1)».
أي زاد الطعام ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
وعبر عن الأخذ ومطلق التصرف بالأكل، وذلك لأن غالب ما ينتفع به، إنما يكون للأكل.
وقيل للتشنيع على أكلة الربا، فكأنهم يأكلون هذه الأموال المختلفة في بطونهم.
وتعريف الربا للعهد، أي لا تأكلوا الربا المعهود في الجاهلية (2).
أما الربا في الاصطلاح، فقد اختلفت في ذلك عبارات العلماء، منها ما ذكره ابن قدامة في المغني، حيث قال:(3)" وهو في الشرع الزيادة في أشياء مخصوصة ". وقال الألوسي: " هو فضل مال خال عن العوض في معاوضة مال بمال (4).
2 -
{لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (5) أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كالمجانين، عقوبة لهم عند جميع أهل المحشر، ويقوي هذا القول الذي ذهب إليه عامة المفسرين قراءة عبد الله بن مسعود:(لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم (6).
(1) أخرجه البخاري، في مواقيت الصلاة، باب السمر من الضيف والأهل، فتح الباري 2/ 75 رقم 602، وأخرجه مسلم، في الأشربة 176، وأحمد في المسند 1/ 197.
(2)
تفسير المنار 3/ 94.
(3)
المغني 4/ 5
(4)
روح المعاني 3/ 48، وهذا التعريف نقله القاسمي في محاسن التأويل 3/ 700.
(5)
سورة البقرة الآية 275
(6)
تفسير ابن كثير 1/ 326، تفسير البحر المحيط 1/ 705.
وقيل: إن المراد بالآية تشبيه حال أكلة الربا في حرصهم وجشعهم في الحياة الدنيا، بحال المصروعين المجانين، الذين يخبطون على غير هدى.
والخبط: الضرب بغير استواء، خبط العشواء (1).
ومنه قيل: خبط عشواء، وهي الناقة التي في بصرها ضعف، تحبط إذا مشت، لا تتوقى شيئا، وتخبطه الشيطان، أي أفسده (2).
والمس: الجنون (3)، وأصله من المس باليد، فكأن الشيطان يمس الإنسان فيجنه.
قال الراغب: وكنى بالمس عن الجنون، والمس، يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى (4).
3 -
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} (5) أي حل بهم ذلك العقاب؛ لأنهم جعلوا البيع كالربا. وكان الأصل أن يقولوا إن الربا مثل البيع، ولكن لشدة تمسكهم بالربا جعلوا الربا أصلا في
(1) مختار الصحاح مادة (خبط) تفسير أبي السعود 1/ 266.
(2)
مختار الصحاح مادة (خبط) تفسير أبي السعود 1/ 266.
(3)
القاموس المحيط مادة (مس)، الكشاف 1/ 399، والمفردات ص 467، البحر المحيط 1/ 706
(4)
المفردات ص 467.
(5)
سورة البقرة الآية 275
الحل، وقاسوا عليه البيع.
4 -
{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (1) إبطال لقياسهم، وبيان لفساد قياسهم، وبيان أنه لا قياس مع النص.
5 -
{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} (2) فمن بلغه النهي عن الربا فانتهى، فله ما أخذه قبل نزول التحريم، ولا يسترد منه، والله يجازيه على انتهائه إن كان صادق النية، وقيل: يحكم في شأنه، ولا اعتراض لكم عليه (3).
6 -
{وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (4) ومن عاد إلى القول بتحليل الربا فأولئك أصحاب النار خالدون فيها. وقيل: العود هنا يراد به التعامل بالربا، والخلود في النار إنما جاء على سبيل التهديد والوعيد، وبيان لطول المكث، وليس الخلود الأبدي، لأن ذلك إنما هو للكفار.
7 -
{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (5) يمحق الله الربا بأن يذهب بركته، ويهلك المال الذي يدخل فيه، ويضاعف ثواب الصدقات، ويبارك في المال الذي أخرجت منه الصدقة، والمحق: النقص والذهاب، ومنه المحاق في الهلال، يقال: محقه، إذا أنقصه وأذهب بركته.
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة البقرة الآية 275
(3)
تفسير أبي السعود 1/ 266.
(4)
سورة البقرة الآية 275
(5)
سورة البقرة الآية 276
8 -
{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (1) والله لا يحب كل كفور القلب، مصر على تحليل المحرمات، أثيم منهمك في ارتكاب المعاصي.
9 -
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2) في توسيط هذه الآية بين آيات الربا ما يشير إلى المقابلة، فكأن الذين يأكلون الربا ليسوا من هذا الصنف، الذي وعده الله هذا الوعد الحسن.
10 -
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (3) اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، بترككم ما بقي لكم من الربا، وصفحكم عنه، إن كنتم آمنتم بالله عز وجل وعلى هذا يكون الخطاب لثقيف في أول دخولهم في الإسلام، وإذا كانت الآية في المؤمنين، فمجيء الشرط هنا للحث والمبالغة في الالتزام.
11 -
{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (4) فإن لم تتركوا الربا، فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من كان مقيما على الربا، لا ينزع عنه، فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه، وفي رواية أخرى عنه، أنه يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب (5) أي لمحاربة الله عز وجل وفي ذلك بيان لشدة العقوبة التي تنتظره.
(1) سورة البقرة الآية 276
(2)
سورة البقرة الآية 277
(3)
سورة البقرة الآية 278
(4)
سورة البقرة الآية 279
(5)
تفسير الطبري3/ 71.
12 -
{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (1) إن تبتم فتركتم أكل الربا، فلكم رؤوس أموالكم من الديون التي لكم على الناس، دون زيادة أو نقصان.
13 -
{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (2) وإن كان المدين عجز عن سداد أصل المال، فيمهل إلى وقت استطاعته، وهذا عام في الديون كلها، وفي أصل المال الذي أعطي بقصد الربا، وهو الراجح، وقيل: إن الآية خاصة برأس المال الذي أعطي بقصد الربا (3).
و (كان) في الآية تامة، بمعنى وجد، أي وإن وجد ذو عسرة (4).
14 -
{وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (5) وأن تتصدقوا على المعسر برؤوس أموالكم، من أن تمهلوه إلى وقت يساره، إن كنتم تعلمون ما يترتب على ذلك من الفضل والثواب عند الله.
15 -
{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (6) المراد باليوم يوم القيامة، وجاء التنكير للتفخيم والتهويل، وتعلق الاتقاء بهذا اليوم، للمبالغة في التحذير مما فيه، من الأهوال والشدائد، وفي قوله تعالى:{ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ} (7) يفيد العموم والمبالغة في تهويل ما يترتب على ذلك اليوم من الحساب، فتجزى كل نفس بما عملت، من خير أو شر، ((وهم لا يظلمون)).
(1) سورة البقرة الآية 279
(2)
سورة البقرة الآية 280
(3)
تفسير الطبري 3/ 74.
(4)
تفسير الكشاف 1/ 247.
(5)
سورة البقرة الآية 280
(6)
سورة البقرة الآية 281
(7)
سورة البقرة الآية 281