المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى حال القيام في الصلاة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌ حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى حال القيام في الصلاة

- ‌حكم قول المصلي (آمين) والجهر بها

- ‌من لا يحسن غير الإنجليزية كيف يصلى

- ‌هل يقول في الصلاة: سيدنا ومولانا محمد

- ‌ معنى الصلاة على النبي

- ‌لعن الرجل نفسه وهو في الصلاة

- ‌اجتماع الإمام والمأمومين على الدعاء في أدبار الصلوات بدعة

- ‌المصافحة بعد الجلوس في المسجد

- ‌المرور بين يدي المصلي

- ‌صلى بهم خمس ركعات ساهيا ولم ينبهوه فما الواجب

- ‌ظن أنه التشهد الأخير فسجد للسهو

- ‌ سها الإمام فقال أحد المأمومين: اسجد واقترب

- ‌لا راتبة للعشاء قبله

- ‌تنفل المسافر

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌تمني الموت طلبه لا يجوز

- ‌كيفية تلقين المحتضر

- ‌حكم قراءة سورة يس عند المحتضر

- ‌حكم تلقين الكافر

- ‌حكم وضع المصحف على بطن الميت

- ‌حكم قراءة القرآن على الأموات

- ‌حكم وضع الحناءفي يد المرأة التي تحتضر

- ‌بعض البدع التي تقال عند المحتضر

- ‌ توجيه المحتضر للقبلة

- ‌كيفية توجيه المحتضر إلى القبلة

- ‌حكم تقبيل الميت

- ‌تارك الصلاة لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولايدفن في مقابر المسلمين

- ‌حكم سؤال المغسل عن حال الميت

- ‌ الأولى بتغسيل الميت

- ‌جواز غسل أحد الزوجين للآخر بعد الوفاة

- ‌حكم غسل الرجل لامرأته والبنت الصغيرة

- ‌العلاقة الزوجية لا تنتهي بالموت

- ‌المطلقة طلاقا رجعيا يغسلها زوجها

- ‌عدد من يتولى غسل الميت

- ‌الأشياء التي يغسل بها الميت

- ‌حكم استخدام السدر في الغسل

- ‌حكم الأخذ من شاربوإبط وأظفار وعانة الميت

- ‌حكم نزع أسنان الذهب من الميت

- ‌تطييب الميت وكفنه

- ‌حكم تسويك الميت

- ‌حكم الزيادة على سبع غسلات

- ‌حث النساء علىالمشاركة في غسل الميتات

- ‌حكم إقامة دورات لتعليم تغسيل الأموات

- ‌حكم تصويرغسل الميت للتذكير أو التعليم

- ‌تغسيل المحرم إذا توفي

- ‌حكم تغسيل جريح المعركة إذا مات بعدها

- ‌المظلوم يغسل ويصلى عليه

- ‌حكم تغسيل المنتحر والصلاة عليه

- ‌كيفية تغسيل من ماتفي حادث وقد تشوه جسده

- ‌المغسل يخبر بعلامات الخير لا الشر

- ‌مدى صحة حديثمن غسل مسلما فستر عيوبه

- ‌كيفية تكفين الميت

- ‌كيفية تكفين المحرمة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ نصاب الزكاة في الدولارات الأمريكية

- ‌ الوضوء لصلاة الجنازة

- ‌قول (حي على خير العمل) في الأذان

- ‌ الدعاء لإخواننا في فلسطين

- ‌ إذا بال الإنسان أو تغوط واستجمر، ثم عرق، هل هذا العرق ينجس الملابس

- ‌ سؤر البغل والحمار وسباع البهائم وجوارح الطير

- ‌التفكير في آيات الله تعالى ومخلوقاته في ضوء القرآن والسنة

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: مفهوم التفكر وأهميته:

- ‌المطلب الأول: مفهوم التفكر وكيفيته:

- ‌المطلب الثاني: أهمية التفكر وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: أنواع التفكر ومجالاته:

- ‌المطلب الأول: أنواع التفكر:

- ‌المطلب الثاني: مجالات التفكر:

- ‌ التفكر في القرآن العظيم:

- ‌ التفكر في المخلوقات:

- ‌ التفكر في الدنيا والآخرة:

- ‌ التفكر في الموت والبعث:

- ‌ التفكر في المتقابلات:

- ‌ التفكر في خلق الإنسان:

- ‌ التفكر في الحيوان والنبات:

- ‌ التفكر في مصارع الغابرين:

- ‌المبحث الثالث: ثمرات التفكر ومعوقاته:

- ‌المطلب الأول: ثمرات التفكر:

- ‌أولا: زيادة الإيمان واليقين:

- ‌ثانيا: التفكر طريق التذكر وحياة القلوب:

- ‌ثالثا: التفكر طريق إلى التوبة والعمل:

- ‌رابعا: التفكر طريق إلى التفقه:

- ‌خامسا: التفكر طريق إلى الانتفاع بالمخلوقات:

- ‌المطلب الثاني معوقات التفكر:

- ‌أولا: الكفر بالله واليوم الآخر:

- ‌ثانيا: الإعراض والغفلة:

- ‌ثالثا: الكبر:

- ‌الخاتمة:

- ‌بيان معاني الألفاظ:

- ‌ما يستفاد من الآيات:

- ‌ أنواع الربا:

- ‌ ربا النسيئة:

- ‌ ربا الفضل:

- ‌ علة تحريم ربا الفضل:

- ‌ الخلاف في تحريم ربا الفضل:

- ‌ صرع الجن للإنسان:

- ‌ الحكمة من تحريم الربا

- ‌ بيع العينة

- ‌ الربا من أكبر الكبائر:

- ‌ التدرج في تحريم الربا:

- ‌ من كثرت عليه الديون، ولم يستطع الوفاء بها، فللحاكم أن يخلعه عن ماله كله

- ‌ لو أصر أهل بلدة على أكل الربا، فإن للإمام أن يستتيبهم

- ‌ من شروط التوبة الصادقة لآكل الربا، أن يرد المرابي المال الذي أخذه زيادة

- ‌ الربا في دار الحرب:

- ‌ شبهات حول الربا:

- ‌ السلم والمحاقلة والمزابنة والمخابرة:

- ‌ في قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ}

- ‌ سبب نزول قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ}

- ‌ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً

- ‌ بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌المبحث الأول: تعريف الأثر

- ‌المبحث الثاني: تعريف التوبة

- ‌المبحث الثالث: حكم التوبة

- ‌المبحث الرابع: تعريف العقوبة

- ‌المبحث الخامس: تعريف القذف

- ‌المبحث السادس: عقوبة القذف

- ‌الفصل الأول: أقوال العلماء في أثر التوبة على عقوبة القذف:

- ‌المبحث الأول: أثر التوبة على عقوبة الجلد

- ‌المبحث الثاني: أثر التوبة على عقوبة رد الشهادة

- ‌المسألة الأولى: شهادة القاذف بعد الحد والتوبة

- ‌المسألة الثانية: شهادة القاذف قبل الحد والتوبة

- ‌المبحث الثالث: أثر التوبة على عقوبة التفسيق

- ‌الفصل الثاني: صفة توبة القاذف

- ‌الخاتمة:

- ‌كتابة القرآن الكريم بخط برايل للمكفوفين

- ‌الرسم العثماني:

- ‌تعريف الرسم:

- ‌ما لا يدخل في الرسم العثماني:

- ‌أدلة من يرى جواز كتابة المصحف بالرسم القياسي:

- ‌كتابة المصحف بخط برايل للمكفوفين:

- ‌الخاتمة:

- ‌تعدد الزوجات وحقوق الإنسان

الفصل: ‌ حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى حال القيام في الصلاة

من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

مفتى الديار السعودية رحمه الله

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة / صاحب السمو الملكي رئيس الديوان الملكي المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد جرى الاطلاع على خطاب سموكم رقم ص - ف -1932 وتاريخ 22/ 9 / 1383 هـ، المرفق به الرسالة الواردة إليكم من الحاج (قي بلا) من الجمهورية السنغالية المتضمن استفتاءه عن المسألتين الآتيتين، وقد جرى تأملها والجواب عليها بما يلي (1).

(1) المسألة الثانية في التأمين وتأتي قريبا

ص: 23

المسألة الأولى: في‌

‌ حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى حال القيام في الصلاة

هل هو السنة، أو أن السنة إرسالها؟

ج: الحمد لله وحده. السنة للمصلي أن يضع يده اليمنى على اليسرى حال قيامه، وهو قول الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهذا مذهب الأئمة الثلاثة، أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، ذكره الإمام مالك في الموطأ، حيث قال: " وضع اليدين

ص: 23

إحداهما على الأخرى في الصلاة " مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري أنه قال: من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة، يضع اليمنى على اليسرى، وتعجيل الفطر والإستيناء بالسحور مالك عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد، أنه قال: " كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه في الصلاة " قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك. اهـ.

قال الزرقاني في " شرح الموطأ ": روى أشهب عن مالك: لا بأس به في الفريضة والنافلة. وكذلك قال أصحاب مالك المدنيون. وروى مطرف، وابن الماجشون، أن مالكا استحسنه. قال ابن عبد البر لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين، وهو الذي ذكره مالك في الموطأ، ولم يحك ابن المنذر غيره عن مالك.

وفي " الشرح الكبير على مختصر خليل " لأحمد الدردير، عند قول الشيخ خليل: وهل كراهتة في الفرض للاعتماد. ما نصه: فلو فعله لا للاعتماد بل استنانا لم يكره، وكذا إن لم يقصد شيئا فيما يظهر.

ومن تأمل الأحاديث والآثار الواردة في ذلك، عرف يقينا أنه هو السنة، وقد تتبع العلماء الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب، فبلغت عشرين حديثا، رواها ثمانية عشر صحابيا وتابعيان، منها ما قد

ص: 24

سبق إيراده مما رواه الإمام مالك في الموطأ، ومنها ما رواه الترمذي عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه (1)» قال الترمذي: حديث حسن، وعليه العمل عند أهل العلم، من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم والتابعين، ومن بعدهم. وعن وائل بن حجر قال:«صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى على صدره (2)» أخرجه ابن خزيمة، وأخرجه أبو داود، بلفظ «ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ والساعد (3)» والرسغ هو المفصل بين الساعد والكف.

فأما القائلون بإرسال اليدين، فاحتجوا بأنه قد جاءت آثار ثابتة، نقلت منها صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى. وأجيب عن ذلك بما ذكره ابن رشد في " بداية المجتهد "، وهو أن الآثار التي أثبتت وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة اقتضت زيادة على الآثار التي لم تذكر ذلك. والزيادة يجب أن يصار إليها.

(1) سنن الترمذي الصلاة (252)، سنن أبو داود الصلاة (1041)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (929).

(2)

صحيح مسلم الصلاة (401)، سنن الترمذي الصلاة (248)، سنن النسائي الافتتاح (889)، سنن أبو داود الصلاة (723)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (867)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 317)، سنن الدارمي الصلاة (1357).

(3)

صحيح مسلم الصلاة (401)، سنن النسائي الافتتاح (889)، سنن أبو داود الصلاة (726)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (867)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 318).

ص: 25

فتوى في الموضوع أيضا

من محمد بن إبراهيم إلى المكرم ع. إ. ف. سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بالإشارة إلى كتابك الذي تسأل فيه عن مسألة، هي: هل فيه حديث يدل على سنة الإرسال في الصلاة؟

ص: 25

الجواب: الأصل في هذا القول عند من قال به: الكتاب، والسنة، الاستصحاب.

أما الكتاب: فقوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1){الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) وما جاء في معنى هذه الآية، مما يدل على الخشوع في الصلاة. ووجه الدلالة: أن قبض رسغ اليد اليسرى بكف اليد اليمنى والحركة المؤدية إلى ذلك بعد تكبيرة الإحرام مناف للخشوع، فيكون ممنوعا، والأقرب إلى الخشوع هو الإرسال فيكون مشروعا.

والجواب: على هذا إن تحريك اليدين إلى استقرار القبض وسيلة، والغاية سنة كما سيأتي، والوسائل لها حكم الغايات، وكون الغاية سنة، ثابت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه بطريق التواتر، فعند الترمذي وابن ماجه عن قبيصة بن هلب، عن أبيه، قال الترمذي - بعد إخراجه -: حديث حسن، وعند مسلم في صحيحه، وابن خزيمة في صحيحه عن وائل بن حجر، وعند أحمد في المسند، وابن عبد البر في التمهيد والاستذكار عن عطيف بن الحارث، وعند الدارقطني عن حذيفة بن اليمان، وعن أبي الدرداء عند الدارقطني مرفوعا، وابن أبي شيبة موقوفا، وعند أحمد والدارقطني، عن جابر، وعند أبي داود عن عبد الله بن الزبير، وعند البيهقي عن عائشة، وقال صحيح،

(1) سورة المؤمنون الآية 1

(2)

سورة المؤمنون الآية 2

ص: 26

وعند الدارقطني عن أبي هريرة، وعند أبي داود عن الحسن مرسلا، وعنده أيضا عن طاوس مرسلا، وعند البخاري في الصحيح، وأحمد في المسند عن سهل بن سعد، وعند أبي داود والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود، قال ابن سيد الناس: رجاله رجال الصحيح. وقال الحافظ في الفتح: إسناده حسن. وقال الترمذي في جامعه بعد سياقه لحديث هلب بن قبيصة عن أبيه ما نصه: والعمل على هذا عند أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة. ورأى بعضهم أن يضعها فوق السرة، ورأى بعضهم أن يضعها تحت السرة، وكل ذلك واسع عندهم. انتهى كلام الترمذي.

وأما السنة، فإنهم استدلوا بالدليلين الآتيين:

الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل

ص: 27

ذلك في صلاتك كلها (1)» متفق عليه.

وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم لم يبين له وضع اليمنى على اليسرى، وهذا موضع البيان، وقد أجمع العلماء على أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم.

والجواب على هذا من وجهين:

الأول: ما سبق من الأدلة الدالة على مشروعية القبض. وهذا قدر زائد على حديث المسيء فيعمل به.

الوجه الثاني: أن حديث المسيء غير وارد في محل النزاع. وتقرير ذلك: أن النزاع في الاستحباب لا في الوجوب، فترك ذكره إنما هو حجة على القائل بالوجوب، وقد علم أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على ذكر الفرائض في هذا الحديث.

الدليل الثاني:

عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة (2)» رواه مسلم في الصحيح، وأبو داود في السنن.

وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم أنكر على أصحابه رضي الله عنهم رفع أيديهم، وأمرهم بالسكون في الصلاة، وأمره يقتضي الوجوب، وقبض الشمال باليمين بعد تكبيرة الإحرام مخالف للسكون. والأمر بالشيء نهي عن ضده، ففيه نهي عن القبض،

(1) صحيح البخاري الأذان (757)، صحيح مسلم الصلاة (397)، سنن الترمذي الصلاة (303)، سنن النسائي الافتتاح (884)، سنن أبو داود الصلاة (856)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1060)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 437).

(2)

صحيح مسلم الصلاة (430)، سنن النسائي السهو (1185)، سنن أبو داود الصلاة (1000)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 102).

ص: 28

والنهي إذا تجرد عن القرائن اقتضى التحريم.

والجواب على هذا من وجوه ستة.

الأول: ما سبق من الجواب على الآية.

الثاني: ما سبق من الوجه الأول من الجواب على حديث المسيء.

الثالث: أن هذا الحديث ورد على سبب خاص، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:«كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة، إنما يكفي أحدكم أن يضع يديه على فخديه، ثم يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله (1)» رواه مسلم.

وإذا تقرر أنه وارد على سبب خاص، فالقاعدة المقررة في علم الأصول في هذا الباب أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن ورد ما يدل على عدم تناول هذا العموم لمسألة قبض الشمال باليمين، إذا تعارض عام أو خاص، أخرج الخاص من العام، لأن تناول الخاص لمدلوله أقوى من تناول العام لهذا المدلول، وقد اجتمع في هذا الخصوص قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره.

الرابع: أن أدلة القبض متواترة فتقدم.

الخامس: إذا ورد دليل عام وأجمع الصحابة على خلافه، أو

(1) صحيح مسلم الصلاة (431)، سنن النسائي السهو (1318)، سنن أبو داود الصلاة (998)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 86).

ص: 29

خلاف بعض مدلوله، علمنا أنهم لم يجمعوا إلا على أساس مستند اقتضى ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«لا تجتمع أمتي على ضلالة (1)» وهذا الحديث متواتر معنى (2)، فإنه ورد من طرق كثيرة، عن كثير من الصحابة، بألفاظ مختلفة، ترجع إلى معنى هذا اللفظ الذي ذكرناه، وبناء على ذلك فقد سبق نقل الإجماع عن الترمذي في هذه المسألة، وحكى الحافظ ابن حجر عن ابن عبد البر أنه قال: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف. والذي حكاه ابن حجر عن ابن عبد البر هو في كتابه (النقض): وهو أمر مجمع عليه في هيئه وضع اليدين إحداهما على الأخرى. فعلم بذلك عدم تناول العموم له.

السادس: أن مسمى الرفع في اللغة لا يصدق على مسمى الوضع، قال أحمد ابن الفارس في (معجم مقاييس اللغة) في مادة (رفع): الراء والفاء والعين، أصل واحد يدل على خلاف الوضع تقول: رفعت الشيء رفعا. وقال أيضا في مادة (وضع): الواو والضاد والعين أصل واحد يدل على الخفض للشيء وحطه. انتهى. وهذا المعنى في اللسان والقاموس وغيرهما من كتب اللغة. إذا تقرر ذلك بطل الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم «مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس (3)» فإن الأدلة جاءت بالوضع لا بالرفع. . .

(1) مسند أحمد بن حنبل (6/ 396).

(2)

وأخرجه ابن أبي عاصم.

(3)

صحيح مسلم الصلاة (430)، سنن النسائي السهو (1185)، سنن أبو داود الصلاة (1000)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 107).

ص: 30

وأما الاستصحاب: فهو أن الأصل هو الإرسال كحالة الإنسان، قبل الدخول في الصلاة، فكذلك إذا دخل في الصلاة.

والجواب: أن هذا الأصل مسلم لو سلم من المعارض. وتقرير ذلك أن الاستصحاب إنما يستدل به في حالة عدم ما يعارضه، وقد عورض هنا بأدله الوضع فتكون رافعة له.

إذا علمت ما سبق، فإننا نبين لك من علمنا أنه قال بالإرسال، قال النووي في (المجموع شرح المهذب): حكى ابن المنذر عن عبد الله بن الزبير، والحسن البصري، والنخعي، أنه يرسل يديه ولا يضع إحداهما على الأخرى، وحكاه القاضي أبو الطيب عن ابن سيرين، وقال الليث بن سعد: يرسلهما، فإن طال ذلك عليه وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة. وروى ابن عبد الحكم عن مالك الوضع، وروى عنه ابن القاسم الإرسال وهو الأشهر، وعليه جميع أهل المغرب من أصحابه، أو جمهورهم. قال ابن القيم في (إعلام الموقعين) بعد ذكر أحاديث وضع اليدين في الصلاة، ما لفظه: فهذه الآثار قد ردت برواية ابن القاسم عن مالك. قال: تركه أحب إلي، ولا أعلم شيئا قد ردت به سواه. انتهى.

وقال سليمان بن خلف الباجي في كتابه شرح الموطأ " وقد اختلف الرواة عن مالك في وضع اليمنى على اليسرى، فروى أشهب عن مالك أنه قال: لا بأس بذلك في النافلة والفريضة، وروى مطرف، وابن الماجشون عن مالك أنه استحسنه، وروى العراقيون عن

ص: 31

أصحابنا عن مالك في ذلك روايتين إحداهما الاستحسان، والثانية المنع، وروى ابن القاسم عن مالك: لا بأس بذلك في النافلة، وكرهه في الفريضة، وقال القاضي أبو محمد: ليس هذا من باب وضع اليمنى على اليسرى، وإنما هو من باب الاعتماد. والذي قاله هو الصواب، فإن وضع اليمنى على اليسرى إنما اختلف فيه هو من هيئة الصلاة، أم لا. وليس فيه اعتماد، فيفرق فيه بين النافلة والفريضة، ثم قال: وإنما منع الوضع على سبيل الاعتماد، ومن جعل منع مالك على هذا الوضع اعتل بذلك، لئلا يلحقه أهل الجهل بأفعال الصلاة المعتبرة في صحتها. انتهى.

فتبين لك مما سبق أن الإرسال ليس بسنة، وإنما السنة القبض، ولا اعتبار لقول أحد مع قول رسول صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره. والسلام عليكم.

ص: 32

س: هل يوضعان تحت السرة، أو على الصدر؟

ج: تعرف أن الأحاديث في أصل المسألة عدة ثابتة. ولا نزاع بين جمهور أهل العلم أنها تقبض اليمنى على اليسرى، لكن أين يجعلان بعد ذلك؟ من أهل العلم من يذهب إلى أنه يجعلهما تحت سرته، لخبر علي:«من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة (1)» رواه أحمد وأبو داود. والصحابي إذا قال من السنة فله حكم الرفع، ولكن خبر علي فيه ضعف عند أهل الحديث، إلا أنه عضده بعض الآثار فقوته، فمن أجل ذلك ذهب إليه أحمد. وبقي يشكل عليه حديث وائل أنه يجعلهما

(1) سنن أبو داود الصلاة (756)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 110).

ص: 32